السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«وادي الذئاب» سينما تتأرجح بين الواقع والخيال على متن سفينة تركية

«وادي الذئاب» سينما تتأرجح بين الواقع والخيال على متن سفينة تركية
2 مايو 2011 20:19
أن تقارب السينما الواقع من مدخل لحظوي متفجر، فهي ترتكب مجازفة ما، المشهد المرئي يكون حينها مقيداً بمعطيات ملموسة، وتصبح الفرصة ضئيلة أمام إعادة صياغة الحدث وفقاً لرؤية إخراجية مرنة. ثمة مقايضة تفرض نفسها: الدخول إلى الواقع من بوابتها نفسها تعني التخلي المبدئي عن حرية يتيحها المتخيل، ويصير الرهان معقوداً على حقائق راهنية في استثمار العمل البصري، وتحميله الأبعاد الإيحائية التي يسعها وحدها أن تمنحه وسائل النجاح والتمايز. تنطبق المقولة على فيلم "وادي الذئاب" الذي يمثل مكافئاً سينمائياً لعمل تلفزيوني يحل الاسم نفسه. لعل النجاح الذي أحرزه المسلسل شكل دافعاً مقنعاً أمام التفكير بفيلم ينهض فوق الأسس المعمارية ذاتها، أما إذا كان التأسيس على نجاح يستتبع بالضرورة نجاحاً موازياً فتلك مسألة يحسمها النقاش. مشهد ومشاهد يتعامل وادي الذئاب مع الصراع العربي الإسرائيلي، ويمنح العامل التركي بعداً رئيسياً في سياقه، أمام مشهد بهذا القدر من التحديد لا يعود بوسع المشاهد تفادي المقارنة بين ما يقدمه العمل السينمائي وما يبوح به الواقع المعاش، لا بد من محاكمة تستند إلى أدلة هي جزء من يوميات المواطن العربي، بوصفه المشاهد الرئيسي للعمل، والشاهد المباشر على الحدث الواقعي، ولا بد من مقاصة استخلاصية تقاطع بين المشاهد السينمائية ومثيلاتها المرصودة في نشرات الأخبار، هامش المناورة يصير ضيقاً هنا، لا يمكن التوغل في الواقع حتى لا يهيمن الطابع الوثائقي على فيلم روائي بامتياز، كما لا يعود متاحاً التحليق بعيداً في الأجواء المتوهمة لأن جاذبية الأرض الحاضنة لظروف العمل ستكون عائقاً أمام أي إجراء مماثل. تحوير الصراع منذ اللحظة الأولى تبدو المشكلة مطروحة على بساط البحث: ما معنى أن تتحول المواجهة مع إسرائيل إلى قضية تركية صرفة، بحيث يغدو العامل العربي مقحماً في المعادلة؟! وكيف يمكن التفاعل مع مجريات سيناريو يتكىء على الواقع حيث يناسبه ذلك، ويتنكر له في أماكن أخرى؟ لعل القيمين على الفيلم تنبهوا لهذه المسألة عندما قرروا أن تكون البداية من سفينة مرمرة، السفينة التركية التي حملت متطوعين حاولوا فك الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، وانتهى بهم الأمر شهداء على أيدي الجيش الإسرائيلي، تصرف القائمون على العمل بقدر غير كاف من الذكاء عندما تفادوا إقامة رابط مباشر بين السفينة التي يبدأ الفيلم من مشدهها المأسوي وبين عملية عسكرية ينظمها فريق من الكوماندوس التركي، وتهدف إلى إطلاق أسرى من السجون الإسرائيلية.. لم يقم الفيلم صلة مادية بين الحادثتين، بل اكتفى بوضعهما في سياق تتابعي ليوحي "مجرد إيحاء" أن الثانية هي نتيجة للأولى. بعد ملخص لمشهد السفينة نقع على مجموعة من ثلاثة رجال يتجولون