الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السريان قادوا قطار الترجمة الى اللغة العربية

السريان قادوا قطار الترجمة الى اللغة العربية
12 يناير 2011 19:52
لعب المترجمون السريان دوراً مهماً في الثقافة العربية والاسلامية، فقد تحملوا عبء ترجمة الاعمال البارزة في الفلسفة الاغريقية الى اللغة العربية، وكان العرب قد فتحوا بلاد ما بين النهرين، ووجدوا فيها بلداً منظماً تنظيماً جيداً على مستوى الديانة المسيحية، فهناك اسقف في كل مدينة من المدن الكبيرة مثل اربيل ونصيبين وكركوك وتكريت والحيرة وغيرها، ويقف الاسقف على رأس ابرشية تضم عددا كبيرا من الناطقين باللغة السريانية. ويقول مؤلف كتاب “الفلاسفة والمترجمون السريان” إن العرب المتسامحين هم الذين اطلقوا على المسيحيين تسمية “السريان” وقد رحب هؤلاء السريان على الارجح بقدوم العرب، آملين التخلص من التشدد البيزنطي والساساني، وخضعوا برضا للدولة الجديدة، وكان هناك شاهد على الفتح العربي لهذه البلاد هو “ساويرا” الذي ولد في نهاية القرن السادس الميلادي بمدينة نصيبين، مدينة الالف حديقة، ودرس في دير قنشرين أو قنسرين بمدرسته ذات الصبغة الاغريقية، وكان مهتما بالفلك وقياس الزمن وتحديد موقع الكواكب والشمس والقمر، وترجم بعض الكتب الاغريقية الى السريانية، وقد شاهد الفتح العربي وبدأ الاحتكاك بالعرب القادمين الجدد الى بلاده، ولم يعقه وصولهم عن الترجمة ومواصلة كتاباته العلمية واللاهوتية. وجاء بعده سابوخت جرجيس اسقف العرب الذي ترجم بعض كتب ارسطو الى السريانية مثل “المقولات” و”العبارة” و”البرهان”، وطوال العصر الاموي واصل هؤلاء المترجمون نقل الاعمال اليونانية والساسانية الى لغتهم السريانية، وقرب نهاية العصر الاموي كان هؤلاء قد تعلموا العربية وأتقنوها ولذا شرعوا في نقل بعض هذه الاعمال المترجمة الى السريانية الى العربية لينهل الفلاسفة العرب ويتعلموا فلسفة اليونان وفكرهم. النقلة الكبرى حدثت النقلة الكبرى في العصر العباسي بعد ان شيد الخليفة المنصور مدينة بغداد عام 762 ميلادية. كان المنصور محبا لعلم الكيمياء والفلك والفلسفة، ورغم تشدده احيانا تجاه المسيحيين والمسلمين على السواء الا أنه كان في المجمل معتدلا، وقد وجد المسيحيون مكانا بارزا في حاشية الخلفاء العباسيين، ولعبوا نتيجة لثقافتهم العالية وكفاءتهم المتميزة ادوارا شغلوا فيها مناصب مهمة كأطباء وامناء السر، ونالوا ارفع المكافآت من الخلفاء وحققوا ثروات طائلة، وكان معظمهم من السريان واحيانا كان بعض العرب يحسدونهم على ذلك. وبدأ الخليفة المنصور خلال فترة حكمه تدشين عملية الترجمة الى العربية وقام بتوظيف المترجمين في حاشيته. ومع الوقت تصبح هذه المهنة وظيفة رسمية من وظائف البلاط، لكن كان يعوق المترجمين والترجمة نقص الكتب اليونانية وغيرها، لذا وجدنا الخليفة يرسل بعثة الى مدينة القسطنطينية برسالة منه الى الامبراطور البيزنطي راجيا فيها تزويده بعدد من الكتب اليونانية، واستجاب الامبراطور فطلب الخليفة من المترجمين نقلها الى العربية على الفور. ورصد عبدالرحمن بن خلدون في مقدمته تفاصيل بداية عملية الترجمة الى العربية واسماء المترجمين الذين قاموا بها. وذهب ابن خلدون الى ان العرب منذ ان تبنوا ثقافة حضرية أبدوا الرغبة في الاطلاع على العلوم الفلسفية التي سمعوا بها من الاساقفة والكهنة، وقال إن الامبراطور البيزنطي بعث الى المنصور بكتاب اقليدس وبعض كتب الرياضيات والفيزياء. وترتب على ذلك ازدياد عدد العلماء والمترجمين قبل نهاية القرن الثامن الميلادي وبلغ عدد المترجمين في بغداد خمسين مترجما