الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مشاغب في الأربعين» سينما هندية تضع العبث على تخوم الرصانة

«مشاغب في الأربعين» سينما هندية تضع العبث على تخوم الرصانة
2 مايو 2011 20:19
أن يكون المرء مشاغباً في مقتبل العمر، فـذلك أمر مقبـول نسبيـاً، أمـا أن تتقـدم به السنيـن ويظل مصراً على تصرفه العبثي فتلك إشكالية لا يسهل تجاوزها، ذلك أن من شأن الأيام، كما جرت العادة، أن تشذب السلوك البشري دافعة به نحو قدر من الحكمة. في أحداث الفيلم الهندي "مشاغب في الأربعين" ما يطرح المسألة على بساط البحث، حيث نقع على "هبِّي"، وهو رجل هندي بلغ العقد الرابع من العمر، يقيم مع أهله في لندن، وتتنازع شخصيته ثنائية تربوية متناقضة بين والدة ملتزمة بقواعد السلوك الشرقي، ووالد لا يبدي حرصاً على القويم من قواعد العيش، وسط هذا التباين الصارخ لن يكون بوسع الكهل العازب ان يبدي استقرارا سلوكيا ولو في حده الأدنى، وعلى امتداد المساحة الشاسعة، التي تفصل بين الانضباط والتحلل، ستدور وقائع الفيلم كاشفة عن الكثير من المفارقات الساخرة، وأن تكون سخريتها مغلفة بقدر من تراجيديا المواقف العاجزة التي تحكم سلوك "هبي"، وتمنعه من مجاراة البشر الأسوياء في نمط عيشهم المألوف. على هامش الحياة في لندن، حيث الحياة متاحة وفق قدر كبير من الحرية، يجد هبي نفسه ملزماً بالتصريح عن طبيعة ظروفه لأقرباء له، بينهم من يفوقه عمراً، ويتفوق عليه بالتالي تجربة، ومن هو أقرب منه إلى سن الشباب حيث متسع من الصخب والعبث، الفريقان يبدوان في موقف متشابه حيال القريب المربك، هم يظهرون نحو شعوراً مركباً، عبارة عن مزيج من شفقة وسخرية. عندما يعرف الوالد بأمر ابنه ينتابه شيء من الهستريا، هو اعتاد الشغب السلوكي بالرغم من العمر الذي تقدم به عتياً، أذهله أن ولده لا يزال على حافة الحياة، لم يخض غمارها بما يليق بشاب موسر يعيش في مدينة الضباب الذي يخفي ملامح الأمكنة، كما يزيل آثار السلوكيات، في ملفى الغموض هذا لا يبدو المرء معنياً بالتدقيق في تصرفاته، كما لا يكون عليه أن يحذر مما يقوله الآخرون، إذ أن ليس لهؤلاء الآخرين من وجود فعلي، فالكل واحد في مواجهة الرغبات المتدفقة من دواخل تائقة لاستنفاذ لحظات العيش حتى رمقها الأخير. الهزيمة يبوح هبي بمكنونات صدره إلى الأقارب، ويسعى هؤلاء لإخراجه من حيزه الملتبس نحو معترك الصخب، يقترحون عليه ما خبروه جيداً من وسائل الترفيه الملتبس، كما هو معهود في حالات مماثلة يجد الرجل صعوبة في ارتكاب ما كان يحذره منذ البدء بوصفه خطيئة، أو محاذياً لها.. ثمة متسع للفكاهة في هذه الفسحة، خاصة آزاء ما تعرفه لندن من تجارب متمردة على كل النواميس والضوابط، يعاني هبي من التعامل مع فتيات يمتلكن من التجارب أضعافاً مضاعفة لما هو بحوزته، تصعب عليه مخادعة أي واحدة منهن، وإيهامها بكنه شخصاً طبيعياً، لديه القدرة على إدارة علاقة عاطفية، والإيفاء بمستلزماتها السلوكية المعهودة. بعد سلسلة من التجارب الفاشلة التي تودي به نحو مواقف مستدرة للضحك الممزوج بالشفقة، يقرر هبي الاستسلام إلى النمط التقليدي، ويطلب من ذويه البحث له عن عروس في الهند، حيث