الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باكستان: أولوية ترسيخ ثقافة الديمقراطية

9 يوليو 2010 20:27
سنا سليم كاتبة ومدونة باكستانية أعتقد أن بعض الأحداث التي وقعت مؤخراً في باكستان تطلق إنذارات حقيقية. وسواء تعلق الأمر بقضية الرقابة على موقع "الفيسبوك" Facebook أو أعمال القتل ضد جماعة "الأحمدية" في لاهور، فإنني أشعر الآن بأن ردة الفعل حيال هذه الأحداث علّمتني الكثير حول أهمية ترسيخ ثقافة الانفتاح والتسامح والتعايش. ومن تجربتي الشخصية لم تكن لدي أدنى فكرة عما يخبئه لي الزمن عندما كتبت عن قضية "الفيسبوك" الخلافية، والتي منعت فيها الحكومة الباكستانية الوصول إلى موقع التواصل الاجتماعي المعروف بسبب وجود جماعة عليه قيل إنها مسيئة لمشاعرنا كمسلمين. والواقع أنني كتبت عن عدم التسامح قبل المنع، واتخذت بالطبع موقفاً قويّاً ضد الرقابة على الإنترنت بعد تطبيق الحظر. ولم أكن أعلم أن موقفي هذا من الموضوع سيحولني، بقدرة قادر، في نظر البعض إلى "تكفيرية مجدّفة" و"ليبرالية علمانية" بل حتى "عميلة للموساد ولسي آي أيه تلبس الحجاب"! نعم كل هذه التهم المجانية الطائرة نزلت على رأسي دفعة واحدة! وكان الأسوأ من هذا كله أن بعض الناس الذين أتفاعل معهم عادة على الإنترنت انضموا إلى قافلة استهدافي، وأخذوا يتساءلون حول مدى إيماني، وقد وصل الأمر حدّ اعتبار موقفي ضد الرقابة مماثلاً للإلحاد ومعارضة الدين الحنيف! وقد طُلب مني أكثر من مرة أن أوضّح ما إذا كنت "مع الإسلام أم مع الفيسبوك". ولاشك أن أمثال ردود الفعل الأيديولوجية المتطرفة هذه كانت تغلي داخل بعض الباكستانيين لسنوات خلت، وهي نوع من النزعات الخطابية المتشنجة التي تظهر وتطفو إلى السطح مع أبسط القضايا. أما المسألة الأخرى فهي ردود الفعل على أعمال القتل ضد جماعة "الأحمدية". ولا يعكس إنكار البعض أن يكون قسم من السكان، وخاصة الأقلية، مضطهدا ومستهدفا من قبل المتشددين سوى حقيقة أن البعض عندنا مستمرون في عدم الاعتراف بوجود حالات عدم التسامح في بلادنا. لقد كانت هناك منذ زمن بعيد حاجة إلى منبر يمكن للناس، وخاصة الشباب، الحوار فيه مع بعضهم بعضاً بغية تطوير فهم أفضل لتاريخ باكستان وثقافاتها ودياناتها المتنوعة. وقد رأينا عبر السنين العديد من الحركات الإصلاحية التي عملت لتحقيق هذا الهدف، إلا أن بعضها ما أن ينتهي بها الأمر حتى تختطف لغايات سياسية، أو تتلاشى بشكل كامل. ولأنني أخذت في الاعتبار هذا التاريخ المديد من الحركات الإصلاحية، قررت على رغم بعض الخوف الداخلي حضور مناسبة إطلاق "خودي"، وهي حركة اجتماعية معارضة للتيارات المتطرفة في باكستان، وتعمل على تشجيع ثقافة ديمقراطية في كافة أنحاء البلاد. ووراء هذه الحركة يقف رجل هو ماجد نواز. ولعل ما يجعل حركة "خودي" أكثر جاذبية هو حقيقة أن جهود نواز تنبع من تجاربه الماضية مع التطرف، خاصة أنه كان ذات يوم عضواً في جماعة "حزب التحرير". وقد أدت رحلته الشخصية مع الحياة منذ أيام المراهقة إلى عملية إصلاح ذاتية، فقد تعامل مع العنصرية في بريطانيا حيث نشأ، ثم انضم إلى "حزب التحرير" ونشر رسالته. وانتهى به الأمر نتيجة لذلك في السجن في مصر، حيث الجماعة ممنوعة. وهناك بدأ القراءة عن الإسلام بعمق، وأدرك مدى خطأ رسالته التي تنزع إلى الاستثناء. ولذا كانت تجارب نواز هي الدافع وراء رغبته في مجابهة التطرف. وفي نهاية المطاف، إذا كان هذا الرجل الذي نجا من هذا النوع من المحنة، مستعداً للوقوف ضد التطرف، فبإمكان الآخرين أيضاً القيام بذلك. ولكن ربما يتعين علينا الاعتراف أيضاً بأن العوامل المحرضة على ممارسات عدم التسامح والتشدد في باكستان تنزع عموماً لأن تبقى مختبئة، وأحياناً لا يظهر في البداية منها إلا المقدمات. ولذا يعتبر تحديد هذه العوامل ووضع الأصابع عليها بصراحة تدبيراً حاسماً في احتوائها، وهنا ينبغي أن تلعب الحركات الاجتماعية مثل "خودي" دوراً حيويّاً. يذكر أن حركة "خودي" التي أسسها نواز تعمل من أجل تشجيع ثقافة الديمقراطية في عموم باكستان، باعتبارها المصل المضاد للتطرف. ونأمل أن تكون هناك حركات أخرى مثلها لتحقيق ذات الهدف. ولا شك، على كل حال، أننا نحتاج بشكل ماس إلى تشجيع ثقافة الديمقراطية، وبالذات النوع الذي يشجعنا على احترام الحريات والحقوق الفردية والآراء المتنوعة. والديمقراطية، في نهاية المطاف لا تقتصر على مجرد الحق في التصويت في الانتخابات السياسية، بل هي أيضاً حزمة واسعة من الممارسات، التي تأتي في مقدمتها ثقافة التسامح والتعايش، بين الناس على اختلاف أفكارهم ومعتقداتهم، لأننا جميعاً بشر، ونعيش تحت ظلال سقف مجتمع إنساني واحد. وإذا كان لنا أن نختم بالاستئناس بأحد آراء نواز، المذكور، فربما يتعين تسجيل إحدى مقولاته: "يجب أن تبقى الديمقراطية إلى الأبد ضماناً لحقوق الإنسان. فثقافة الديمقراطية تؤسس حزمة من الحريات، لأنها في المحصلة ضمان لاحترام حقوق الإنسان، وحرية التعبير، وحرية الخيار الفردي". ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©