الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عودة «المنفي» إلى المنفى

عودة «المنفي» إلى المنفى
12 يناير 2011 19:52
نور الدّين فرح روائي صومالي يعيش في المهجر، وهو كما يعرّف نفسه كاتب رحّالة أصدر هذه الايام رواية جديدة بالإنجليزيّة بعنوان “المنفي” تمّت ترجمتها إلى اللّغة الفرنسيّة تروي قصة صومالي يعيش منذ عشرين عاما في الولايات المتحدة الأميركية ويقرر العودة الى بلاده لزيارة قبر أمه والترحم عليها، والروائي يبثّ في شخوص قصته شيئاً من مأساة بلاده مصوراً الفوضى التي تعم الصومال حاليا وأهوال الحرب وعذابات النّاس من جرّائها، ويتحدّث عما آل إليه بلده من تشتّت وتناحر وما عمّ أهلها من تباغض وحقد أعمى وكراهية. ولد الروائي في جنوب الصومال عام 1945 عندما كانت البلاد ترزخ تحت نير الاحتلال البريطاني، وكان والده قد استقرّ بأثيوبيا حيث امتلك ضيعة، وهو يذكر أنه تردد على مدرسة “للآباء” وقد حاولوا جره ليصبح مسيحيّا. واصل نور الدّين فرح بعد ذلك تعلّمه بالصومال بعد أن عاد أهله للوطن وكان عمره 17 عاما وأخذ يعمل سكرتيرا على الآلة الطابعة لكسب قليل من المال بالموازاة مع مواصلته لدراسته. في كنف الأم واللافت إنّ أمّ الروائي نور الدين فرح كانت شاعرة معروفة في قريتها، وشعرها يتناول تصويرا للحياة اليومية بحلوها ومرها في عهد الرئيس الصومالي سابقا سياد بري. كانت تقول شعرا تحت الطلب بمناسبات الولادة أو الزواج، وكانت تأمر ابنها بأن يحفظ هذه الأشعار ليلقيها على من يطلبها من أمّه، ويذكر الروائي أنّ أجمل ذكرياته عن والدته هو عندما كان يجلس بجانبها وهي تمخض الحليب لتصنع منه لبناً وزبدة. والكاتب الّذي يعيش اليوم ويقيم في إفريقيا الجنوبيّة كان له الخيار بعد حصوله على شهادته العلمية لإتمام دراسته العليا بمنحة من الدولة، أمّا في الولايات المتّحدة الأميركيّة للالتحاق بجامعة “وسيكنسن” للتّخصّص في الأدب والصّحافة أو ان يلتحق بجامعة في الهند لدراسة الفلسفة. وفي الوقت الّذي كان فيه كل الشّباب في سنّه يحلمون بالسّفر والدّراسة في الولايات المتحدة فإنّه إختار الهند، والسّبب أنّه تأثّر برواية لسومرست موغهام Somerset Maugham يروي فيها قصّة رحلة أنجليزي إلى الهند، وقد بقي نورالدّين فرح أربعة أعوام بالهند حيث ألّف أولى رواياته “مولود من ضلع آدم”. وعن كيفيّة نشاة الرّغبة لديه في الكتابة، يقول نور الدّين فرح: “الأمر كان كاللّعبة، فإنّ إخوتي الأكبر سنّا منّي كانوا يأتون لي برواية “الجريمة والعقاب” بالعربيّة ويعدونني بهديّة إن أنا أتممت مطالعتها ورويت لهم تلخيصا لأحداثها. كان ذلك بمثابة التّحدّي والرّهان والمطلوب منّي كسبه، ولكن مع مرور الوقت اكتشفت أنّ شخصيّات دوفستوسكي أو شحضيات آغاتا كريستي لا أجد فيها شيئا من المحيط الّذي أعيش فيه، لذلك فإنّ خيالي أخذ يدفعني لتصوير شخصيّات أخرى من صنعي أبتكرها وأجعلها تتكلّم وتتحاور، وبدأت أيضا في تخيّل قصص حيوانات أو قصصا أخرى أكون أنا البطل فيها، ولكن وبعد أن أصبحت روائيّا فإنّي كنت دائما أحرص على وضع مسافة بيني وبين شخوص رواياتي، وأوّل كتاب لي يروي قصّة معاناة إمرأة حتّى أنّ البعض بعث لي رسائل: “إلى السيّدة فرح”. حكم بالإعدام أمّا روايته الثّانية “إبرة عارية” فقد اعتمد فيها أسلوب النّقد لما يجري في الصّومال وقتها، كان الرّوائيّ يقيم في أنجلترا وتلقّى مكالمة هاتفيّة من شقيقه يعلمه فيها بأنّه سيحاكم إذا عاد إلى الصّومال وإنّ الحكم قد يصل إلى 30 عاما سجنا، وهكذا كانت بداية الهجرة والمنفى، وكانت أيضا بداية مرحلة جديدة للرّوائيّ في رحلة إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة وإيطاليا وألمانيا بعد كتابته لثلاثية تدور احداثها في الصّومال، وقد مزّقته الغربة وآلمته وغذت في الوقت نفسه وجدانه وقدحت قريحته، لقد أحسّ الكاتب بالضّياع، وقد تمّ الحكم عليه بعد إصداره ثلاثيتة بالإعدام فعرف التشرّد وعاش فترة عصيبة من حياته ذاق فيها الخصاصة والحرمان والألم، وقد ألّف ثلاثية ثانية وله تفسيره لهذا المنحى في الكتابة يقول: “أكتب الثّلاثييات لأنّي لا أريد أن أتبنّى وجهة نظر واحدة للرجل مثلا وأريد أن أعطي الكلمة للنساء والحيوانات والطبيعة والنجوم، فالورقة عندما أشرع في تحريرها أريدها مجتمعا باكمله. والكاتب أصبح رغم ما يسود الصّومال من فوضى يعود مرّة كلّ عام إلى بلاده مشبها الوضع الحالي فيه “بحرب الثّلاثين عاما”. ان حال الصومال اليوم يذكّره بكتاب دانتي “الكوميديا الإلهيّة”، وهو يروي حادثة حصلت له عام 2006 وكاد أن يهلك فقد تعرّض وهو راكب سيّارة تاكسي إلى هجوم من عصابة طالبته بمدّها بدولارين، ويروي الكاتب أنّ باراك أوباما جاء بنفحة جديدة من الأمل معه فلأوّل مرّة يحكم أمريكا رجل ليس أبيضا، وهذا من شأنه، من وجهة نظره، أن يدخل أفكارا جديدة ولكنّ نور الدّين فرح يستدرك لأنّه كان يعلم أنّ هامش المناورة لدى هذا الرّئيس الأسود ضيّقة، بعكس رأيه في الرئيس الفرنسي الحالي، إذ يقول عنه: “لو رحل ساركوزي من قصر الإيليزيه، فإنّ النّاس يشعرون ان ذلك أمر جيّد وأنّ ريحا جديدة قد تهبّ إلى فرنسا، والنّاس سيحزنون فقط لعدم رؤية الحسناء زوجته كارلا بروني”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©