السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«غابات» الإسمنت تلتهم هوية بيروت المعمارية

«غابات» الإسمنت تلتهم هوية بيروت المعمارية
30 ابريل 2012
في العاصمة اللبنانية بيروت، يثير الدهشة هذا التناقض الصارخ بين ناطحات السحاب الحديثة، وبين البيوت التقليدية التي لا يزال بعضها صامداً أمام «هجمة» البناء الحديث الإسمنتي، ولكن معظم التوقعات وحسب آراء المهندسين المعماريين تألوا إلى أن البيت الشرقي في طريقه إلى الزوال في بيروت، حيث تشهد مناطق العاصمة إقبالاً متزايداً على مواد البناء والأشكال المعمارية الحديثة، وبات السكان يعتبرون المواد الترابية والحجر الطبيعي، مواد رديئة، رغم أنها تتمتع بخصائص ممتازة، لتناغمها مع البيئة وعامل الاستدامة. عماد ملاح (بيروت) - لعل حادثة انهيار مبنى فسوح في الأشرفية، على تخوم العاصمة بيروت، كانت الذريعة لبعض تجار البناء و»السماسرة» لـ»جس النبض» وتكرار «السمفونية» التي تقضي بضرورة التخلي عن الأبنية التراثية، على أساس أنها أصبحت من الماضي البعيد، وهناك إلزامية لإعادة هيكلتها لصالح الابنية الحديثة، بعدما تحولت العاصمة بكل مناطقها ومدنها وشوارعها إلى غابة من «الإسمنت»، حيث تصادف مئات الأبنية الشاهقة وقد تحولت إلى ناطحات سحاب، مزدانة بالطوابق والسقوف المتراصة، والتي بحاجة إلى آلة حاسبة في تعدادها حتى تصل إلى الرقم الصحيح. والغريب أن الأمر لم يعد يقتصر على ناطحات السحاب المطلة على البحر، بل أصبحت هذه الأبنية متواجدة في المساحات الخلفية بين آلاف البيوت التي تبدو كالأقزام المترهلة. بيروت 1830 المنازل التراثية القديمة صارت من الماضي، لأن الشواهد الحسية خير دليل، فالبيوت العتيقة اندثرت، والجمال رحل إلى غير رجعة، فلا وجود لسطوح القرميد، والأعمدة الرخامية، والغرف الواسعة، والممرات الطويلة، والحدائق الخضراء والذكريات. إلى ذلك، يقول أحمد دمشقية، ذو السنوات التسعين، عن بيروت عام 1830، والتي كانت بلدة صغيرة لا يزيد عدد سكانها عن الـ30 ألف نسمة، إنها اتخذت سمة المدينة الكبيرة بعد الحرب العالمية الثانية، فأصبحت مركزاً عمرانياً حقيقياً خلال السنوات التي سبقت أحداث لبنان المؤسفة. ويضيف أن البيوت التراثية العتيقة بقيت في وطن الأزمات، بعضها هجره سكانه وهجرته الذكريات، والبعض الآخر عجز عن الهجرة، فبقى مع أيام الماضي يتحسر، يدافع عن تراثه، يحاول الحفاظ على ارث في زمن الإرث الضائع. ويؤكد «يروي كل بيت تراثي عتيق في بيروت، قصة تندرج في التاريخ اللبناني، لتصبح ذاكرة تكمن في التسمية التي لم يعد يعرفها سوى المعمرين في المنطقة، فينقلوها إلى أولادهم كما عرفوها من أهلهم ومحيطهم. وقد تكفي صخرة عملاقة قبالة الشاطئ لتعطي المنطقة اسمها، كما هي الحال مع صخرة «الروشة». كذلك تحفل العاصمة بأسماء الدول والعواصم، ومنها شارع «أستراليا» في الروشة، أو شارع «الخرطوم» في منطقة الطريق الجديدة، ويعود السبب إلى تبادل الأسماء بين الدول العربية، وذلك لأهداف سياحية. كما أن بعض البيوت العتيقة والتراثية، عرفت من خلال الشوارع التي حملت أسماء «جنرالات» فرنسيين بعد حكم الانتداب، ومنها شارع «جورو» و»فوش». بيوت العمر منذ زمن بعيد، بقيت البيوت الأثرية شامخة على مر العصور، وشاهداً حيّاً على الفن المعماري القديم، حيث رأى الإنسان اللبناني فيها، قيمة حضارية نظراً لبساطتها ورمزيتها، حتى صارت تسمى بيوت العمر.. الآن اصبح عدد هذه البيوت قليلاً جداً في بيروت، واكثرها يقع في المناطق الجبلية حيث يبهرك جمالها، ولولا الظروف البيئية واختلاف الطقس والتطور الذي شهده لبنان في مجال البناء والعمران، للحقت بها يد الهدم والخراب، ولتحول معظمها إلى ناطحات سحاب شبيهة بتلك التي تشاد في المنارة والروشة وفردان والحمراء.. وتطول لائحة الأسماء. وقصور أثرية، بيوت تراثية، تحول بعضها إلى مقرات وأماكن للمعارض والندوات والنشاطات الثقافية والحرفية، كما هو حال قصر فرعون وسرسق واده، والبعض الآخر تخلى عنه أصحابه في هجرة قسرية، فأصاب أخشابه التلف، وحديده الصدأ، فصارت الجدران هياكل جامدة لا حياة فيها، اللهم سوى بقايا المنظر التراثي الذي يفتت القلوب على النهاية الأليمة لبيوت شهدت عزاً وترفاً وجاهاً في الماضي، والآن يحوم حولها تجار البناء لهدمها واستبدالها بناطحات سحاب، تحمي ذكريات مباني لا تقدر بثمن، كانت في يوم من الأيام، نموذجاً تاريخياً للتراث الشرقي القديم بل لعظمة الفن المعماري القديم. منزل عمره قرن سامي اللاذقي يملك بيتاً قديماً منذ سنة 1911، يقول «يعتبر هذا المنزل من أكبر بيوت بيروت القديمة وأسكن فيه منذ 70 سنة، ويتكون من أربعة صالونات وأربع غرف نوم، عدا المنتفعات الباقية والتي تعتبر تراثاً عتيقاً للفن المعماري، الذي يجمع عظمة الهندسة وجمال البناء وروعة التصميم». ويضيف «يحتل هذا المنزل مكانة كبيرة لدي، وقد ورثته عن والدي، وهو أمانة في عنقي، وقد أصيب المنزل بأضرار جسيمة في إحدى المرات جراء الحوادث المؤسفة التي عصفت بلبنان، حيث تفجّرت قساطل المياه، فغمرت غرف البيت بالمياه، وألحقت ضرراً ببعض النقوش المرسومة باليد، والتي استغرق رسمها سنوات عديدة». ويؤكد «في الماضي عرض عليّ مبلغ كبير من المال مقابل بيعه، ورفضت، لأن هذا المنزل يمثل بيروت القديمة بعاداتها وتقاليدها، بحضارتها وهندستها، لكن أين هي بيروت اليوم التي تحولت إلى غابة من الإسمنت حيث ترى الابنية الحديثة العشوائية متلاصقة في بعضها البعض، فحجبت ليس فقط البيوت التراثية القديمة بل الشمس أيضاً». ويرى بلال حطيط أحد العاملين في تجارة البناء، أن العمارة التقليدية في لبنان، باتت اليوم مهمشة، بعدما ألحقت الأخطار العمرانية التي ارتكبت خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، أضراراً بالغة بالتراث الشرقي، الذي يواجه اليوم فن عمارة عصرياً لا وجه له. هندسة شرقية إبراهيم الداعوق وشقيقته عنبرة، يملكان منزلاً قديماً لا يقل عمره عن المائة سنة، يمتاز بهندسته الشرقية، وببصمات الفن العربي، وهو يجمع حسب قول أصحابه تراث الماضي وتطور الحاضر. أما نسيب جنبلاط، فهو يملك بيتاً قديماً منذ 1903، ويتكون من 16 غرفة وحديقة جميلة مزينة بـ»ترّاس» شرقي قديم، يذكر ببيروت العتيقة، والعمران الذي كان سائداً في الماضي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©