السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«استقلال الطاقة»... وحدود الحلم الأميركي

«استقلال الطاقة»... وحدود الحلم الأميركي
29 ابريل 2013 23:03
بينجامن آلتر وإدوارد فيشمان محللان سياسيان أميركيان عندما بدأ العالم يعتبر الولايات المتحدة قوة آخذة في التقهقر، تجد البلاد نفسها اليوم على وشك تحقيق واحد من أهدافها القديمة: الاستقلال في مجال الطاقة. فقد أتاحت موجة من التكنولوجيات الحديثة إمكانيةَ استخراج النفط والغاز من تشكيلات الصخور الزيتية؛ والنتائج كانت مذهلة. بل إن بعض التقديرات تشير إلى أن الولايات المتحدة في طريقها إلى تجاوز السعودية كأكبر منتج للنفط في العالم بحلول 2017، والشروع في تصدير كمية أكبر من النفط والغاز، مقارنة مع ما تستورده بحلول 2025، وتحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل في الطاقة بحلول 2030. والواقع أنه لطالما حلم الساسة الأميركيون من الحزبين بالاستقلال في قطاع الطاقة - ليس فقط لفوائده الاقتصادية الممكنة، ولكن أيضاً لأنه يمكن أن يحرر الولايات المتحدة من تقلبات العالم الخارجي. وكان أوباما قد قال في مارس الماضي، إن من شأن مصادر وتكنولوجيات الطاقة الجديدة أن تجعل أميركا «أقل اعتماداً على ما يجري حالياً في الشرق الأوسط». وفي غضون ذلك، جادلت حملة ميت رومني بأن استقلال الطاقة سيعني أن «أمن البلاد لن يعود مرتهناً لمناطق مضطربة وغنية بالنفط تقع على الطرف الآخر من العالم». ولكن ذلك مجرد تخيلات. فإذا كان صحيحاً أن إحداث ثورة في مجال الطاقة ستمثل هدية من السماء بالنسبة لاقتصاد أميركا، فإنها لن تسمح أبداً للولايات المتحدة بأن تدير ظهرها لبقية العالم. وذلك لأن الكميات الوافرة من النفط والغاز الأميركيين ستدفع أسعار الطاقة العالمية إلى الانخفاض، الأمر الذي سيُضعف أسس الدول البترولية في كل مكان من العالم. فحسب فرانسيسكو بلانتش، رئيس قسم بحوث السلع في «بنك أوف أميركا ميريل لينش»، فإن النفط يمكن أن ينخفض إلى 50 دولاراً للبرميل فقط في غضون العامين المقبلين، الأمر الذي يمكن أن يطلق سلسلة اضطرابات في مناطق مهمة بالنسبة للمصالح الأميركية. وهكذا وبدلاً من أن تتحرر الولايات المتحدة من عبء الزعامة العالمية، فإن هذه العملية من شأنها أن ترغم واشنطن على تقلد دور دولي أكبر من ذلك الذي تلعبه حالياً. وإذا كانت ثمة منطقة واحدة من العالم ترغب أميركا في أن تشكل عبئاً أقل عليها، فإنها من دون شك الشرق الأوسط المتقلب والغني بالنفط. غير أن الاستقلال النفطي لن يعني نهاية الانخراط الأميركي في تلك المنطقة. بل على العكس، ذلك أن انخفاض أسعار الطاقة سيُضعف استقرار البلدان الخليجية. وإذا كانت هذه الأخيرة لا تتقاسم دائماً القيم لأميركية أو تساعد على الدفع بالمصالح الأميركية، فإن أي شيء يزعزع استقرارها سيخلق مشاكل لن تستطيع واشنطن تجاهلها. وخارج الشرق الأوسط، قد يسفر تراجع أسعار الطاقة العالمية عن تأثيرات مزعزعة للاستقرار أيضاً. فقد تمكنت روسيا من الخروج من ركود ما بعد المرحلة السوفييتية بسلام بفضل ارتفاع عائدات مبيعات النفط والغاز الطبيعي. واليوم، فإن قرابة نصف مناطق البلاد الـ 83 لا يمكن أن تظل صامدة مالياً من دون المساعدات الفيدرالية التي استطاع بوتين تقديمها بسخاء بفضل الأرباح النفطية الضخمة. هذه المساعدات سمحت للحكومة بتحييد المعارضة السياسية؛ ولكن الاستياء مازال في تزايد، مثلما تدل على ذلك الاحتجاجات التي تهز موسكو من حين لآخر منذ 2011. وبالتالي، فإن انخفاضاً مؤقتاً في أسعار النفط من شأنه أن يكبح قدرة بوتين على إرشاء أعدائه؛ حيث يتوقع خبراء في المدرسة الروسية للاقتصاد أن صندوق الثروة النفطية للبلاد، الذي يضم عائدات النفط المدخرة والمخصصة لأوقات الشدة، سينفد إذا ما انخفضت الأسعار إلى 60 دولاراً للبرميل لعام واحد فقط. وإذا كان غير قادر على شراء الولاء من خلال شبكة الرعاية، فإن بوتين يستطيع اللجوء إلى أساليب أكثر خطورة، مثل الاستئساد على الجيران، وتأجيج المشاعر القومية. ونظراً للنزاعات الحدودية والخصوم القدامى الذي يحيطون بروسيا، فإن حرباً أخرى على غرار حرب 2008 ضد جورجيا ليست مستبعدة. وبالطبع، فعلى المدى الطويل، سترحب أميركا بروسيا أكثر ارتهانا لرغبات شعبها منها إلى تقلبات أسواق الطاقة. غير أن على واشنطن ألا تكون متوهمة، وتظن أن الانتقال إلى تلك النقطة سيكون سلساً أو مباشراً، وعليها أن تكون مستعدة لاضطرابات في الطريق إلى ذلك. الكثيرون سيجادلون بأن أميركا مستقلة في مجال الطاقة يمكن بكل بساطة أن تتبنى سياسة انعزالية خلال فترة اضطرابات من هذا القبيل. غير أن الانخراط الأميركي في الخارج لم يكن أبداً يتعلق بتأمين الوصول إلى الطاقة فقط؛ فالولايات المتحدة استفادت كثيراً، مثل أي بلد آخر من التبادل الحر للسلع، وسلامة الخطوط البحرية العالمية، وانتشار الديمقراطية، واستقرار القوى العظمى الذي طبع كل عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. غير أن لا شيء من هذا يمكن أن يوجد من دون ثبات يد القوة الأميركية. وعلى واشنطن أن توضح جيداً أنها عاقدة العزم على الاستمرار في دعم النظام العالمي- بغض النظر عن مستقبلها في مجال الطاقة. وخلاصة القول، إن على الأميركيين أن يبتهجوا للثورة في هذا المجال لأنها ستكون إيجابية جداً بالنسبة للاقتصاد الأميركي، ولأن الديمقراطية التي يمكن أن تشجعها في الشرق الأوسط وروسيا قد تخدم المصالح الأميركية في نهاية المطاف. ولكن في غضون ذلك، على واشنطن أن تتوقع عالماً أقل استقراراً من العالم الذي تعودت عليه - والاستعداد، بالمقابل، لتبني سياسية خارجية تتطلع إلى الخارج. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©