الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرية ليست مجرد شعار!

28 ابريل 2012
جاء في "لسان العرب" لابن منظور في معنى الحر والحرية: "والحر بالضم نقيض العبد، والجمع أحرار وحرار… والحرة: نقيض الأمة، والجمع حرائر.. والحر من الناس أخيارهم وأفضلهم، وحرية العرب: أشرافهم، والحرة الكريمة من النساء، والحر يعني أيضاً الفعل الحسن، يقال: ما هذا منك بحُر، أي بحسن ولا جميل. ويقابل مفهوم الحر العبد، وهو الإنسان المملوك". أي الذي لا يملك قرار ذاته.. هذا في المعنى اللغوي.. وبالمعنى الفكري، يتحدث الكثير من المفكرين عن وجود لونين من الحرية، وهما: الحرية الطبيعية، والحرية الاجتماعية. فالحرية الطبيعية هي الحرية الفطرية المولودة مع الإنسان. والحرية الاجتماعية هي الحرية التي يمنحها النظام السياسي والاجتماعي القائم على منظومة أفكار ومعتقدات محددة، بحيث يكفلها المجتمع -بكل مؤسساته وهيئاته وإداراته- لأفراده أجمعين من حرية الفكر والتعبير والتنظيم، إلى حرية المعتقد والنقد والإعلام الحر… إلخ. ولكل من الحرية الطبيعية والأخرى الاجتماعية، طابعها الخاص. أما الحرية الطبيعية فهي تشكل عنصراً جوهريّاً في داخل كيان وذات الإنسان، ويمكن القول إنها ظاهرة أساسية تشترك فيها الكائنات الحية بدرجات مختلفة، تبعاً لمدى حيويتها. ولذلك كان نصيب الإنسان من هذه الحرية أوفر من نصيب أي كائن حي آخر، وهكذا كلما ازداد حظ الكائن من الحياة، أي كلما ارتفع وجوده وكماله الممكن، عظم نصيبه من الحرية الطبيعية.. وهذه الحرية الطبيعية التي يتمتع بها الإنسان كأعلى الموجودات، هي التي تعتبر بحق إحدى المقومات الجوهرية للإنسانية ككل، لأنها تعبير عن الطاقة الحيوية فيها. فالإنسانية بدون هذه الحرية لا تعدو أن تكون لفظاً بدون معنى. ولا غرو في أن الحرية جبلت مع فطرة الإنسان ذاته، أي مع كينونته الفطرية، ولكنها تخلق طبيعية بسيطة غير معقدة، وسرعان ما تتصاعد وتتكامل في حركة الوجود مع تكامل وتطور وسيرورة حركية الإنسان في مسيرته الحياتية لتتحول من حال إلى آخر، بحيث يكون أساسها الوعي والمسؤولية والالتزام المجتمعي والانضباط والوقوف عند حريات الآخرين. ولما جاءت الحداثة بعد عصور الأنوار والتنوير، وتحررت المجتمعات البشرية، ومع انطلاقة عصر العقل على مستوى إثبات قدرته على بناء الحياة البشرية من موقع التفكير والفعل الإنساني الحر المباشر، برزت الحرية كأحد أهم مقومات هذه الحركة التنويرية العقلانية والحداثة العملية التي منعت وجود أي وصاية على العقل إلا العقل نفسه، ودمجت العقل في ثالوث يقوم على العقلانية، والحرية، والعدل السياسي الاجتماعي، وإعلان حرية وتحرير التاريخ والإنسانية. ومن هنا، كانت الحرية هي القاعدة الأساس لمجمل منظومة حركة التطور والتنوير والحداثة العلمية وغير العلمية التي برزت لدى كثير من المجتمعات والأمم والحضارات. ولكن الحرية كقيمة إنسانية، وحيث إنها ساهمت في إغناء مسيرة الإنسان وتطوير مواقعه المختلفة في الحياة، لم تكن -ولا يمكن أن تكون في أي وقت من الأوقات- قيمة منفلتة، لا ضابط أو رادع لها، خاصة عندما تتقيد هذه الحرية بقيد الحرية نفسه.. لتصبح حرية مسؤولة، سقفها العمل والبناء والتطوير وخدمة الناس والمجتمع، والمساهمة التشاركية في تطوير الدول، والالتزام بقضايا الناس والوطن، والالتزام بالنقد الحر الموضوعي البناء بهدف البناء الواعي والتطوير الدائم ومراكمة النتائج الإيجابية بعد نقد السلبيات وتلافي الأخطاء الواقعة والقائمة في أي مجتمع ونظام وحضارة. ولهذا: فالحرية الحقيقية التي يتيحها أي نظام اجتماعي سياسي لأفراده ليست شعاراً يمكن إطلاقه بسهولة للاستهلاك الدعائي هنا أو هناك.. بل هي ممارسة مؤسساتية قائمة على التزام أخلاقي تضمنه قوانين ونظم مؤسساتية، ولهذا فلا حرية حقيقية إلا مع وجود ظروف عادلة. ولا حرية إلا بأن نكون أحراراً بإرادتنا وقناعاتنا أولاً.. وأن نكون مع الإصلاح الرشيد الهادئ العقلاني المؤسساتي. والحرية لا تعني أيضاً الانفلات السياسي ولا الغرائزي الفتنوي، إنها قبل كل شيء مسؤوليتك في أن يكون قرارك من ذاتك، نابعاً من نفسك من قناعاتك الوطنية الرشيدة القائمة على محبة الوطن والعلم والوعي... فللحرية إذن، حدود وضوابط تتركز أساساً على عدم الاعتداء على حريات الآخرين، وعدم إثارة مشاعرهم ومقدساتهم، وتقصّد الإساءة إلى قناعاتهم ومعتقداتهم بقطع النظر عن صحتها ووجاهتها وفاعليتها الحضارية. نبيل علي صالح كاتب سوري ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©