الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«عربانة» تحكي التحولات المؤلمة في تاريخ العراق المعاصر

«عربانة» تحكي التحولات المؤلمة في تاريخ العراق المعاصر
15 يناير 2014 00:10
محمد وردي (دبي) - قدمت الفرقة الوطنية للتمثيل، التابعة لوزارة الثقافة العراقية، مساء أمس في إطار المسابقة الرسمية لمهرجان المسرح العربي مسرحية «عربانة»، من تأليف الكاتب حامد المالكي وإخراج الفنان عماد محمد، وتمثيل عزيز خيون، والفنانين لمياء بدن ويحيى إبراهيم وبهاء خيون. مسرحية «عربانة» التي عُرضت مساء أمس الأول على خشبة «قصر الثقافة» بالشارقة، تحكي قصة التحولات التي يشهدها العراق في التاريخ المعاصر منذ خمسة عقود على الأقل، من خلال حكاية المواطن «حنون»، (يقوم بدوره النجم عزيز خيون)، وزوجته «فضيلة»، (تقوم بالدور النجمة لمياء بدن). وهي تحولات كانت بمجملها عاصفة ومدمرة بكل المقاييس، بحيث فتكت بالعراقيين، ونهشت أرواحهم، ومزقت أحلامهم، قبل طحن أجسادهم وتخريب بنياهم بوحشية متناهية، ما قلب حياة العراقيين رأساً على عقب، وجعلتهم متسولين في بلاد لم تعرف العوز والحاجة على مر التاريخ، بفيض «دجلة الخير»، حسب التعبير الشعبي العراقي الموروث أب عن جد. ذلك النهر المتدفق من تخوم الشمال إلى أقصى الجنوب؛ وعندما أكتشف النفط في بلاد الرافدين، لم يجر استخراجه كما في البلدان الأخرى، وإنما فاض وجرى في الموصل على جري عادة الينابيع. ومع ذلك فإن الخراب جعل «حنون» بطل المسرحية، يستعيد شريط حياته، عندما فتح «أنكر ونكير» ملفاته في العالم الآخر، فتذكر أنه بعد أن فاض الهم على عقله، وجثم على صدره كالجبال، قرر أن يحذو حذو «البوعزيزي» ويحرق نفسه، فسكب النفط «المُعار من الجيران» على جسده. وقبل إشعال النار بجسده، الذي تعثر بسبب تدخل وتوسل الزوجة، تدخل القدر، واختطف حياته بالنوبة القلبية، فراح حينذاك يتفقد أثار النفط على جسده، واكتشف أنه لم يترك أثراً على ثيابه، حتى رائحته اختفت وضاعت، فانتابته نوبة جنونية، وراح يصرخ مطالباً الآخر المجهول المعلوم «أعد لي نفطي، أقله رائحته». على المستوى الفني، يعتبر عرض «عربانة» من الأعمال المسرحية المركبة بحرفية عالية، سواء لجهة الإخراج أو النص. لأن العرض استطاع أن يقدم بصورة فذة، مآلات التحولات التاريخية، وما انتهت إليه من خراب بأقصى صوره الإنسانية الفاجعة، من خلال قصة مختزلة. وهي قصة قد لا ينفرد بها العراقي سواء أكان حنون أو غيره من مواطنيه، وإنما يشترك فيها العربي عموماً، لذلك لجأ الكاتب، إلى استحضار شرارة الربيع العربي، الفتى التونسي «البوعزيزي». واستخدم المخرج هذه الشرارة لتضيء العرض بمتعة بصرية باذخة، سواء لجهة التقطيع المشهدي، أو لجهة رصد التحولات، أو لجهة التناغم المرهف بين الحركة والفعل وحضور الممثل والسينوغرافيا والموسيقى الشجنية العذبة، والغناء الشفيف، وعلى رأس هذه المشهدية «العربانة»، التي تحولت بالنسبة إلى أسرة حنون، هي البيت ومصدر لقمة العيش البائسة، وهي الشارع والحارة والبلد برمته. واستخدم المخرج للدلالة على تعدد الأزمنة ثلاث عربات، إحداها بشكل سومري، والأخرى بشكل روماني والثالثة عادية. أما على المستوى الذهني، فتمكن العرض ألا يستحوذ على أنتباه المتلقي فقط، وإنما جعله يحبس أنفاسه، ويتغلغل عميقاً في وجدانه وناموسه، لأن القضايا المتعددة التي تناولها العرض، كانت موجعة إلى أقصى حدود الألم، لا بل كان تحز على الروح والوجدان في الصميم، فتوقظ عذابات ومأسي الذات، سواء التي يعيشها الفرد أو التي يراها، ويشاهدها لحظويا على امتداد الواقع العربي. العرض كان ينتمي إلى فن المسرح الصِدامي، الذي يقوم بفعل المكاشفة بأرقى مستوياتها شفافية، فيستفز المشاعر المتيبسة، ويستعيد بعض انسانيتنا الهاربة، بسطوة التحولات القسرية، المفروضة على الواقع العربي، التي لعبت بتشكيل الشخصية العربية، بطريقة قاربت مسخْها، حينما صار الإرهاب سمة تطلق على هوية العربي في العالم. ولكن هذه القضايا، التي تناولها النص، وتمكن المخرج من معالجتها مسرحياً على كل المستويات الجمالية والفنية، ما جعلها توقظ الميت في ذات المتلقي، بفيض من الوجع، لا يخفف من وطأته إلا الدموع التي يذرفها، للتقليل من آلامها، والتطهّر من آثامها، بدت من ناحية المَسّرَحة الفنية أقرب إلى المباشرة، تحت مسمى «الواقعية» التي وصفها بعض النقاد بأنها جديدة. ما جعل العرض أقرب إلى الوعظ أو التلقين، وهو الأسلوب الذي فشل عربياً على مدى قرن ونصف القرن في جعل الآداب والفنون تقوم بدورها التثويري والتنويري كما يجب؛ ولو كان الكاتب والمخرج، عملا على مقاربة هذه الموضوعات، بطريقة ما، تترك فرصة للمتلقي لكي يصل إليها باستنتاجاته الخاصة، لكانت استقرت في الوعي، وفعلت فعلها في إعادة هندسة وجدان ومشاعر المتلقي أو المشاهد، والارتقاء بذائقته الجمالية والفنية، وقدراته المعرفية والفكرية في آن واحد. وبذلك فقط يستعيد فن المسرح أبوالفنون الابداعية الأخرى، قدرتها على الغواية وجذب المتلقي، لأنها حينذاك لا تجعله فقط مشاركاً في العملية الابداعية فقط، وإنما تجعله يشعر بنفسه، على أنه مهم، ومعني فيما يجري حوله على أقل تقدير. وهذه هي مشكلة جميع العروض المقدمة في مهرجان المسرح العربي. وربما هي عينها مشكلة الابداع العربي في مجالي الآداب والفنون منذ فترة ليست بقصيرة أبداً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©