في شوارع القدس، ويحاولون الدخول إلى أحد مرافقها السياحية، يمنعهم الجندي الإسرائيلي المرابط على أحد الحواجز، يعرف من يبدو أنه متقدم على زملائه عن نفسه: "أنا مراد علمدار". الاسم لا يعني شيئاً للجندي، لكنه بالتأكيد يحرك ذاكرة المشاهد، فالرجل هو نجاتي شيشماز، الممثل نفسه الذي قام ببطولة مسلسل وادي الذئاب، وهو يحمل الإسم التمثيلي نفسه أيضاً. حديث المعاناة يقدم الرجال الثلاثة جوازات سفر دبلوماسية إلى الجندي، لكنه يرفض السماح لهم بالدخول، حينها تحدث ملاسنة بين الطرفين، لا تلبث أن تتحول إلى إصطدام جسدي، حيث يسيطر القادمون الثلاثة على أسلحة الجنود، ويطلقون النار عليهم قبل أن يخرقوا الحاجز متجهين إلى سيارة كانت تتنظرهم، يقودها الفلسطيني عبدالله، وهو، كما سيتضح من مجريات الأحداث، مهندس كان يقيم في لبنان، لكنه آثر العودة إلى فلسطين ليدافع عنها ضد محتليها، هو يحمل الرجال الثلاثة، ومعهم سيمون، المواطنة الأميركية اليهودية، وقد كانت موجودة في المكان نفسه، وهي ستصرخ على امتداد المسافة الفاصلة بين مكان الحادثة وبيت عبدالله: "أنا لست معكم.. أنا دليلة سياحية انزلوني". يصل الجميع إلى منزل عبدالله، وهناك ستطالعهم عائلة كثيرة العدد، أول ما يلفت النظر فيها أحمد ابن عبدالله، وهو عاجز عن السير بسبب رصاصة تلقاها من الجيش الإسرائيلي، عندما قرر الذهاب إلى المدرسة في يوم منع للتجول. تتحدث النسوة عن المعاناة التي يسببها الاحتلال، وتستمع المرأة اليهودية التي لا تكتم دهشتها، معلنة بصوت خافت: أن الدين اليهودي لا يبيح مثل هذه التصرفات. سوبرمانية بعد تناول العشاء يقرر الرجال التحرك باتجاه هدف العملية، مخاطر وأهوال كثيرة تعترض مسارهم، لكنهم يتجاوزوها بقدرة من طبيعة سوبرمانية، هنا أيضاً يمكن الإشارة إلى افتعالات وهمية متكئة على خلفيات من صميم الواقع، الإنجازات المبهرة التي حققها مراد ورفيقيه في المواجهات المتتالية مع قوات الجيش الإسرائيلي تجاوزت كل الأحلام التي سفحت عبر التاريخ الطويل للصراع، كان يكفي لأحدهما أن يصوب مسدسه باتجاه الجنود حتى يتساقط هؤلاء جملة وفرادى، أما المواجهات العنيفة التي دارت مع المواطنين العرب فكانت تتم غالباً باشراف الأتراك الثلاثة، وتحت قيادتهم، وفي حين كان العرب يتهاوون بالعشرات، كان صمود مراد ورفاقه يعكس سمة تكاد تكون أسطورية. في المحصلة نجحت العملية وتم اطلاق سراح الأسرى، وتمكن مراد من قتل موشيه، الضابط الإسرائيلي الذي كان مسؤولاً عن التصدي لسفينة مرمرة، وكان اللافت في الحوار الذي دار بين علمدار وبين أحد القياديين الإسرائيليين أنه تمحور حول غزو أحد القياصرة الروس لتركيا ذات مرحلة، ومشاركة يهودي في تلك الحرب، كما لو أن الهدف هو الإيحاء بوجود صراع اسرائيلي تركي، سابق على مثيله مع العرب. المفارقة أن الفيلم يقع في مطب اعتبار اليهود محسوبين على اسرائيل بالرغم من حرصه في أكثر من موقف على التمييز بين الاثنين.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©