السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرب الجورجية··· الحقيقة عندما يسحقها الإعلام

الحرب الجورجية··· الحقيقة عندما يسحقها الإعلام
11 أكتوبر 2008 02:08
في خطابه أمام الأمم المتحدة خلال الشهر الماضي، ناشد الرئيس الجورجي ''ميخائيل ساكاشفيلي'' قادة العالم بإجراء تحقيق دولي لإجلاء الحقيقة حول الحرب التي اندلعت في ''أوسيتيا الجنوبية''، والواقع أن ما طالب به الرئيس الجورجي معقول ولا يمكن الاعتراض عليه، لكني أعتقد أن نتائج أي تحقيق نزيه ستكشف ''حقيقة'' مختلفة تماماً عن تلك التي قصدها ''ساكاشفيلي'' عندما تحدث إلى المجتمع الدولي، وإذا بدا لكم أني متأكدة مما أقوله، فذلك لأني كنت في ''تشينفالي'' -عاصمة أوسيتيا الجنوبية- في السابع من شهر أغسطس الماضي، عندما زحفت القوات الجورجية على المدينة وقتلت بعضاً من أصدقائي وجيراني، ففي ذلك اليوم الرهيب اختبأت مع عائلتي حينما كان الرعب سيد المكان لثلاثة أيام متتالية، فيما كانت دبابات الرئيس ''ساكاشفيلي'' وقذائف مدفعيته تدك المئات من المنازل، وتدنس المقابر، وتعبث بالمدارس والمستشفيات· لذا أعتقد أنه يحق لي تماماً الارتياب فيما يقوله الرئيس الجورجي وعدم الوثوق بتعهداته، فلثلاثة أيام قبل الهجوم تلقيت مكالمات من أصدقاء تحذرني من الخروج إلى الشارع، وبالطبع كان ذلك بعد مرور وقت طويل على ادعاء ''ساكاشفيلي'' أن جورجيا تتعرض للغزو الروسي· وحتى عندما ذهب الأهالي في ''أوسيتيا الجنوبية'' إلى فراشهم للخلود إلى الراحة بعد اللحظات العصيبة التي قضوها فوجئوا بعد أقل من ساعتين، بحسب مصادر دولية ذات صدقية، بإطلاق المدفعية والدبابات وقوات المشاة لوابل من النيران تحولت معه المدينة إلى جحيم لا يطاق، وبعدما هدأ القصف وتوقفت النيران حرصت على الاتصال ببعض الأصدقاء لاكتشاف الوضع وتقييم الحصيلة، فحكى لي أحد الأصدقاء كيف حاول والده إطفاء الحريق الذي أحدثته النيران الجورجية في منزله الذي بناه بيديه، فتعرضت رجله للبتر إثر إصابته بشظية لدى انفجار قذيفة جورجية، فتُرك لينزف حتى الموت، بينما كانت زوجته المعاقة تزحف هرباً من النيران، وقد رأى السكان المرعوبون الدبابات الجورجية وهي تقصف الملاجئ التي يحتمي فيها الأطفال والنساء، كما شاهدوا العائلات الهاربة تطلق عليها النيران ويسقط الكثير منها بين قتيل وجريح، بل عرفنا لاحقاً أن القوات الجورجية استخدمت القنابل الانشطارية ضد أهالي العاصمة تشينفالي لإيقاع أكبر عدد من الضحايا· لذا تبدو أهمية تشكيل لجنة دولية تتولى التحقيق لإظهار الحقيقة كما عاشها سكان ''أوسيتيا الجنوبية''، لكني عندما خرجت من مخبئي بعد تدخل القوات الروسية التي أنقذتنا من محنتنا الرهيبة، صدمت لردة الفعل التي أبدتها وسائل الإعلام الدولية تجاه الأحداث الأخيرة، حيث لم يشر إلى القتلى الأوسيتيين والفظاعات غير المبررة التي اقترفها الجيش الجورجي، وهو ما أصابني بالإحباط وأدخل الأسى إلى قلبي، فقد رأيت كيف سُحقت الحقيقة من قبل الآلة الدعائية القوية لجورجيا بالطريقة نفسها التي سحقت بها دبابات ''ساكاشفيلي'' المدنيين العزل في العاصمة، ولئن كنت متأكدة من سخاء الشعب الأميركي وكرمه، إلا أن الأميركيين ظلوا بعيدين عن مجريات الأحداث ولم يطلعوا على حقيقة الأوضاع في ''أوسيتيا الجنوبية''، ويبدو أن الأميركيين لا يدركون أن الأوسيتيين الجنوبيين شعب مستقل ضارب بجذوره في أعماق التاريخ، وفيما يتحدث الجميع عن جوروجيا وسيادتها، ألا يحق التساؤل أيضاً عن حرية شعب أوسيتيا الجنوبية؟ ألا تعني أصواتنا ومعاناتنا الأخيرة شيئاً للمجتع الدولي· والواقع أني لا ألوم الشعب الجورجي؛ لأنه على غرار الأوسيتيين يسعى إلى العيش بسلام، لكني ألوم القادة في جوروجيا الذين ورطوا أنفسهم وشعبهم في صراع لم يكن ضرورياً؛ فقد أقنع ''ساكاشفيلي'' العالم بأنه ''منارة'' الديمقراطية والانفتاح التي يتعين الاقتداء بها وحمايتها، إلا أنه حجب الحقيقة عن شعبه، حيث حظر على الجورجيين خلال ساعات الأزمة الاطلاع على المواقع الإلكترونية الروسية، وقامت الحكومة بحجب المواقع الإخبارية التي تنقل بعض ما كان يجري في ''أوسيتيا الجنوبية''؛ كما أنه في مقالته الأخيرة بإحدى كبريات الصحف الأميركية أنكر ''ساكاشفيلي'' أن يكون قد سقط عدد كبير من القتلى الأوسيتيين أثناء تدخله العسكري واتهم روسيا بالكذب فيما يتعلق بالعدد الحقيقي للضحايا، لكني أشعر بالأسى عندما يجادل الرئيس الجورجي في مسألة لا يستطيع أحد القطع فيها لأني أعرف العديد من الأشخاص دفنوا قتلاهم في حدائق منازلهم لعدم توفر البديل، كما أن العديدين ما زلوا في عداد المفقودين، فهل يعتقد ''ساكاشفيلي'' أن اعتداءه على المدنيين مبرر لأنه قتل بضعة مئات بدل بضعة آلاف؟ وهل يعرف الأميركيون أن جيشاً ساهموا في تدريبه وتجهيزه اعتدى على سكان مدنيين بينما كانوا ينامون قريري الأعين؟ وكيف يمكنهم تبرير إرسالهم مليار دولار لجورجيا ولا شيء لمن عانوا من هجمومهم؟ ليرا تشوفريبوفا رئيسة إحدى الجمعيات النسائية في أوسيتيا الجنوبية ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©