الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زمن عقاب الصحافة

10 يوليو 2010 19:56
أي أزمة تضرب قطاعاً أساسياً تتحول إلى مادة للنقاش العام ولنداءات الإنقاذ وطلب العون، إلا أزمة الصحافة العربية تبدو متروكة لشأنها وكأنها قطاع ثانوي فائض أو هامشي أو منبوذ. وبينما ينحصر الاهتمام العربي بدوائر جد ضيقة ومحاولات ارتجالية لتفسير الأسباب والتنبؤ بالمستقبل، يرتقي الاهتمام في أكثر من مكان في العالم إلى مستويات عليا يشارك فيها سياسيون ومفكرون وجامعات ومراكز أبحاث، إضافة إلى إشراك عموم الناس عبر استطلاعات مهنية ودراسات ميدانية. بعض الدول خصص للصحف إعانات بمئات ملايين الدولارات، وبعضها وضع مشاريع وبرامج لمساعدة الصحف على الانخراط في العصر الرقمي وجني ثماره، وبعضها طرح أزمة الصحافة في المجالس البرلمانية والتشريعية، وفي أكثر من مكان بدأت تظهر رؤى حقيقية لمصير الصحافة، بمفهومها الواسع، كصناعة معلومات ومهنة وقيم وكوظيفة اجتماعية. في كتابهما الصادر هذا العام بعنوان “موت الصحافة الأميركية وحياتها” (The Death and Life of American Jo rnalism ) يبين د. روبرت ماكتشيزني أستاذ الاتصالات في جامعة ألينوي الأميركية، والصحفي المعروف جون نيكولز كيف بدأت الأزمة في الولايات المتحدة قبل انتشار الانترنت، وقبل الأزمة الاقتصادية الأخيرة إثر سيطرة النموذج التجاري منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي على أغلب المؤسسات الصحفية التي تحولت من خدمة المجتمع إلى شركات تجارية، مما جعلها رهينة لإرادة ملاكها ومصالحهم، وهدد بالتحول إلى ديمقراطية شكلية يسيطر فيها أصحاب المال والنفوذ على النظام السياسي. وقيم هذا التشخيص تكمن في صدوره عن جهات لا يمكن أن تتهم في ليبراليتها وحرصها على النظام الأميركي، وهي تتضاعف أهميته لأنه يلاقي ما كان خلص له آخرون منذ سنوات في أوروبا، أي قبل الأزمة الاقتصادية. لقد دق أيناسيو رامونيه (Ignacio Ramonet) مدير تحرير “لوموند دبلوماتيك”(1990- 2008) ناقوس الخطر في العام 2005 بالحديث عن الشعور المتزايد من عدم “الأمان الإعلامي” بعد خسارة الصحافة لمصداقيتها، وتورطها في الأكاذيب والخدع التي راحت تزحف على الصحف الراقية (مثل فضيحة الكتابات المختلقة والمنسوخة لجايزون بلير في “نيويورك تايمز” التي تخلت مع “واشنطن بوست” عن واجباتها في التدقيق بروايات الإدارة الأميركية عن أسلحة الدمار الشامل في العراق. ولم يقصّر رامونيه في الحديث عن “الكوارث الإعلامية” في دول مثل إسبانيا وفرنسا ليضيء من ثم على الوجه الآخر “للإفلاس الديمقراطي” المتمثل بالتحالف الوثيق بين الصحافة والسلطات الاقتصادية والسياسية، مستشهداً بشراء عملاق صناعة الطائرات روبرت داسو مجلة “الأكسبرس” وصحيفة “اللوفيغارو”. طبعاً، يختلف تشخيص أوضاع الصحافة العربية عن الصحافة الغربية في كثير من الوجوه، لكن انخراط معظم الصحافة العربية في مشاريع النفوذ والمال لم يكن أقل خطورة، بل كان أكثر مباشرة وسذاجة في أحيان كثيرة، فهي لم تترك نظاماً ولا زعيماً ولا نجماً ولا ثرياً ولا محباً للشهرة، ولو أي كار، إلا وكانت جزءاً من نجاحه أو فشله. والأرجح أن هؤلاء هم أعلم بحقيقة هذه الصحافة مما يفسر لامبالاتهم تجاه أزمتها الراهنة في نوع من العقاب القدري. ووجه القدرية فيه هو أنه يمكن قد يمهد لنقاش ومخارج تنقذ عموم الصحافة العربية وتستفيد من رؤى حديثة نابعة من تجارب أكثر عراقة وتاريخية وحداثة. فما هي؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©