الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السينما الفلسطينية: بدايات وتحولات

12 أكتوبر 2008 00:26
منذ بداياتها في نهاية الستينات ومطلع السبعينات من القرن العشرين، اصطبغت السينما الفلسطينية بالهم السياسي والوطني للفلسطيني في الوطن والشتات، حيث انطلق السينمائيون الذين صنعوا الأفلام الأولى من مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها، حاملين الرؤى والمفاهيم المرتبطة بالكفاح والتحرير، غير عابئة كثيراً بهموم ومعاناة الشعب الفلسطيني المشرد في حياته اليومية، فكانت الأفكار النابعة من الصراع العسكري أشد حضوراً بكثير من الحكايات والقصص الحياتية في تفاصيل ويوميات هذا الشعب، حيث الغاية الأساسية هي إثبات الوجود في مواجهة محاولات التغييب، وكان البحث عن ملامح الهوية في ظل هجمة شرسة لمسحها· لذا شهدت تلك المرحلة الجنينية من الحلم السينمائي عناوين تتعلق بالوجود والكفاح والسلاح مثل ''ليس لهم وجود'' لمصطفى أبوعلي، أو تذكيراً بمأساة الشعب الفلسطيني وهمجية عدوه في عمل قاسم حول ''كفر قاسم''، وكذلك الأمر في أعمال وثائقية وتسجيلية لعدد من السينمائيين الفلسطينيين والعرب والأجانب الذين عاشوا المراحل الأولى من الثورة الفلسطينية، وانشغلوا بمشاغلها وهمومها، من أمثال قيس الزبيدي وهاني جوهرية وعدنان مدانات والفرنسي جان لوك غودار وسواهم· كانت تلك البدايات هي الحاضنة التي مهدت بعد حصار وهزيمة 1982 في بيروت لظهور موجات جديدة في الساحة السينمائية الفلسطينية، حتى اختلطت المفاهيم، وبات من الضرورة العودة إلى تحديد ملامح ومعالم هذه السينما، وتركز السؤال حول ما هي السينما الفلسطينية، وهل هي سينما فلسطينية، أم علينا توسيع الإطار لنتحدث عن سينما لفلسطين أو عنها؟ حرية كسر ''التابو'' ومع ظهور الموجة الجديدة من أفلام لسينمائيين من فلسطينيي عام ،1948 التي ابتعدت عن المنطلقات الأولى ذات العناوين الكبيرة، لتتناول هموماً وقضايا صغيرة ويومية للإنسان الفلسطيني في ظل الاحتلال الصهيوني كما في الشتات، وكانت بدايات هذه الموجة مع المخرج الفلسطيني (حامل الجنسية الإسرائيلية) ميشيل خليفي بدءاً من ''الذاكرة الخصبة'' الذي ولأول مرة ترى الناس فيه فلسطين ليس كأرض وقضية فقط·· بل كتاريخ وتراث وثقافة شعبية، أي بوصفهم بشراً·· يعني ناس بتقاتل لتحافظ على كرامتها، ومروراً بفيلمه ذائع الصيت ''عرس الجليل'' الذي كسر الكثير من التابوات في تناول صورة الإنسان الفلسطيني، متجاوزاً الصورة النمطية للإنسان المحافظ حد التخلف، طارحاً صورة حية للكثير من العادات والتقاليد من خلال العرس· وكذلك الأمر في فيلم ''نشيد الحجر'' الذي قدم فيه صورة عن الانتفاضة الفلسطينية، مازجاً بين الأحداث الفادحة على واقع الأرض وقصة حب شاعرية لامرأة فلسطينية وعلاقتها بحبيبها الذي كان قد اعتقل لأسباب نضالية· كل ذلك قدمه خليفي ضمن رؤية وتقنيات فنية عالية· كانت تجربة خليفي هذه مقدمة تمهيدية لتجارب جديدة أخرى انطلقت في الثمانينات والتسعينات، متسلحة بالوعي الجديد في العلاقة مع الاحتلال والأرض، ومع محاولات التذويب مرة، ومحاولات التهجير مرة ثانية، فبعد اغتصاب الأرض كانت محاولات العدو