اكتشافات أثرية في العين تعود للعصر العباسي

أعلنت إدارة البيئة التاريخية في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، اكتشاف “آثار في غاية الأهمية” تكشف جانباً مهماً من تاريخ مدينة العين في عصورها الإسلامية المبكرة. وذكر محمد خلف المزروعي مستشار الثقافة والتراث في ديوان سمو ولي عهد أبوظبي مدير عام هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أنّ شواهد التاريخ القديم والحديث في دولة الإمارات العربية المتحدة كثيرة ووفيرة وهي تتمثل في مواقع أثرية تمتد من العصور الحجرية وحتى الفترة الإسلامية المتأخرة. وأوضح المزروعي أن الاكتشاف الجديد عبارة عن أسس لبيتين من اللبن والطين، كل واحد منهما عبارة عن ساحة (حوش) ذات جدران بلغت متراً كاملاً مبنية من اللبن والطين، وما يميز جدران هذين البيتين، إضافة إلى عرضهما الكبير، هو الدعامات نصف الدائرية التي استخدمت في تقويتها وتزيينها. ويعتبر استعمال الدعامات في البيتين صفة من صفات العمارة الإسلامية في العصرين الأموي والعباسي. ويدل هذا الاكتشاف على أن نمط العمارة التي استخدم قبل حوالي 12 قرناً في العالم الإسلامي لم يكن غير معروفاً في هذه المنطقة من الخليج العربي. وأكد المزروعـي أنّ اكتشــاف هذين البيتين يُعتبر من الآثار المهمة جداً، كونهــا الدليل الوحيد المتوفر حتى الآن على وجود آثار إسلامية شاخصة في مدينة العين. فآثار العصر البرونزي من الألف الثالث قبل الميلاد وكذلك العصر الحديدي من الألف الأول قبل الميلاد معروفة بشكل واسع في المدينة، على عكس المواقع الإسلامية المبكرة غير الموجودة بالمنطقة إذا استثنينا هذا الموقع. ويُعطي الاكتشاف مؤشراً على أن هذين البيتين والمسجد والفلج ومنشآت أخرى ربما لا تزال مطمورة تحت الأرض، على أنها قد تكون جزءاً من مدينة توام التاريخية التي لم يكن لها أي شاهد مادي باستثناء ما ذكرته كتب التاريخ، وكان المنطقة تعرف في عصور ما قبل الإسلام وبعده بـ “توام”. وبحسب البيان الصحفي، فإنه نظراً لأهمية الاكتشاف وتقديراً للتاريخ العريق لمدينة العين، فإن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث تعمل بالتنسيق مع دائرة أعمال رئيس الدولة والتي أبدت اهتماماً كبيراً بهذا الاكتشاف، على المحافظة على المنشآت الأثرية المعمارية التي تم اكتشافها حتى الآن. وتتبنى هيئة أبوظبي للثقافة والتراث رؤية شاملة لصون التراث المادي وغير المادي على حدّ سواء، وتسخّر جميع إمكاناتها لتنظيم العمل الأثري، وتطوير الإجراءات الضرورية للإشراف على عمليات الترميم والمسح والتنقيب بطرق علمية بحثية وفقاً للمعايير العالمية المعتمدة، فضلاً عن تعزيز جهود حماية التراث الثقافي وإدارته والترويج له، والتعاون مع كل الجهات المعنية لمراجعة سياسات التخطيط لحماية الأماكن ذات الأهمية التراثية والثقافية، وتفادي أي عمليات توسّع غير مدروس من شأنه أن يؤثر على المكتشفات الأثرية. قياس الكربون المشع من جانبه أوضح محمد عامر النيادي مدير إدارة البيئة التاريخية في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث أنّه لم يتم إرجاع هذين البيتين إلى تلك الحقبة الزمنية من العصر الإسلامي بناءً على ذلك العنصر المعماري فقط، بل كذلك على أساس كُسر الفخار التي تم اكتشافها، خاصة المزججة منها، هذا إضافة إلى مقارنتهما كرونولوجياً بفلج ومسجد تم اكتشافهما من قبل في نفس الموقع. لقد أرخ الفلج عند اكتشافه بناءً على مجموعة من الأدلة والقرائن، هي قياس الكربون المشع في عينتين تمّ جمعهما من المادة التي استخدمت في البناء وكذلك من طريقة