العادات لا تزال محافظة على بعض الكوابح، وحيث لا يحتاج الرجل إلى تراكم خبرات ليكون جديراً بأنثاه، هناك يمكنه الاعتماد على ذكورية متوارثة ليكون صاحب نفوذ يكفي لجعله رجلاً. أول ما كان على هبي وعائلته استيعابه أن الظروف الاجتماعية في الهند لم تعد كما كانت عندما غادروها متوجهين نحو بريطانيا، الطباع تغيرت، والفتيات هنا بتن أكثر جرأة، وإن كن لم يدركن المراحل التي بلغتها مثيلاتهن في أوروبا. في حضرة الذهول عندما قام برفقة عمه وعائلته لزيارة أهل إحدى الفتيات التي وقع عليها الخيار بوصفها عروساً مستقبلية له، كان هبي على موعد مع الدهشة لأكثر من مرة، بوغت في المرة الأولى عندما توجه إليه والد العروس بسؤال استنكاري عن سبب جلوسه معه، ومع الأهل، بدلاً من أن يقيم جلسة منفردة مع العروس، أما في الدهشة الثانية فقد تولت شأنها العروس نفسه، عندما سألها ما إذا كان قد سبق لها الزواج، فردت عليه بحيادية تامة: "تقريباً"! وسكتت لتتركه وسط حالة من الذهول الكلي. التجربة الأولى لتزويج هبي في الهند لم يكتب لها النجاح، كان لبعض العثرات الغير مقصودة التي وقع بها أن جعلت أهل العروس يحجمون عن تزويجه ابنتهم، لكن ذلك لا يدعو إلى اليأس، على حد ما قاله له عمه، فالفتيات كثيرات، وهو سيجد له من هي أفضل، لم يطل الأمر بالعم حتى كانت العائلة الممتدة لهبي تزور عائلة هندية أخرى، والد العروس الأرمل كان متلهفاً لتزويج ابنته ربما؛ لأنه كان مستعجلاً ليتزوج هو نفسه، الفتاة في عمر صغيرة، وهي تمارس سلوكاً حياتياً يجعلها أقل عمراً، باختصار لا تزال طفلة تهوى اللعب والعبث، وتستغرب لماذا يقدم الناس على الزواج الذي يحيل بين المرء وبين ممارسة ما يرغب فيه من شغب طفولي. تغاضى الجميع عن طفولة جورا، وأجريت مراسم الزفاف بسرعة، لكن العروس لم تستطع أخذ الأمر على ما يستحقه من محمل الجد، ولما كان هناك عرس آخر في القرية يقام بالتزامن مع عرسها، فقد قررت التمادي في العبث والذهاب إلى العرس الآخر لتحل محل العروس، كانت ترى في التصرف لعبة يسمح بها عمرها، وكان على الأهل أن يفعلوا الكثير لتدارك الموقف. الزواج لعبة تزوج هبي لكن زوجته لم تر في الأمر أكثر من توسيع لمطارح اللعب، هو يتذكر جيداً كيف أنه عندما ذهب لزيارة أهلها للمرة الأولى، لم تكن في المنزل، وقد قابلها بالصدفة في حديقة متاخمة.. قبيل وصوله كانت إحدى رفيقاتها تطرح عليها معضلة يعشقها الأطفال عادة: هل يسعك التقاط هذه التفاحة دون أن ترفعي أقدامك عن الأرض، ودون أن تستعيني بعصا أو ما شابه؟ في تلك اللحظة وصل هبي، وأخبرها أنه ينوي الزواج بها، سألته إن كان بوسعه أن يحملها، ففعل ظناً منه أنها تمارس بذلك غنج الأنثى حيال عاشقها، طلبت منه أن يضعها على أكتافه فلم يتردد، هنا سارعت إلى قطف التفاحة، وحل المعضلة التي سبق لرفيقتها أن طرحتها عليها! استمراراً في اللعب اقترحت عليه مع رفاقها أن يغمضوا عينيه بقطعة قماش ويجعلوه يركض خلفهم ليقبض على أحدهم، كانت الصدفة له بالمرصاد، حيث عثر على فتاة انكليزية كانت تصور أحد إعلاناتها في الهند، فتاة سبق له أن حلم بها طويلاً، وهو يرى صورها على وسائل النقل، وفي لوحات الإعلان