الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإخوة بلوم ·· متاهات وفوضى معتنى بها جيداً

الإخوة بلوم ·· متاهات وفوضى معتنى بها جيداً
12 أكتوبر 2008 00:24
شهدت ليلة افتتاح الدورة الثانية لمهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي عرض فيلم ''الإخوة بلوم'' The Brothers Bloom من إنتاج الولايات المتحدة الأميركية، ومن إخراج وتأليف ريان جونسون وبطولة مارك روفالو وأدريان برودي الفائز بجائزة الأوسكار لأفضل تمثيل رجالي عن فيلم سابق له بعنوان ''عازف البيانو'' وريتشيل وايز وماكسيميليان شيل واليابانية رينكو كيكوتشي التي شاهدنا دورها المميز قبل أعوام في فيلم ''بابل'' للمكسيكي أليخاندرو إيناريتو · يحكي الفيلم قصة الأخوين اليتيمين ستيفان وبلوم اللذين ارتبطا ببعضهما البعض في طفولتهما وتربيا لكي يصبحا أشهر نصابين في العالم يسرقان أصحاب الملايين من خلال حيل وأكاذيب متقنة ولا يمكن الكشف عنها بسهولة· يقرر الأخوان القيام بمهمة واحدة وأخيرة قبل أن ينهيا شراكتهما، فيأخذان إحدى الفتيات الجميلات (ريتشل وايز) الموعودة بإرث مالي كبير إلى مغامرة عاطفية، ورحلة بين بلدان وعواصم مختلفة، ويصاحب هذا السفر الروحي والجسدي الكثير من مواقف الكوميديا والغموض والحب والخديعة· برز اسم مخرج الفيلم ريان جونسون كموهبة سينمائية صاعدة بقوة مع ظهور فيلمه الأول ''طابوق'' قْىكً عام 2005 الذي صنفه النقاد ضمن فئة (الفيلم نوار) وهو تعبير سينمائي يشير إلى النوعية الداكنة من المواضيع والمعالجات السينمائية، وكان هذا الفيلم بمثابة المفاجأة الفنية المدهشة لمخرج في عمله الأول، واستقطبته مهرجانات عديدة على مستوى العالم· في فيلم ''الإخوة بلوم'' يبدو المخرج بعيدا عن أجواء فيلمه الأول، وكأنه استنفد جل طاقاته الإخراجية في باكورة أعماله، ورغم خيبة الأمل الكبيرة التي عبر عنها نقاد السينما تجاه فيلم ''الأخوان بلوم'' إلا أن جونسون لم يتخل عن تناول موضوعات وشخصيات تبدو وكأنها خارج نطاق الواقع وبمسافات بعيدة، فشخصيات الفيلم الأربع هي شخصيات مأزومة سيكولوجياً، ولا يمكن توقع ردات فعلها، (ملامح سينمائية تذكرنا بأفلام الأخوين كووين، وبالأسلوب الإخراجي المتراوح بين العنف والفنتازيا للمخرج كوانتين ترانتينو) خصوصا أن الظروف المحيطة بها لا تخلو من مواقف عبثية وسوريالية تصل لحد الكوميديا المفرطة واللامعقولة، وهذه المبالغات السردية حولت شخصيات الفيلم وفي مشاهد كثيرة إلى شخصيات الكوميكس الخيالية، فالممثلة اليابانية الصامتة رينكو كيكوتشي تظهر في الفيلم بأشكال وشخصيات متعددة، وتقوم بعمليات تفجير لا يمكن أن تحدث سوى في أفلام الرسوم المتحركة، وستيفان شقيق بلوم في الفيلم يمثل ثيمة الجشع والقسوة ولكن ملامحه الخارجية لا تشي بذلك على الإطلاق، أما بلوم الذي يقوم بدوره ادريان برودي فهو قابع في حيرته الشخصية وضعفه الداخلي وذكرياته البعيدة والمعذبة ولكنه في ذات الوقت يتوفر على قدر هائل من المحبة والحس الرومانسي الذي يدفعه في النهاية للتخلي عن كل هذا الخداع الداخلي والخارجي للظفر بحبيبته (بينلوب)، وأخيرا فإن ريتشل وايز التي تقوم بور الحبيبة هي من أكثر شخصيات الفيلم تعقيدا وغرابة، فهي عاشت في عزلة تمتد لتسعة عشر عاما بسبب تشخيص خاطئ من الأطباء أجبرها على المكوث في المنزل طوال هذه المدة، وعندما اكتشف الأطباء الخطأ، اضطرت مرة أخرى للبقاء في المنزل من أجل رعاية والدتها المصابة بداء عضال، فكان تعرفها على عصابة الأخوين المتخصصين في تهريب الآثار والتحف الثمينة فرصة لها للخروج من عزلتها الإجبارية والتعرف على عالم مليء بالمغامرة والاكتشاف والإثارة القصوى· وكانت كاميرا المصور ستيف يدلين هي إحدى الميزات الكبرى للفيلم، لأنها وبعيدا عن التخبطات السردية والثغرات الأدائية وترهلات الحبكة استطاعت أن تمنح الجو العام للفيلم ما يستحقه من تغايرات مشهدية وانتقالات رشيقة بين الضوء والظل وبين اللقطات الخارجية للطبيعة والبيئة والمعمار، واللقطات الأخرى المعبرة عن الأحاسيس الداخلية للشخصيات في حالات الفرح والأسى، وفي المواقف الكوميدية وتلك المأهولة بالحيرة والصدمة· رغم أن الموضوع المطروح في فيلم ''الأخوين بلوم'' مشغول على عدة خيوط سردية تصل بالمشاهد أحيانا إلى حد الإرباك وتفكيك مفاصل القصة، إلا أن الفيلم عموما لا يتنازل عن معالجات فنية مدهشة على مستوى المونتاج والابتكارات المشهدية التي تضع المتفرج في حيز تفاعلي مع اللقطة، وخصوصا في تلك اللقطات المتوفرة على قدر كبير من الحركة والإثارة البصرية، نتذكر لقطة المطاردة بين أبطال الفيلم وبين المافيا الروسية في مدينة بيترسبيرج، حيث يتوزع المشهد الحركي على لقطات جامحة وحسية بامتياز، فالصورة هنا غير محايدة ولا تنفصل عن قوة الحدث، بل هي صادمة وحية وملاصقة لوجهة نظر ركاب السيارة لحظة تدهورها وارتطامها بأشجار الغابة النائية· ولكن البصمة الفنية المميزة للمخرج على صعيد الحيوية البصرية للمونتاج لا تنفي السلبيات الواضحة في الفيلم مثل ضياع وتشتت خيوط السرد في مسار القصة العامة، ورغم لجوء المخرج إلى القفز فوق الواقع الزمني والتسلسلي للأحداث، إلا أن حيرة المشاهد تزداد مع عدم رغبة المخرج في ترويض شخصياته وتدبير منفذ موضوعي للأحداث، فلعبة المتاهات والألغاز في الفيلم حولته إلى كتلة متراخية من المشاهد الارتجالية والغايات المتروكة لمهب الصدفة الهجينة، أو ما يمكن أن نسميها: الفوضى المعتنى بها جيدا!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©