البناء نفسها وكسر الفخار التي تم اكتشافها. وعلى الرغم من أن كسر الفخار المكتشفة داخل وخارج هذين البيتين قليلة إلا أنها ذات أهمية كبيرة كونها ساعدت في تقدير تاريخ المبنيين، وقد اشتملت على فخار ذي تزجيج أزرق اللون أو أخضر أو رمادي جميعها كانت من الصناعات المعروفة في عهد الدولة الإسلامية في عصرها العباسي، حين بدأت صناعات جديدة للفخار وتحديداً في مدينة سامراء العراقية، ومنها ما يعرف بالخزف ذي البريق المعدني. تعزيز اكتشافات أخرى أشار النيادي إلى أنّ هذا الاكتشاف الجديد يأتي تعزيزاً لاكتشافات أخرى أجراها فريق آثار محلي في نفس المنطقة في العامين 1999 و2000، أماطت اللثام عن فلج أثري ومسجد يعودان إلى صدر الإسلام. يذكر أن التنقيب الذي يجري حالياً في الموقع أدى إلى اكتشاف قناة فلج أخرى ممتدة تحت البيت الأول، تدل الأحجار المسطحة التي وجدت فيها على أنها كانت مسقوفة بها. وهذه القناة ليست جزءاً من قناة الفلج الذي تم تنقيبه في العام 1999، بل ربما تكون ساعداً أو فرعاً مهمتها تغذية الفلج الأصلي بالمياه. وتابع البيان الصحفي أنه على أي حال لا يمكن البت في هذا الأمر في الوقت الحالي لأن الجزء المنقب من هذه القناة محدود جداً، كما أنه لم يتم التعرف على عمقها بعد. وكل ما يُمكن قوله عن هذه القناة هي أن القرائن المتوفرة حتى الآن تشير إلى أنها أقدم من البيت، كونها ممتدة تحته دون أن تقطع جدرانه، علماً بأن هذه القناة قد شقت من سطح الأرض ثم سقفت وهي بذلك ليست نفقاً (أي سِل كما يطلق عليها محلياً). ولو كانت القناة أحدث من البيت لكانت قد خربت جدرانه عند حفرها من سطح الأرض. وزاد البيان: “إن شكل هذين البيتين على سبيل المثال يذكرنا ببناء من الحجر موجود في موقع جميرة في دبي له دعامات من الخارج يعود إلى العصر العباسي، كذلك يطلق عليه “بيت الحاكم”. وبيت الحاكم في جميرة ترافقه مبان أخرى وسوق يتكون من عدد من الدكاكين ولكن دون أن يعثر على مسجد”. يذكر أن التنقيب الذي جرى في ذلك الفلج قبل عقد من الزمن أدى إلى كشف ما طوله 175 متراً من القناة التي وجد قاعها على عُمق أربعة أمتار من سطح الأرض، كما أدى إلى كشف أجزاء من سقف القناة كانت لا تزال مغطاة باللبن (الطوب) المفخور. وكما تبين من خلال التنقيب فإن هذا الفلج كان يستقي المياه من جوف الأرض في الطرف الجنوبي الشرقي من المدينة ويمتد باتجاه الشمال الغربي، دون أن يتم التعرف على نقطة ظهور الماء على سطح الأرض، كون أن الجزء الذي تم فيه التنقيب لا يزال ينخفض أربعة أمتار عن السطح. وقد تم تقدير عمر هذا الفلج من خلال تحليل عينتين من الفحم تم أخذهما من الطوب الذي استخدم في البناء، وبعد قياس محتوياتهما من الكربون المشع المسمى كاربون 14 في مختبر إحدى الجامعات الألمانية، وهي طريقة مخبرية تستخدم في استخلاص عمر الأشياء العضوية، تبين أن عمرهما يتراوح بين 1180 و1330 عاماً قبل “الحاضر” مع هامش خطأ قدّر بـ 25 سنة. يشار إلى أن “الحاضر” هو رقم ثابت في لغة المختبرات التي تستخلص التواريخ للعينات العضوية ولا يتغير وهو 1950. وإضافة إلى هذا الفلج “الفريد ذي العمارة والهندسة المميزة” وهو الوحيد من تلك الحقبة الزمنية، فقد تم في حينه اكتشاف مسجد صغير قدر عمره بنفس عمر الفلج أو أحدث منه بقليل. ويوجد لهذا المسجد الذي يبلغ طول ضلعه سبعة أمتار ونصف فقط وبعرض يزيد قليلاً عن ثلاثة أمتار مدخلان يؤديان إلى غرفة الصلاة التي ينتصف جدار القبلة فيها محراب صغير. وفي صحن المسجد الذي هو عبارة عن ساحة صغيرة يوجد محراب آخر ربما كان يستخدم في الصيف أثناء إقامة صلاتي المغرب والعشاء.