الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«زمن القتلة».. فيليب سوبو في سجون حكومة فيشي

«زمن القتلة».. فيليب سوبو في سجون حكومة فيشي
4 سبتمبر 2016 22:21
ترجمة - أحمد عثمان على الرغم من أن كتاب «زمن القتلة» لفيليب سوبو صدر مرة واحدة فقط في عام 1945، بعد التحرير، إلا أن كثيراً من النقاد لم يزل يعتبره «غير منشور بعد»، لندرة من قرأوه. ولذلك قامت دار غاليمار مؤخراً بإصدار طبعته الثانية. خلال 476 صفحة، يسرد الشاعر الفرنسي الشهير فيليب سوبو (1897 – 1990) ما جرى له في تونس عندما تم اعتقاله لمدة ستة أشهر على أيدي عملاء حكومة فيشي الموالية للنازي في تونس. وعندما خرج من المعتقل، وبعد سفره إلى الولايات المتحدة، كتب «زمن القتلة» التي صدرت في نيويورك لدى مطبوعات «لا ميزون فرانسيز»، التي تأسست في فرنسا وقت الاحتلال النازي، في الوقت نفسه الذي أخذ العالم بأسره يعرف الفظائع التي اقترفتها الفاشية الهتلرية. مقارناً مصيره بمصير ضحايا النازية، قرر سوبو أن مصيره لا يستحق أي مزية: «إلى جانب معسكر الاعتقال، كان الضحايا في وضع يدعو إلى الرثاء (...). أفكر في صديقي البائس ديزنوس (1)». وإذا شعرنا من خلال هذه الكلمات مدى تواضعه، يتبقى أن نعرف أن «زمن القتلة» شهادة أساسية عن عصر فائت وأيضاً عن سوبو نفسه، وأن ندين بالشكر إلى ورثته الذين سمحوا مؤخراً بإعادة النشر، بعد سبعين عاماً على صدور طبعته الأولى. كراهية عملاء فيشي لسوبو ترجع إلى أسباب عدة: شخصيته كشاعر متمرد ونشاطاته كصحافي يساري، ولكن (جريمته) الكبرى تتمثل في إدارته «لإذاعة تونس»، بناء على طلب السياسي والوزير الأول الفرنسي ليون بلوم (1852 – 1950) من ناحية أولى، ولكونها كانت أداة نضالية ضد البروباغندا الموسولينية من ناحية ثانية. وفي عهد سوبو كان العرب يعاملون باحترام للغتهم وثقافتهم. كانت إذاعة تونس شوكة في حلق الأوساط الكولونيالية، القلقة دوماً من رؤية المثقفين الباريسيين يأتون لتقويض هيمنتهم على المستعمرات. وكان قدوم (الماريشال) بيتان، الموالي للنازية، فرصة للانتقام من هذا الشاعر الذي تجرأ على «قلب النظام الطبيعي للأشياء والمجتمع» ومواجهته. في إحدى ليالي مارس 1942، تم اعتقال فيليب سوبو ونقله إلى إحدى مراكز الشرطة، لكي يحيا تجربة غير متخيلة، تجربة العاجز قبالة المستبد المثير للسخرية، المسخ، المحقق الذي لا يستطيع أن يؤكد أي تهمة عليه. هذا الرجل، زملاؤه، وكل المحيطين به مهنيون لا أكثر ولا أقل، متمسكون بالإجراءات. يكفيهم تقديم الولاء للماريشال، تمجيد الجمهورية القومية، الذهاب إلى القداس، المبالغة في التأييد حتى يتمكنوا من الجلوس في الصفوف الأولى. علاوة على ذلك، هذا المحقق نفسه يعمل على ملاحقة المنشقين من دون أن يعرف المعنى الحقيقي لكلمة «منشق». في آخر الأمر، كل شخص متهم، أي معرض للسجن مدى الحياة أو للعقوبة التي يستأهلها. على الأقل، على القاضي أن يفك الشيفرات القادمة من «فيشي» لإعلان الحكم. لأن القانون، الدلائل، المرافعة لا أهمية لها. قبل أي قرار، هؤلاء العملاء الأذلاء يتجهون نحو سادتهم في فيشي، وهم كل ما ناضل سوبو ضده طوال حياته كرجل حر وشاعر. كان حجم الكراهية الذي يكنونه للشاعر كبيراً، قاسياً، بقدر يساوي حجم الاعتداء الذي يرتكبونه على الحرية والعقل والاستبداد الذي يفرضونه على الناس في كل مكان. كانوا يتكلمون «كما الفئران التي تنشط في المجارير»، على حد تعبير سوبو. بين جدران المعتقل، خفف التضامن القائم بين المساجين من وطأة هذه التجربة الأليمة، خالقاً عنصر بقاء، عنصر حياة لكل فرد منهم. ولا يخفى على أحد أنهم كانوا جميعاً من المتهمين السياسيين. في العنابر، يتكلمون، يتبادلون المعلومات، يقصون حياتهم، يوضحون الأخبار الخاطئة، يؤازرون بعضهم بعضاً. في الواقع، كان كل فرد منهم يعمل على أن يكون قطبا إيجابياً بالنسبة للآخرين، أن يكون عنصر مقاومة للنظام الذي يسعى إلى سحقهم يوماً بعد يوم. للأسف، كان السياسيون بعيدين عن العرب الذين وقعوا في شراك العدالة. في غالب الأحايين، تم اعتقالهم لأسباب لا يفهمونها، وعوملوا بوحشية ومن دون إنسانية من قبل الجهاز العدلي غير القادر على فهم أو حتى تخيل شيفرات وظيفة القبائل الموجودة في تونس، وشخصية أبنائها. على أي حال، عمى كولونيالي نمطي لم يتلاش بعد. هل من الممكن أن نرى «زمن القتلة» قبل أي شيء كشهادة على خفايا العدالة في عهد حكومة فيشي؟ إذا نظرنا إلى هذا البعد بمفرده لن نتمكن من النظر إلى البعد الثاني من العمل، الذي يبين ما جرى لسوبو، الانسان، وقت هذه المحنة العصيبة. هذه الأشهر من الاعتقال سوف تشكل نوعاً من (الوقف) في حياته. سوف تجبره، على الأقل جسدياً – لأن السجن، جسدي -، على مواجهة كل ما يحتقره في المجتمع الفرنسي، الذي يمثله هؤلاء الأثرياء والنافذين الذي يحقرون كل القيم التي يتباهون بها. هذه التجربة الأليمة سوف تمنحه ثقلاً وجاذبية، سوف تدعمانه في نضاله كمثقف قادر على وضع أصبعه على كل ما هو رجعي وفاشي. آخر الأمر، «زمن القتلة» كتاب جدير بالقراءة على اعتبار أنه منذر لما يهددنا. (1) روبير ديزنوس (1900-1945)، شاعر فرنسي شهير. توفي في معسكر اعتقال تيريزنشتادت بتشيكوسلوفاكيا السابقة، قبل تحريرها من ألمانيا النازية بفترة وجيزة. (*) الكتاب : -Philippe Soupault, Le temps des assassins, Gallimard, «L›Imaginaire», 2016.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©