حولته ليلة ديربان المظلمة والباردة إلى عملاق وقديس، عملاق، لأن كارلس بويول بدا وكأنه يقفز مدفوعاً بالإحباطات التاريخية التي عانتها إسبانيا كي يحول جيرارد بيكيه - الطويل جداً - إلى قزم إلى جواره، وقديس لأن بفضل هدفه الأربعاء في مرمى ألمانيا، ستنافس إسبانيا على الفوز بأول لقب لها في كأس العالم لكرة القدم.
واعتباراً من الأربعاء أصبح يوم السابع من يوليو المخصص للاحتفال بيوم “القديس فيرمين” يوم احتفال أيضاً بالقديس بويول.
في ليلة كانت كل الآمال معلقة فيها على الصاعد الشاب بيدرو رودريجيز وبالهداف ديفيد فيا، عثر قلب الدفاع “32 عاماً” على الهدف الذي استعصى على بطل أوروبا 73 دقيقة.
إسبانيا كانت تجتهد، بيدرو كان يلعب بحماس شيطاني، وفيا كان “يشمشم” بأنفه أمام الشباك التي لا تتحرك، لكن التعادل السلبي ظل قائماً. حتى جاء بويول لإصلاح الأوضاع، هو تحديداً الذي كان قد صرح بأن جنوب أفريقيا ستشهد آخر مشاركة له في المونديال، هو تحديداً الذي بدأ حياته في منتصف عقد التسعينات في صفوف ناشئي برشلونة كجناح أيمن، ثم لعب في نصف الملعب، قبل أن ينتهي به الأمر كمتخصص في منع الأهداف وليس في إحرازها، إذا كان هناك من يعرف معنى الفوز فسيكون بويول، فهو قائد برشلونة صاحب الألقاب الستة في موسم 2008-2009، وبالنسبة للمدير الفني فيسنتي دل بوسكي هو لاعب رئيسي في الفريق، لذا من المحتمل أن يحاول إقناعه بالاستمرار على الأقل حتى بطولة الأمم الأوروبية عام 2012 في بولندا وأوكرانيا.
وإذا كان قد شارك بين لاعبي المنتخب الإسباني الذين فازوا على ألمانيا 1 - صفر أيضاً في نهائي بطولة الأمم الأوروبية عام 2008 في سويسرا والنمسا، وكانوا قاعدة لنجاحات الفريق الحالي في المونديال، فلماذا لا يواصل مطاردة النجاح؟ وقال قلب الدفاع مؤخراً “بعد المونديال سنرى”، وأضاف “أعتقد أن ما ننافس عليه شديد الأهمية. إنه قرار لن اتخذه وحدي، بل مع المدير الفني وفرناندو هييرو (المدير العام للمنتخبات)”. وسيكون لديه الوقت الكافي لاتخاذ قرار.
لكنه قام بتغيير التاريخ الرياضي لبلد كامل، لأن إسبانيا لم يكن قد سبق لها من قبل التأهل إلى نهائي كأس العالم، لأن إسبانيا، بحسب تعبير دل بوسكي لوكالة الأنباء الألمانية، كانت تنظر إلى الألمان حتى أعوام قريبة مضت على أنهم “من جنس آخر”.
كانت تتبقى ثلاث دقائق على العاشرة ليلاً، ومرمى ملعب موسيس الأبيض يلمع وسط سواد الليل، وقفز بويول بطوله البالغ 178 سنتمتراً للارتقاء إلى الضربة الركنية التي نفذها تشافي.
بدا عملاقاً وسط كل أولئك المدافعين الألمان، قفز لينفذ أهم ضربة رأس في حياته، وأضاف إلى المباراة الشيء الوحيد الذي كان ينقصها والذي استحقته إسبانيا: الهدف.
وقال تشابي ألونسو “قفز كأسد، كنا محظوظين بذلك الهدف من الضربة الركنية، رأسية بويول الرائعة” التي سددها اللاعب بشعره الطويل الذي أصبح مهدداً، فقد قال جوان كابديفيلا زميل بويول في خط الدفاع “لو فزنا بالمونديال، سنحاول أن نقص له شعره”.
وبعد انتهاء المباراة توجه أغلب اللاعبين نحوه، لكنه لم يتحدث إلى كاميرات التليفزيون، بل تحدث إلى زملائه، فقد عانقه فرناندو توريس مبتسماً، فيما عاد بيدرو الذي بدا سعيداً كطفل، ليصف له الهدف كما لو كان من سجله شخص آخر غيره، أما فيكتور فالديس زميله في برشلونة والحارس البديل لإيكر كاسياس فقد بحث عنه ليخبره بما يريد أي إسباني أن يقوله له وهو يحتفل على بعد عشرة آلاف كيلومتر: من اليوم أصبح عيد القديس فيرمين، عيداً أيضاً للقديس بويول.
عدد اليوم
