الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دروس سوفييتية... للمهمة الأفغانية

2 مايو 2011 21:58
منذ عشرين عاماً، كان النظام العميل للسوفييت في أفغانستان قد بدأ يتفكك. ولمدة عامين، ظل محمد نجيب الله الرئيس الأخير لأفغانستان، الذي كان السوفييت قد ساعدوا على تنصيبه، يكافح من أجل إبقاء دولته متماسكة، معتمداً على مزيج يتكون من قواته المقاتلة، والأسلحة السوفييتية، والانقسامات الموجودة في صفوف أعدائه، وثقتهم الزائدة بأنفسهم التي كانت قد وصلت إلى حد الغرور. واستمر نجيب في محاولاته الدائبة التي أثارت إعجاب الرئيس الأميركي في ذلك الوقت جورج بوش الأب، ولكن سقوط الاتحاد السوفييتي نفسه، ونضوب الدعم المادي الذي كان يقدمه لنظامه كان إرهاصاً بأن احتمالات بروز أفغانستان كدولة شبه مستقلة، قد أصبحت شيئاً ميئوساً منه. والحال أن الكليشيه القائل بأن أفغانستان هي مقبرة الإمبراطوريات معروف جيداً، على رغم أن البعض قد يراه مبالغاً في حتميته. ومع ذلك، يتعين القول إن أوباما ومستشاريه، سيحسنون صنعاً -مع اقتراب موعد تخفيض عدد القوات الأميركية في أفغانستان الذي حدد الرئيس له شهر يوليو القادم كموعد نهائي- لو عادوا إلى التاريخ ليروا كيف توصل السوفييت إلى قرارهم الخاص بسحب قواتهم من ذلك البلد، بعد أن خاضوا فيه حرباً ضروساً استمرت ما يقرب من عقد من الزمن. إن الإطلاع على محاضر جلسات المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي، بقيادة جورباتشوف الذي كان قد جعل من الانسحاب من أفغانستان أولوية له في تلك الفترة، يبين أن الزعماء السوفييت قد حددوا مواعيد نهائية للانسحاب من ذلك البلد، ثم تراجعوا عنها، وهو ما حدث على الأقل ثلاث مرات خلال السنوات 1985 - 1987. وقد كان جورباتشوف مهموماً بالمحافظة على وضع الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى، ورأى الحرب في أفغانستان من هذا المنظور، ولم يستطع أن يستوعب، خصوصاً في سنواته الأولى في السلطة، فكرة القبول بالهزيمة في ذلك البلد. ولم تكن الهزيمة في الحقيقة مصدر خوفه الوحيد بل كانت هناك أيضاً اعتبارات أمنية لعل أهمها أن أفغانستان هي جار الاتحاد السوفييتي الجنوبي ذو الموقع الاستراتيجي الفريد. ولكن سقوط السلطة المركزية في ذلك البلد كان محتماً أن يجعل الاتحاد السوفييتي يبدو كحليف عديم الفائدة، مما سيضطره للانسحاب من هناك بعد كل تلك السنوات من القتال. وقد بذل السوفييت قصارى جهودهم، ووضعوا مستشارين في كافة مستويات البيروقراطية الأفغانية، وبدلوا السفراء والجنرالات، وأعادوا تصميم الاستراتيجيات العسكرية، واستخدموا القوات الخاصة، وحاولوا جعل الجيش الأفغاني -على رغم عدم ثقتهم في قادته- يقوم بدور أكثر بروزاً في العمليات ولكن ذلك كله لم يجدِ نفعاً. وبحلول 1987 توصل جورباتشوف وكبار مستشاريه إلى قناعة مؤداها أن أي مجهود يبذل لإنقاذ أفغانستان لن ينجح. وكان آخر أمل لديهم في ذلك الوقت هو التوصل إلى اتفاقية مع الولايات المتحدة لإقناعها بإيقاف مساعداتها للمجاهدين، مع السماح لموسكو في ذات الوقت بإمداد كابول بالسلاح. ولكن تلك المحاولة لم تنجح هي الأخرى.. وعندها أدرك الجنرالات السوفييت أنه لا فائدة من البقاء، وبدوا مستعدين ذهنيّاً للقبول بفكرة تعرض نجيب الله للهزيمة. وفي الوقت الراهن يبدو أن البيت الأبيض يمر بعملية مشابهة في سياق حربه في أفغانستان. فمن المعروف أن أوباما جاء إلى الحكم وهو يدرك أن حرب أفغانستان قد أهملت لصالح الحرب في العراق، وأن الأوضاع هناك تنزلق نحو الفوضى. ومنذ ذلك الحين ظلت مناقشات الإدارة ومبادراتها تعكس ما كان السوفييت يواجهونه ويقومون به في ذلك البلد في سنوات أفولهم النهائي. فبعد أن ادعت الإدارة الأميركية، أن "طالبان" باتت قوة منهكة القوى، انتقلت إلى خيار المحادثات ليس مع القادة الصغار من الحركة ولكن مع رؤساء المجموعات الصغيرة كذلك، كما بادرت بتعيين ريتشارد هولبروك كي يتعامل مع المشكلات والصعاب المتعددة في ذلك البلد. وبعد أن اتبعت في البداية مقاربة تقوم على تخفيف آثار أقدام قواتها على الأرض، أرسل أوباما المزيد من القوات إلى هناك لكسر ظهر التمرد كما حاول تقديم المساعدة للجيش الأفغاني لتحمل المسؤولية الأمنية في المستقبل، ولكن التاريخ المحدد لذلك ظل يتأجل باستمرار. وقد يقول قائل إن أوباما قد زاد من عدد القوات الأميركية في أفغانستان لأنه كان يخشى من النقد المحلي إذا ما تفككت تلك الدولة أثناء فترة رئاسته.. بيد أن الحقيقة هي أن أوباما ينظر إلى المسألة من نفس المنظور الذي نظر من خلاله جورباتشوف، عندما واجه ظروفاً مماثلة في ثمانينيات القرن الماضي وهو المنظور المتعلق بمكانة أميركا ووضعها في العالم وضرورة المحافظة عليهما، وذلك من خلال تحقيق الوعد الذي كانت قد قطعته على نفسها في ذلك البلد. لقد نجح جورباتشوف في ذلك الوقت في سحب القوات السوفييتية من أفغانستان من دون معارضة داخلية تقريباً، بعد أن أدرك أن جميع السياسات التي نفذها قد فشلت، وأن تحقيق السلام والاستقرار في هذا البلد يعتمد على جهود الأفغان. وعندما تقرر الإدارة الأميركية الحالية الانسحاب من أفغانستان، فإن ذلك لن يكون بسبب كون هذه الحرب مكلفة للغاية ولكن لأنها قد باتت عديمة المعنى. وسيحسن أوباما صنعاً إذا ما تذكر أنه بالنسبة للاتحاد السوفييتي الذي كان يواجه ظروفاً مماثلة، فإن قرار الانسحاب من أفغانستان كان خطوة حظيت بموافقة شعبية جارفة، وربما كانت آخر قرار غير مثير للجدل، ومقبول للغاية من الجميع، اتخذه جورباتشوف في سنوات غروب الاتحاد السوفييتي. ارتيمي كالينوفسكي أستاذ مساعد بجامعة امستردام ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©