الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصومال··· مستقبل يتلاشى

الصومال··· مستقبل يتلاشى
12 أكتوبر 2008 02:08
حين تدخل مركز التغذية هنا، يجتاحك شعور بالعجز واليأس؛ العشرات من النساء جالسات ينتظرن وبين أحضانهن أطفال صغار شاحبون، يحاولن إنقاذ أطفالهن المحتضرين، العيون الصغيرة تغمض وتفتح، الأطفال يكافحون من أجل التنفس؛ هذا هو المكان حيث يفترض أن تكون المساعدات في طريقها إليه، ولكن الممرضات ببذلاتهن المتسخة يجدن أنفسهن محاصرات؛ والحقيقة أنه من الباب يستطيع المرء أن يرى مستقبل الصومال يتلاشى· وإذا كانت جرأة عصابة من القراصنة الصوماليين الذين اختطفوا سفينة محملة بالأسلحة قد شدت انتباه العالم، إلا أن المعاناة الطويلة لملايين الصوماليين يبدو أن لا أحد يلتفت إليها تقريبا؛ والحقيقة أن المعاناة في هذا البلد ليست جديدة، أو مفاجئة؛ حيث بدأ الصومال انزلاقه ببطء -ولكن بثبات- نحو الهاوية خلال العام ونصف العام الماضيين، أو خلال السنوات الـ،17 مثلما قد يجادل البعض· ولذلك ربما سمت الأمم المتحدة الصومال بـ''الأزمة المنسية''· أما الأسباب، فهي البطالة والجفاف والتضخم، وارتفاع أسعار الإمدادات الغذائية العالمية وحرب لن تنتهي؛ حيث تصاعد الاقتتال بين الحكومة الانتقالية الضعيفة في الصومال وحركة تمرد إسلامية قوية التصميم خلال الأسابيع القليلة الماضية، ما أدى إلى نزوح الآلاف عن منازلهم وانقطاع المواد الغذائية عن الناس؛ ولعل أبلغ مؤشر على حدة النزاع هنا هي غرف المستشفيات؛ وفي هذا الإطار يقول ''محمد حسين'' -الطبيب بأحد مراكز التغذية في أفجوي-: ''خلال الشهرين الماضيين تضاعف عدد مرضانا، ففي أغسطس، كانت 200 امرأة تصطف في طابور الانتظار رفقة أطفالهن الجوعى خارج المستشفى كل يوم، أما اليوم، فهناك ·''400 أكثر من ثلاثة ملايين شخص، أي نحو نصف سكان الصومال، يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة من أجل البقاء على قيد الحياة؛ ولكن ليس جميع الصوماليين يعجبهم ذلك على ما يبدو، حيث يقول الكثيرون منهم إنهم يشعرون بالإذلال والمهانة؛ وتقول ''زينب علي عثمان'' -جدة تتولى تربية أبناء بنتها-: ''هذا هو كل ما نتحدث عنه، متى تأتي دفعة المساعدات التالية؟''؛ وقبل أن يجبرها الاقتتال على النزوح عن العاصمة ''مقديشو''، إلى مخيمات اللاجئين التي تزدحم بها أفجوي، كانت زينب تغسل ملابس الناس كوسيلة لكسب العيش وكانت تجني في أحسن الأيام ما يعادل 80 سنتا· وإذا كانت الحرب الأهلية قد دمرت اقتصاد البلاد، وتركت الكثير من الأشخاص يعيشون بدراهم معدودة، فإن القصة في أعالي البحار مختلفة تماما؛ فقد استفاد القراصنة من غياب النظام والقانون، حيث يجنون الملايين من الدولارات عن طريق اختطاف السفن التي تمر عبر مياه الصومال غير المراقبة، ويطالبون بفديات كبيرة مقابل الإفراج عنها؛ وفي الخامس والعشرين من سبتمبر، استولت عصابة من القراصنة على سفينة أوكرانية محملة بالدبابات وأسلحة أخرى كانت متوجهة نحو كينيا، وطالب القراصنة بـ20 مليون دولار، وهو مبلغ ضخم جدا هنا، ولكن المفاوضات مازالت متواصلة، ويتوقع أن يكون الثمن قريبا من 5 ملايين دولار؛ ولكن لا