السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أضرارٌ محدودةٌ بعد العاصفة

أضرارٌ محدودةٌ بعد العاصفة
20 يوليو 2017 16:16
أحياناً عندما تعلقُ سيّارتي وسط الزّحام الخانق، تتحوّل المدينةُ إلى فتىً مراهقٍ يجلسُ إلى جواري، لا ينفكُّ يُصرُّ على ضرورة أن يحصل على حذاءٍ رياضيٍّ غالي الثمن لغرض التّباهي به أمام أصدقائه في المدرسة. الحذاء بشع، مُصمّم للفشخرةِ لا للدّعك، وسيتلف بسرعة لا شكّ، أو أنّه سيملّ منه ويُلقيه في زاوية الخزانة إذ تتغيّر الموضة ويصبح ما كان رائجاً ودليل ثراء، بائخاً ودليل ادّعاء، لكن ذلك لن يغيّر من رأيه شيئاً، ويظلّ ينقّ وينقّ.يلتفّ الزّحام حول رقبتي. تنغزني الزّوامير من الخلف. يحملق فيّ السائق إلى يساري بغضب وأخمّن أنه يشتمني شتائم لا تخترق الزجاج المُغلق لسيّارتينا. كلّ السيّارات مُكيّفة الآن، مغلقةٌ على من فيها، امتدادٌ متحرّكٌ لعمارات المكاتب المُعلّبة بجوّها الصناعيّ المضبوط. شتائم مُبرّدة لا تُؤثّر في شيء. مثقابٌ هوائيّ بمضخّةٍ عجوز تُكَحْكِحُ ما يكفي ليدور النصل ببطء. يخدش ولا يحفر. كهذا المراهق. كهذه المدينة. كهذا الكذب. بانتظار حبّات الأسبرين الفوّارة التي سَتُبَقْبِقُ في كأس الماء. *** أحياناً أنامُ مُمْسكاً بالقلمِ، جلوساً في وضع الاستعداد للكتابة، وعندما أستيقظ تكون الورقة &ndash كما تركتها - بيضاء. *** أحياناً أجد فتاةً إلى جواري في السّرير، أسألها عن اسمها فتُتَمْتِمُ ببضع كلماتٍ قليلةٍ أفهم منها أنّها أخطأت الحلم. *** مرّةً - إذ مللتُ من الجلوس وحيداً - فتحتُ باب البيت فتسلّل هرٌّ مبرقشٌ ذنبه مقطوعٌ ووجد طريقه دون عناءٍ إلى حيث وقفت صورتها على الطاولة الجانبيّة. بعد أن رفعتُ الإطار - الذي انكسر زجاجه - عن الأرض وجدتُها تبتسم في الصورة باستهزاء، ثم أشاحت بوجهها وناورت بجسدها وخرجت من الباب الذي كان مفتوحاً لا يزال. *** في الليل تشتغل الشاشة الكبيرة في الصالون فيظهر محاربو السّاموراي، عالمهم ثنائيّ الألوان حتى الآن. أُحضرُ ألوان الباستيل وأبدأ فيصرخون بي أن توقّف، لا تُفسد سماءنا الرّماديّة وغابتنا الرّماديّة ونهرنا الرماديّ. أضحك عليهم كثيراً وأضغط زرّاً فيغيب عالمهم في السّواد، وتُطرقع بعض شراراتٍ ستاتيكيّة. أعيد الضّغط فتظهر وجوههم الحانقة خلف الزّجاج. *** المُراهق لا يتوقّف عن النقّ. أمدّ ذراعي وأفتح باب السيارة بجواره وأدفعه بكلّ ما في ساقي اليمنى من قوّة فتسقط مؤخّرته على الرصيف وبعدها أغلق الأبواب من الداخل. هذا الـcentral lock اختراعٌ عظيم. الزّحام، السيّارات لا تتحرّك، لكنّه هو يتحرّك ويبدأ بالنّقر على الشّباك الجانبيّ. أكبسُ mute مراراً لكن الصوت لا يتوقّف، قد يحتاج الريموت إلى بطّاريات جديدة. يقفز فوق مقدّمة السيّارة ليعوق تقدّمي البطيء، ويُحوّلنا إلى منظرٍ لمن يَسوى ومن لا يَسوى. هو لا يَسوى. المدينة لا تَسوى. أُودِع الورقة البيضاء الدُّرج إلى جانب السّرير. لا أثر لفتاة الحلم، هذا مفهوم، فهي حلم رغم كلّ شيء. أعيد الإطار ذا الزجاج المكسور والصورة الفارغة إلى مكانه. أُوَدِّع محاربي السّاموراي (ما يزالون حانقين، لم يردّوا التحيّة). أفتح صندوق السيّارة الخلفيّ وأتناول مفتاح الجنط، وأنهال به على المُراهق. لا أحد يوقفني. لا أحد. ................................................القصّة من كتاب جديد للمؤلّف بعنوان: «شهيقٌ طويلٌ قبل أن ينتهي كلُّ شيء»، يصدر قريباً عن «الكتب خان» في القاهرة. ..................................... * الأردن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©