الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الخط الأحمر» الكيماوي

29 ابريل 2013 23:05
عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن توصلت الاستخبارات الغربية، ومنها الأميركية، إلى استنتاج لم تتردد في إعلانه. وهو أن النظام السوري استخدم السلاح الكيماوي مرات عدة، ولا يزال يستخدمه، لكن «في نطاق محدد». فهل يعني ذلك تجاوز «الخط الأحمر» الذي كان أوباما حدده منذ أغسطس 2012، محذراً، أنه في حال كهذه سيكون للولايات المتحدة موقف آخر لم يحدده. لكن يُفهم أنه سيضطر عندئذ لشكل من أشكال التدخل أو الردع. في الحرب التي دخلت سنتها الثالثة تخطى النظام السوري كل الخطوط الحمر وتحدى كل الأعراف من دون أن يزعجه أحد. فماذا عن الطيران الحربي الذي يُغيرُ يومياً غير مميز بين مواقع مدنية وعسكرية؟ وماذا عن استعمال الصواريخ الباليستية المصنفة «أسلحة دمار شامل» والمحظورة دولياً؟ وماذا عن عشرات المجازر والإعدامات الميدانية ذبحاً أو رمياً بالرصاص؟ وماذا عن جرائم الاغتصاب والتعذيب؟ وماذا عن هدم الأبنية بالقنابل الفراغية وعن براميل المتفجرات والقنابل العنقودية والفوسفورية؟ وماذا عن حرق البساتين ودك المساجد والمدارس؟.. هل هذه كلها تقع تحت «الخط الأحمر» أم فوقه؟ تهيأت للنظام ظروف سمحت له بوضع المجتمع الدولي تحت اختبارات مبدئية وأخلاقية، فوجد أن ردود الفعل تتيح له الذهاب أبعد فأبعد في العنف المفرط. حتى أنه توصل إلى اقتناع راسخ بأن المجتمع الدولي لا يختلف عنه، كونه لا يعتبر سفك الدماء من المحرمات التي تستوجب التدخل. يتنافس النظام مع حليفه الروسي في تصوير المشكلة بأنها تكمن عملياً في دفاع أبناء الشعب عن أنفسهم، حتى أنهم حملوا السلاح لأجل ذلك، بل أن هناك دولاً إقليمية وفرت له السلاح، رغم أنه في الحالات التي وُجدت فيها مناطق لم ترفع السلاح، فإنها لم تنجُ من البطش والتهجير، فقط لأن موقعها على الخريطة لا يناسب الأهداف البعيدة للنظام، وهي التي يمكن اختصارها بسيناريوهين: إما إعادة البلاد والشعب إلى الخضوع الكامل، وإما الذهاب إلى «التقسيم». ما الذي تعنيه عبارة «استخدام الكيماوي في نطاق محدود»؟ أولاً، سيفهمها النظام استخداماً في إطار ما هو مقبول، فمن يغضّ النظر عن سقوط أكثر من مئة ألف قتيل لن يتوقف عند بضعة آلاف زائدة تقضي بالكيماوي. لكن المقصود بهذه العبارة إبقاء نافذة أمام الإدارة الأميركية للتشكيك والمحاججة بأن «الخط الأحمر» لا يزال بشكل متقطع ومتفرق بحيث يمكن تخريب الأدلة وخداع أي تحقيق أو تدقيق، أما أن يضرب على نطاق واسع فهذا وحده محرج. لكن، ماذا لو فعل، ماذا لو كان يفعل؟ لا أحد يتوقع أن يخرج المجتمع الدولي عن صمته وتهاونه، ولا أن تتحرك الولايات المتحدة، فمن لم يتحرك في بدايات الأزمة وقبل كل الانتهاكات والتغاضي عنها، يصعب عليه التدخل وقد غدت سوريا غابة سلاح ودماء، لأن الأسباب التي جعلته يحجم قبل عام تجعله أكثر تردداً بعد عامين وبعدما زادت الأزمة عمقاً وتعقيداً. الوجه الحقيقي للمجتمع الدولي ظهر في رواندا حين ترك المذبحة تحصد عشرات الألوف، وفي البوسنة حين تَفرّج على الاقتتال خمسة أعوام. قد يتوحّد شكلياً كما في الحرب على أفغانستان، التي لا تبدو لها نهاية لكن ليعود منقسماً كما في العراق، وقد يظهر شبه موحد كما في ليبيا إنما ليغدو أكثر انقساماً كما في سوريا. فأميركا تتذرع بروسيا والصين، والاثنان تعيدان سلبيتهما القاتلة إلى تضرر مصالحهما بفعل حملة «الناتو» في ليبيا. وعندما يغلق الروس والصينيون مجلس الأمن ويعطلون القانون الدولي، هل يختلفون عن الأميركيين وحلفائهم عندما يغزون العراق ويحتلونه من خارج «الشرعية» الدولية. وفي مثل هذا الحال، لا غرابة في أن يذهب النظام المارق في سوريا إلى أقصى الوحشية، ولا غرابة أيضاً في ظهور تنظيم «القاعدة» أو ما يعادله طالما أن شريعة الغاب هي السائدة. اشتعل الجدل خلال الأسبوع الماضي حول «الأدلة» على استخدام الكيماوي، وهل هي قاطعة وذات مصداقية، أم ملفقة كما في سابقة الكذب لتبرير الحرب على العراق. كان جدلاً بين الحلفاء، بريطانيا وفرنسا تؤكدان، وأميركا تنفي صلابة الأدلة، إسرائيل تؤكد أيضاً فتحرج واشنطن وتضطر للاعتراف بأن ثمة دلائل لكن أوباما يريد «تحقيقاً قوياً»، وأي تحقيق عن بعد لن يكون قوياً، فدمشق وموسكو لا تريدان محققي الأمم المتحدة. بديهي أنهما لا ترغبان في ظهور الحقيقة، لكنهما في الوقت نفسه تساعدان أوباما، ففي غياب اليقين لا يستطيع القول إنه تم تجاوز «الخط الأحمر». وهذا يعفيه من أي تحرك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©