سريانيا واصلوا الجهد الذي كان قد بدأه سرجيوس وبروبا في انجاز الخلاصات الفكرية والشروح الفلسفية، فضلا عن وضع قاموس للمصطلحات المترجمة، وهكذا قدم “سلام الابرش” الكاتب السرياني وترجم كتاب الطبيعة لارسطو الى العربية، واصبح الماروني “تيوفيلوس الرهاوي” فلكيا لدى الخليفة المهدي، ونقل الياذة هوميروس والاوديسة الى اللغة السريانية، كما ترجم ايضا احد كتب ارسطو. وزودنا ابن جلجل في كتابه طبقات الانباء والحكماء بقائمة ضمت اسماء هؤلاء المترجمين والكتب التي نقلوها الى السريانية ثم الى العربية. وفعل ابن النديم الشيء نفسه، حيث وضع في كتابه “الفهرست” قائمة ببيلوجرافية بأسماء الكتاب والمترجمين السريان الذين كانوا يتقنون العربية، وبفضل هؤلاء نقلت بعض كتب افلاطون الى العربية ومن بينها “الجمهورية” و”نصيحة لتربية الشباب” و”الميتافيزيقا” و”الكون والفساد” و”فن الشعر”. مدارس المترجمين هؤلاء المترجمون انحدروا من عدة مدارس خاصة بهم، اشهرها مدرسة “الرها” وتمثلت في نرساس الذي كان يتأمل الافكار وكان مشغولا بالكتب المقدسة، وهناك مدرسة “نصيبين” والتي نجحت في ان تقدم لخلفاء بني العباس عددا من الاطباء والفلاسفة اضاءوا بغداد، وهذه المدرسة لعبت دورا مهما ومؤثرا في الكنيسة النسطورية بواسطة اساتذتها وطلابها، وظلت هذه المدرسة محتفظة بسمعتها العلمية حتى القرن الثاني عشر الميلادي. وبرزت مدارس فكرية اخرى من اهمها مدرسة “جنديسابور” وسبق للدكتور عبدالرحمن بدوي ان قدم دراسات حول هذه المدارس في بعض ترجماته ودراساته في الفلسفة الاسلامية. وامتد تأثير السريان الى الشرق حيث الهند والصين ووصلوا الى امراء المغول وخاصة هولاكو الذي بنى مرصدا مشهورا على تل مرتفع في مراغا، وكان المؤرخ ابن العبري يرتاد هذا المرصد حين كان يديره الخواجة نصر الدين الطوسي، وكان يلتقي فيه عدد من العلماء انتقل تأثيرهم الى بلاد الغرب حيث الاندلس. ولا احد يعرف على وجه الدقة اصل السريان ولكن المؤكد انهم من صلب شعوب الشرق القديمة. بعض الباحثين يقول إنهم ورثة الاشوريين القدامى وهناك من يرى انهم احفاد البابليين أو الاراميين الذين استقروا في سوريا القديمة وبلاد ما بين النهرين. والسريان شعب واحد له تاريخه وثقافته ولغته لكنهم في القرن الخامس الميلادي انقسموا ليشكلوا طائفتين: السريان الشرقيين الذين اطلق عليهم اسم “النساطرة” واستقروا في بلاد ما بين النهرين وفارس، وهناك السريان الغربيون أو اليعاقبة الذين سكنوا سوريا بشكل اساسي ومناطق الموارنة في لبنان. المؤلف افرام يوسف سرياني الاصل، عراقي مهاجر الى فرنسا منذ عام 1974 وهو يكتب عن اجداده بإعجاب شديد لا ينكره احد عليه، لكن ذلك لم يتح له طرح اسئلة مهمة عن طبيعة اختياراتهم في الترجمة، فمعظم المترجمين السريان كانوا غالبا من رجال الدين النساطرة ولذا فإن فكرهم الديني طغى على اختياراتهم، فقد اختاروا ارسطو وافلاطون، مثلاً، بينما تجاهلوا سقراط لأن فكره كان مختلفا، وقد اثرت هذه الاختيارات على الثقافة العربية والاسلامية، وكان ذلك الامر يستحق تساؤلاً وتوقفا من الباحث ليحدد ما تكشف عنه هذه الاختيارات. على كل حال هذه الدراسة تفتح الباب لمزيد من الدراسات والتأملات الاخرى حول هذا الموضوع لأن الافكار التي ترجموها بناء على اختياراتهم تدخلت في تكوين بعض المواقف والاجتهادات الفقهية، بل ووصل بعضها الى علوم تفسير القرآن الكريم. الكتاب: الفلاسفة والمترجمون السريان المؤلف: افرام يوسف ترجمة: شمعون كوسا الناشر: المركز القومي المصري للترجمة 2010
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©