لاغتصاب الهوية ومحوها، فجاءت أفلام الموجة الجديدة لتمزج معالجة الهموم والقضايا وبين التقنيات السينمائية المتقدمة· بين الواقع والمتخيل من بين التجارب الجديدة كانت تجربة المخرج السينمائي ابن مخيم الشاطئ في غزة رشيد مشهراوي التي تعبر عن وعيه لحقيقة نشأته بين براءة الطفولة وحقيقة جنود الاحتلال، بدءاً من ''الملجأ'' و''تذكرة إلى القدس'' و''توتر'' و''انتظار'' وغيرها من الأفلام الوثائقية والتسجيلية· تلك الحقيقة التي دفعته إلى الغوص في تعقيدات النفس البشرية بأفضل طريقة واقعية ممكنة، هذه الحقيقة جعلته أكثر إحساساً بالوضع البشري بصورة عامة ووضع الفلسطينيين بصورة خاصة، ولذلك فإن إنتاجه السينمائي يتميز ببساطة التعبير وواقعية مقاربة الحدث ضمن نظرة إنسانية شاملة، الأمر الذي يضفي غنى وتنوعاً على هذه السينما، حيث يسهم كل مخرج وفنان بحالة سينمائية مختلفة، فهناك فلسطينيون آخرون يقدمون عوالم مختلفة، وهذا بالنهاية يصب في صناعة سينما فلسطينية يسهم الجميع فيها· وكما يرى مشهراوي، وبما أن السينما هي مزيج من الواقع والخيال، فالمخرج يستطيع أن يأخذ من الواقع صعوبته وقسوته ويأخذ من الخيال جماله، ليرسم الوطن الذي يحبه، وهذا يكون الأرض التي يقف عليها ويمشي عليها بقوة ضد الاحتلال· وتستمر التجارب في تقديم الجديد والمختلف، برغم الاختلاف مع بعض هذه التجارب في إطار الطرح الموضوعي والفكري الذي تقدمه، لكنها تظل في سياق التحولات التي تشهدها الساحة السينمائية الفلسطينية، حيث بدأ أن الهاجس الأساس للبعض هو كيف يمكن أن يقولوا فلسطينهم عبر فن سينمائي، يرقى إلى منصات المهرجانات، ويزيّن شاشات الصالات، وليس كيف يتواصل مع جمهور واسع· وضمن مخرجي هذه الموجة الجديدة لا بد من التوقف عن تجارب إيليا سليمان وهاني أبوأسعد ومي مصري وسواهم· سخرية اليد الإلهية فيلم ''يد إلهية'' للمخرج إيليا سلمان تدور أحداثه في مكانين مختلفين داخل فلسطين التاريخية، المكان الأول هو الناصرة حيث الاحتلال هنا يختلف عن الاحتلال خارج الخط الأخضر· فالاحتلال العسكري تحول مع الزمن إلى احتلال نفسي· ولم يعد لدى البشر في الناصرة القدرة على مواجهة كل هذه العواصف التي تأتيهم من كل مكان، وبالتالي ليس أمامهم إلا محاولة البقاء علي قيد الحياة· أما المكان الثاني فهو حاجز الرام الإسرائيلي الفاصل بين مدينة القدس ومدينة رام الله الخاضعة للحكم الفلسطيني، والوضع هنا يختلف تماماً، عند الحاجز يلتقي يومياً البطل الذي يؤدي دوره مع حبيبته· والصور عند الحاجز أكثر إيلاماً تصور كل أشكال المهانة اليومية للفلسطينيين· وينطوي الفيلم على روح فكاهية وخيال يحلق فيه بدون حوار تقريباً، ومن وحي العلاقة بين الجندي الإسرائيلي وما يدور حوله، إذ أن البالون الصغير الذي رسمت عليه صورة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يطير عبر الحاجز فيثير قلق وحيرة الجنود الإسرائيليين الذين يكتفون بمشاهدة البالون وبالاتصال بقيادة الجيش سائلين عن كيفية التعامل معه· وهنا نجد المخرج يستخدم الكثير من الرموز السياسية التي ترتبط بصورة ما بما جرى في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فالبالون السابق يطير