السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تمييز «الجندر» في الحياة السياسية الأميركية

25 ديسمبر 2009 22:45
سالي دينتون كاتبة أميركية ومؤلفة سيرة "هيلين دوجلاس" تشعر سارة بالين بأنها اختيرت دون سواها، لتكون ضحية حملة شرسة لتلطيخ سمعتها تقوم على أساس تمييز "الجندر"، أي التمييز بين الجنسين، وتضع حدوداً فاصلة بين الرجل والمرأة، ما فتئت تشنها وسائل الإعلام "الليبرالية" وخصومها من الحزب "الديمقراطي"، ولكن هذه التقنيات والوسائل ليست وليدة اللحظة بل إن العمل بها جارٍ منذ دخول أول امرأة للمعترك السياسي! ومن أكبر المفارقات السياسية في التاريخ الأميركي المعاصر أن الألاعيب القذرة التي تحتقرها "بالين" كانت في الأصل صنيعة أحد العناصر المشهورين في الحزب ذاته الذي تنتمي إليه، فقبل ستين عاماً على ارتقاء "بالين" للحلبة السياسية الوطنية وتسليط الأضواء الإعلامية على أدائها كانت النائبة في الكونجرس هيلين دوجلاس هي السيدة الأقوى في كاليفورنيا، ومع ذلك اضطرت للانسحاب من الساحة والانزواء بعيداً عن اللعبة السياسية بعد حملة مسعورة من التشهير السياسي سُلطت عليها. فقبل قرارها الانخراط في العمل السياسي وهي في الثامنة والثلاثين من عمرها عاشت دوجلاس حياة بعيدة عن السياسة مستمتعة بنمط حياة مرفه وفره لها والدها المليونير وزوجها الثري "ميلفين دوجلاس"، وكان أحد أبرز الشخصيات في هوليود وأغلاها راتباً، فضلا عن مشوارها الشخصي كممثلة ومغنية أوبرا مشهورة ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في أوروبا. ولكن على رغم ماضيها المرفه وحاضرها المتألق انحازت دوجلاس إلى قضايا المحرومين والمضطهدين في ولاية كاليفورنيا ونصبت نفسها متحدثة باسمهم ومدافعة عن قضاياهم. وبالنظر إلى ثقافتها العالية وجمالها الباهر وبراعتها الخطابية كانت المسألة مجرد وقت قبل أن تتحول إلى زعيمة يسعى الجميع إلى سماع أفكارها. وبعد عشرين عاماً على إقرار حق التصويت للنساء في الولايات الأميركية الخمسين والاعتراف القانوني بمشاركتهن السياسية شكلت القفزة النوعية التي حققتها دوجلاس في ظرف عامين فقط من ربة بيت تقليدية إلى ناشطة سياسية منعطفاً جديداً لها ولبنات جنسها. فقد انتُخبت نائبة في كونجرس الولاية عن إحدى المناطق الفقيرة في لوس أنجلوس، وفي عام 1945 دخلت الكونجرس في وقت كانت فيه النساء العضوات مجرد نائبات عن أزواجهن الذين توفوا قبل موعد الانتخابات وينتظرن الرجل المناسب ليحل مكانهن. كما استطاعت الحفاظ على منصبها لثلاث دورات على التوالي أعيد فيها انتخابها لتبدو مسيرتها غير قابلة للإيقاف إلى أن ظهر في الساحة ريتشارد نيكسون. فبحلول عام 1950 كانت دوجلاس قد نالت ترشيح الحزب "الديمقراطي" في كاليفورنيا بعد فوزها في الانتخابات الداخلية للحزب لتواجه مرشحاً "جمهورياً" في السابعة والثلاثين من عمره بدأ يسطع نجمه في سماء الولاية وهو ريتشارد نيكسون ليلتقيا في منافسة شرسة على مقعد ولاية كاليفورنيا في الكونجرس الأميركي. ومع أن حظوظ دوجلاس كانت كبيرة بالنظر إلى نجاحاتها السابقة ومشوارها السياسي المتألق، فضلا عن براعتها ومهاراتها الذاتية، إلا أنها واجهت أقذر حملة يمكن تصورها، كما أن التنافس الذي اندلع بين المرشحين شكل أرضية خصبة لصراع مرير سيهيمن على الساحة السياسية الأميركية لعقود قادمة، وفي القلب من هذا الصراع كان أحد معاوني نيكسون المخلصين، يسمى "موراي تشوتنر" الذي كان يسمى وقتها بـ"ميكافيلي السياسة في كاليفورنيا"، وهو نفسه الذي سيصبح لاحقاً عراباً لعنصر آخر لا يقل دهاء هو كارل روف. وفي البداية لم يكن نيكسون واثقاً من الطريقة التي يتعامل بها مع امرأة كخصم، وكان مدركاً لخطورة الظهور بمظهر الرجل الفظ، ولكنه مع ذلك وكما وصفه المتحدث باسمه "كان يكن احتقاراً كبيراً لعقلية المرأة"، ونظراً لاعتقاده بأن النساء عاطفيات أكثر ويتصرفن بطريقة بعيدة عن العقل فقد طور عداوة خاصة تجاه دوجلاس، وكان منزعجاً من جرأتها وطموحها. ولأن موهبتها الكبيرة جعلته يفقد توازنه فقد جاءت ردة فعله مليئة بالرغبة في الثأر ورفض التعامل معها على قدم المساواة. وقد أشار في هذا السياق كاتب سيرته "فون برودي" قائلا "لم يكن نيكسون فقط يحتقر القدرات الفكرية للنساء عموماً، بل كان متغافلا أيضاً عن حضورهن كأفراد"، إذ كان ينظر إليهن كأدوات لدعم أزواجهن. ولكن دوجلاس وعلى رغم ذهولها لشراسة الهجوم الذي شنته حملة نيكسون عليها، ومحاولات التشهير والتركيز على جنسها بدل النظر إلى أدائها وقدراتها، واصلت حملتها الانتخابية. ومن جهته لم يفوت نيكسون فرصة إدخال مسألة النوع في نقاشه، مشيراً دائماً إلى دوجلاس بـ"خصمي الأنثوي"، كما أبدى تعليقات جنسية بذيئة أمام المقربين منه وفي مجالسه المغلقة، ملمحاً إلى وجود علاقة بينها وبين الرئيس ترومان. وبالطبع لم تثر تعليقات نيكسون الجنسية غضب وسائل الإعلام ومرت دون محاسبة في وقت لم تكن الحركة النسائية فيه قد بدأت بعد. واليوم وبعد مرور كل هذه السنوات على حملة التشهير ضد دوجلاس ما زالت الأساليب نفسها التي استخدمها "تشوتنر" مستمرة كما رصدناها بشكل واضح خلال حملة "هيلاري كلينتون" في السباق الانتخابي عندما علق "راش ليمبو" في برنامجه الإذاعي قائلا "هل تستطيع هذه البلاد تحمل رؤية امرأة تكبر في السن أمام أعيننا كل يوم؟". لذا إذا كانت سارة بالين تعتقد بأنها خُصت من بين الجميع بمعاملة غير عادلة من قبل وسائل الإعلام فإن عليها الرجوع إلى تاريخ النساء الأميركيات وتجربتهن المريرة في عالم السياسة، لكي تفهم خلفيات ذلك التحيز والحيف. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©