الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحيل الروس وتداعيات المعارك الجورجية

رحيل الروس وتداعيات المعارك الجورجية
13 أكتوبر 2008 02:33
في اليوم الذي بدأ فيه الجورجيون يغادرون معسكرات اللاجئين والتوجه إلى بيوتهم التي تركوها وراءهم -بعد اندلاع المعارك مع الجيش الروسي- كان ضباب كثيف يغشى قرية ''بيريفي'' الجورجية القريبة من حدود أوسيتيا الجنوبية، وكان سكانها الذين تقاطروا عليها تباعاً يتساءلون ما إذا كان العالم قد نسيهم وتركهم يواجهون مصيرهم المجهول؛ ومن هؤلاء الذين يترقبون الأوضاع بتوجس السيدة الجورجية ''إيتري كوسياني'' التي كانت حتى يوم الخميس الماضي تسمع طلقات الرصاص وهي في بيتها غير البعيد عن مسرح المعارك التي دارت في الأيام القليل السابقة، ولا شك أن الرسالة القصيرة والمكتوبة بخط اليد التي تلقتها من القرية الأوسيتية المجاورة زادت من مخاوفها بعد التهديد الواضح الذي تضمنته إلى زوجها· ويذكر أن قرية ''بيريفي''، التي لا تبعد سوى بمسافة قصيرة عن الإقليم المطالب بالانفصال، يقطنها حوالي ألف جورجي، وقد وجدوا أنفسهم يوم الخميس الماضي محاصرين تماما قبل انسحاب القوات الروسية من المناطـــق الجورجية التي أقامت نقاط تفتيش بالقرب من القرية، ونشرت ناقلات جنود وذخائر على مرى حجر من بيـــوت الجورجيين المتوجسين مما يحمله لهم المستقبل في ظل هذا الوضع بالغ الحساسية· وفيما تُركت طرقات القرية المعبدة مفتوحة أمام الحيوانات الأليفة ترتع فيها بحرية، بدت الصراعات السياسية الإقليمية والدولية بين جورجيا وروسيا، وبين هذه الأخيرة والغرب بعيدة كل البعد عن انشغالات المواطنين الذين كل همهم العيش بسلام واستئناف حياتهم السابقة دون مشاكل؛ وبالنسبة للسيدة ''إيتري'' بدأت تداعيات الحرب تلامسها وإن بشكل غير مباشر، عندما قدم مجموعة من الأوسيتيين الجنوبيين إلى بيتها يطلبون بعض العسل الذي تنتجه في مزرعتها، ثم بعدها جاءت الرسالة التي تتهم زوجها بنقل جرحى الجيش الجورجي بسيارته الخاصة لتتفاقم المخاوف من اندلاع العنف وتدهور الأوضاع؛ وتقر السيدة الجورجية بخسارة بلادها للحرب مع روسيا التي استطاعت أن تدفع بقواتها ليس فقط إلى المناطق الانفصالية، بل و التوغل عميقاً في الأراضي الجورجية، حيث وصلت إلى مشارف العاصمة الجورجية قائلة: ''لقد خسرنا أراضينا، فكيف يمكن أن نسمي ذلك نجاحا؟ بالإضافة إلى الأشخاص الذين قتلوا والبيوت التي هدمت''؛ وتضيف ''إيتري'' بنوع من الاستسلام واليأس ''الأمل الوحيد المتبقي لنا هو الانتقال إلى مكان آخر وبدء حياة جديدة''· وما أن توقف إطلاق النار وهدأت الأوضاع قليلا، حتى قرر الجورجيون العودة إلى منازلهم وإخلاء المدن المؤقتة التي شكلت من الخيام لإيوائهم خلال المعارك وظلوا فيها لأسابيع، وأحيانا لأشهر؛ ورغم تحذير المسؤولين الجورجيين للاجئين بالتريث قليلا حتى يستتب الأمن تماماً وتنزع الألغام والقذائف التي لم تنفجر، إلا أنه كان من الصعب إيقافهم، حيث كدسوا أغراضهم على عجل ووضعوها على سقف السيارات متوجهين إلى بيوتهم التي غادروها مرغمين تحت طلقات الرصاص؛ ولم يستطع بعض العائدين إخفاء دهشتهم وهم يترجلون من أحد الباصات المتوجهة إلى بلدة ''نيكوزي'' الجورجية عندما مر بجانبهم موكب من الآليات الروسية وفيه بعض الجنود يلتقطون صورا بهواتفهم المحمولة، وفي هذه اللحظة المفعمة بالمشاعر الملتبسة تنفست ''ليلى مازنشفيلي'' -إحدى العائدات الجورجية- الصعداء مشيرة إلى الرتل العسكري وهو تقول: ''لم تكن هذه حياتنا في السابق، ولم يكن أحد يهتم من الروسي ومن الجورجي''؛ وحسب مسؤولين جورجيين، غادر إلى حد الآن ما لا يقل عن أربعة آلاف لاجئ مخيم ''جوري'' يوم الخميس الماضي، تاركين وراءهم 20 ألف آخرين؛ إلى ذلك نشرت منظمة العفو الدولية تحليلا لصور التقطت بالأقمـــار الاصطناعية تظهر أن مائة بناية مدنية تعرضت للتدمير خلال القصف الجورجي ''تشخنفالي'' عاصمة أوسيتيا الجنوبية، في السابع من شهر أغسطس الماضي· لكن اللافت هو ما كشفت عنه تلك الصور من أن القرى الجورجية القريبة من ''أوسيتيا الجنوبية'' تعرضت للهدم حتى بعد توقف إطلاق النيران رسميا في الفترة بين 10 و19 أغسطس؛ فعلى سبيل المثال لم تتعرض القرية الجورجية ''تمارشيني'' إلى أي أذى في العاشر من أغسطس، إلا أنه بعد تسعة أيام كانت 152 بناية قد هدمت؛ وفي هذا السياق عبرت منظمة العفو الدولية عن ''انزعاجها من فشل القوات الروسية في اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية المدنيين وممتلكاتهم من اعتداءات طالت المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم''· ومع ذلك بدا أن الكثير من اللاجئين الجورجيين الذين فضلوا العودة إلى ديارهم غير متخوفين من الدمار الذي قد يكون لحق بمنازلهم، فالأخوان ''أودياشفيلي'' الذين ارتبطوا بزراعة الأرض لفترة طويلة كانا في مزاج جيد وهما يجمعان أغراض العائلة استعداداً للعودة إلى قريتهم، وهو ما أكده أحدهما بقوله: ''علينا العودة واستئناف أعمالنا كما كنا في السابق''؛ لكن بالنسبة للسيدة ''إيتري'' التي ظلت في منزلها خلف الخطوط الروسية فهي لا تشعر بنفس القدر من الثقة، مؤكدة أن الأوسيتيين لن يسمحوا للجورجيين بالرعي في مناطقهم، أو جمع الفطر والاحتطاب من أراضيهم، رغم أن المنطقة لم تشهد صراعات بين السكان قبل شهر أغسطس الماضي· إلين باري- جورجيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©