أحد يريد دفع المال للقراصنة، إلا أنه في هذه الحالة، ونظرا لاحتجاز 20 فردا من طاقم السفينة كرهائن من قبل المختطفين على سفينة مليئة بالمتفجرات، فإن الاستسلام ربما يكون أأمن طريقة لإنهاء هذه الأزمة، خصوصا وأن صبر القراصنة بدأ ينفد؛ حيث أفادت وكالة ''أسوشييتد بريس'' بأن القراصنة هددوا ليلة الجمعة بتفجير السفينة في حال لم يستلموا المال في غضون ثلاثة أيام· وتقول ''جوهو عبدي عمر'' -أم كانت تنتظر بإحد مراكز التغذية في أفجوي مع ابنتها التي تبلغ عامين-: ''أدعو الله أن يقبض عليهم لأن هؤلاء القراصنة يمنعون وصول الطعام إلينا''؛ ولكن هذا ليس رأي الجميع هنا، فالعديد من الشبان في المخيمات يرسمون صورة بطولية عن المسلحين في البحر؛ حيث يقول ''محمد ورسم''، 22 عاما: ''إنهم رجال أشداء، وهم يحمون سواحلنا''؛ ويدفع القراصنة بالحجة نفسها، حيث يقولون إنهم يختطفون السفن ردا على الصيد غير القانوني في مياههم الإقليمية؛ وفي هذا الإطار يقول ''جمالي أرجاجا'' -زعيم إحدى الميليشيات- ''إنهم أعداؤنا''· لم تمتلك الصومال على أي قوة بحرية حقيقية، أو جيش وطني حقيقي منذ انهيار الحكومة المركزية في ،1991 حين قسم زعماء الحرب البلاد إلى معاقل ومناطق نفوذ بينهم، يتسلطون على السكان ويبتزونهم؛ ولكن الناس ضاقوا ذرعا بهذه الممارسات، لتقوم في صيف 2006 حركة إسلامية بطرد زعماء الحرب أولئك؛ ولكن إثيوبيا والولايات المتحدة اتهمتا الإسلاميين بإيواء إرهابيين؛ وفي شتاء 2006 نحتهم القوات الإثيوبية والأميركية عن السلطة؛ ولكن الإسلاميين عادوا اليوم· حيث يحارب المقاتلون الإسلاميون، المدعومون من قبل رجال الأعمال والمستفيدين من الحرب، بشراسة قوات الحكومة الضعيفة والجنود الإثيوبيين، ولكن المدنيين كثيرا ما يعلقون بين الجانبين؛ ونتيجة لذلك، فإن الآلاف منهم قتلوا خلال العام ونصف العام الماضيين· العديد من عمال المساعدات فروا من الصومال أيضا؛ غير أن ''برنامج الغذاء العالمي'' التابع للأمم المتحدة، يعد واحدا من آخر المنظمات التي مازالت تتوفر على عدد كبير من الموظفين داخل الصومال؛ وفي هذا الإطار يقول ''دنيس براون'' -نائب مدير فرع ''البرنامج'' في الصومال-: إن البيئة أصبحت طاردة بشكل متزايد، وتبعث على اليأس، فقبل نحو أسبوعين، حاصر الآلاف من الأشخاص الجوعى قافلة تابعة للأمم المتحدة تتألف من 35 شاحنة محملة بالأغذية أثناء مرورها عبر مقديشو، حيث أفرغوا الشاحنات من حمولتها، ونهبوا أكثر من مليوني رطل من المواد الغذائية؛ ويقول براون: ''إنه امر غير مسبوق·· لقد خرجت الأمور عن السيطرة''· ولكن ذلك حرم الكثير من الأشخاص مثل ''زينب'' من الطعام؛ فاليوم تقوم زينب بالمساعدة على تربية أحفادها، قبل بضعة أيام، جلست ''زينب'' و''أمينة'' داخل كوخ يعج بالذباب، كل من يحيط بهما أطفال صغار ينظرون إلى السقف بعيون دائرية دامعة، وعلى وجوه بعضهم شريط لاصق لأنهم كانوا من الضعف والوهن بحيث لا يقدرون على البلع، فكانوا يطعَمون الحليب عبر أنوفهم؛ على من تلقى ''زينب'' اللوم؟ ''على أولئك الذين يحملون الأسلحة،أياً كانوا''· جيفري جيتلمان- الصومال ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©