عبر كنائس القدس ليحط فوق قبة الصخرة· وحبيبة البطل تظهر في ملابس سلاحف النينجا الشهيرة تستخدم سلاحاً عليه رموز إسلامية وتتخذ من العلم الفلسطيني درعاً والرصاصات تتحول حولها إلى هالة تذكر بالمسيح· الفلسطيني ليس وحشاً التجربة الثانية في هذا الإطار هي تجربة المخرج هاني أبوأسعد، الذي اشتهر بفيلمه ''الجنة الآن''، الذي نال جائزة جولدن جالوب لأفضل فيلم أجنبي في الولايات المتحدة، وهو يطرح أسئلة الحياة والموت وتغيير الواقع الفلسطيني عبر عملية انتحارية، مقدماً رؤيته لهذا النوع من العمليات لأول مرة ربما، لتقديم صورة الاستشهادي من جانبها الإنساني ودوافعها للقيام بهذا العمل، والتأكيد على ما تمثله من مقاومة للاحتلال وممارساته، وحتى لا تظل صورة الفلسطيني هي صورة الوحش والهمجي القاتل، فهو يتعرض لأشكال من العنف تدفعه لابتكار أشكال من الدفاع عن نفسه وعن حريته وكرامته، فهو إنسان، وهذا ما ينبغي أن يفهمه الجميع· تفاصيل مي المصري مي المصري واحدة من المخرجات القلائل في الساحة الفلسطينية اللاتي قدمن تجارب بصرية مهمة، وثائقية وتسجيلية تطرح قضايا فلسطينية وعربية برؤية متميزة، خصوصاً في ''أطفال جبل النار'' الذي تقول عنه عند تصويري فيلم ''أطفال جبل النار''، كانت تلك المرة الأولى التي أذهب فيها إلى هناك (الأراضي الفلسطينية)، وكان هدفي الرئيسي هو تصوير مدينتي نابلس··· فكانت هذه الرحلة بمثابة استكشاف لما هو موجود هناك، وإعادة بناء للعلاقة مع المدينة والمكان من خلال الصورة·· فمن خلال السينما أحسست وكأني أعيد علاقتي مع المكان والناس· ولأنها كانت المرة الأولى التي تذهب إلى نابلس، فقد حملت مي هذه الرحلة معنى يختلف عن جميع الرحلات السابقة، فتقول ''تملكتني رهبة كبيرة في تلك الزيارة، فقد كانت البلاد تعيش فترة الانتفاضة الأولى، وكانت نابلس بالذات تعيش تحت منع التجول، حيث أنها كانت منطقة عسكرية مغلقة·· وكانت هناك صعوبات كثيرة خلال تصوير الفيلم، الذي كان يحصل في السر، لأننا كنا مطاردين، فقد كنت السينمائية الوحيدة الموجودة في نابلس في تلك الفترة، فأصبح الموضوع محدداً بالحي· ولربما هذا ما أعطى الفيلم زخماً كبيراً، لأن الكاميرا أصبحت تلتقط تفاصيل الحياة، وكيف يعيشها الناس في نابلس''· وللمخرجة تجارب أخرى تؤكد تميزها وتقدمها في مجال الأفلام الوثائقية، ولكن برؤية عميقة وتناول لا يغفل جماليات السينما وحركيتها· التأثير البصري لا العاطفي بعد هذه الجولة على محطات ''من السينما الفلسطينية''، ولا أقول السينما الفلسطينية كلها، نكتشف مدى التقدم التقني والموضوعي الذي حققته هذه السينما، فقد أدرك العاملون في هذا الحقل كما يرى أحد السينمائيين من الجيل الأحدث أن ''اللغة السينمائية الفلسطينية لا بد لها أن تنبثق من داخل نواة المجتمع الفلسطيني وأن يكون لها ''أب'' بالمعنى الأوسع لكلمة أب وأن تكون هناك مدارس وتيارات سينمائية، وحوارات سينمائية، ومذاهب سينمائية، وحركات نقدية قوية''، حيث يرى أن ''القوة الكبيرة في السينما تكمن في التأثير البصري الذي يفرضه السينمائي ليحرك المشاهد أكثر من رد فعل الشفقة أو التعاطف''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©