الشارعية الضخمة. خلف أسوار الطفولة من خلف القماشة التي وضعتها جورة على عينيه، رأى هبي شارون، فتاة أحلامه، ومنذ تلك اللحظة سارت الأمور بغير ما يشتهي الجميع.. كان يبحث عن وسائل لتوضيح الموقف لزوجته الصغيرة التي لم تكن تفهمه جيداً، بل لم تكن ترغب في ذلك، وكان يتلقى منها التهكم والسخرية، وهو أمر يجيده الأطفال، كان هبي أكبر من طفل وأصغر من رجل، أما زوجته جوري فكانت محصنة بطفولتها الممتدة، تضع في إطارها كل ما يستجد امامها من أحداث لم تبدو معنية بإعطائها يفوق حجمها الطبيعي، أويكافئه حتى.. لقاءاته المتكررة بشارون دفعتها للتعاطف معه، أدركت ما يعانيه رجل ظل برغم أعوامه الكثر محروماً من العاطفة، ومن موقعها كفتاة أوروبية لا يعنيها الحذر في التعامل مع الذكور، أفردت شارون الكثير من المساحة لعلاقتها بهبي، بدا الرجل يعيش حلمه الكبير، لكن جورا كانت وخزة في الضمير المزدحم بأفكار شتى. توطدت العلاقة بين هبي وشارون، وكانت جورا متمادية في عبثها الطفولي، لكن الموقف اختلف عندما قادتها طابة كانت تجري وراءها نحو أحد الأدغال، حيث عثرت على زوجها وصديقته في موقف عاصف، في تلك اللحظة تبدلت ملامح الطفلة، بدت كما لو أنها أصبحت إمرأة ناضجة في لحظة، انحسرت إشارات البراءة لتحل محلها بسرعة قياسية علامات الغيرة، لم تكن تدرك حقيقة ما تعانيه، لكن جهلها لم يحل دون إمعانها في المعاناة. عالمان متشابهان لم يكن لدى جورا صديقات في عمر ملائم لتشكو لهن ما يعتمل في دواخلها، لكن إحدى رفيقاتها الصغيرات أمكنها أن تقوم بالمهمة: "أنتِ تشعرين بهذا الإحساس المؤذي لأنه لعبتك، وحتى لو قررت ركنها في المنزل، فإن عبث الأخريات بها لا بد أن يثير سخطك"! هكذا يتبين من خلال هذا التحليل المقنع أن عالم الصغار لا يختلف كثيراً عن مثيله للكبار! دخلت جوري في خانة المعاناة، وتفاقم وضعها عندما جاء هبي ليصارحها أنه مرتبط بامرأة أخرى، عبثاً حاولت ثنيه عن موقفه، تحولت مسارات الأحداث فجأة من الكوميديا الصاخبة نحو الحزن المطبق، في لحظة تأمل مربكة سيصرخ هبي من أعماق خيبته: "ما معنى كل هذه التعقيدات التي نعيشها في حياتنا ؟! لماذا لا يعانون منها في الغرب؟ هم يتزوجون وينجبون ويطلقون ويتزوجون ثانية، وتبقى أمورهم محافظة على طبيعيتها، فما معنى أن تكون الأمور مختلفة عندنا؟ لحظات جميلة يحاول الفيلم الإشارة إلى كونه متخطياً لحاجز الكوميديا المجردة، ثمة ما يريد قوله من وراء هذه المعابثة الساخرة، الأمر يتخطى سوء الحظ العابر ليقارب إشكاية مقيمة في الوعي الشرقي حيال قضايا حياتية جوهرية. مجددا تتغير الأمور عندما تقرر شارون وداع هبي، هكذا تعلن له مسدلة الستار على مرحلة هي الأشد خصوبة في حياتـه..”لكن ماذا عن الذي كـان بيننا”؟! يسأل الرجل مرتبكاً، “كانت لحظات جميلـة سأذكـرها دومـاً”! قالت المرأة بحيادية ترتيبها لحقائب السفر.. كما هو متوقع عاد هبي إلى زوجته، وقد حررتها التجربة من لوثة الطفولة دافعة بها نحو محرقة النضوج، وفي مشهد لاحق سنرى الزوجين وقد أصبحا محاطين بأطفال ينتظرون أدوراهم للتنكر لطفولتهم الممتعة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©