الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرب العالمية الثانية.. احتكار الحقيقة والرواية التاريخية

الحرب العالمية الثانية.. احتكار الحقيقة والرواية التاريخية
1 مايو 2015 23:56
ترجمة: زهير الكساب سيخلد العالم، أو بالأحرى القوى الكبرى فيه، الذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية على الساحة الأوروبية التي شهدت أكثر أهوالها قسوة وإيلاماً، وسينكب الجميع بهذه المناسبة على الاحتفاء بيوم النصر الأوروبي الذي يصادف الخامس من شهر مايو الجاري، ولن يكون مفاجئاً أن تسعى كل أمة على حدة إلى تمجيد إنجازاتها خلال الحرب العالمية الثانية والتركيز على مشاركتها وحدها باعتبارها كانت الحاسمة في تحرير القارة الأوروبية، مع تناسي تضحيات الدول الأخرى المشتركة في التحالف الكبير الذي دحر النازية وقاد إلى النصر، ولعله من الأمور اللافتة التي تستدعي المتابعة والتحليل الطريقة التي سيتعامل بها الفرنسيون مثلاً مع ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية، لا سيما وأنها تحمل بالنسبة لهم ذكريات محرجة عن اندحار سريع لقوة أوروبية أساسية لم تصمد بحضارتها العريقة وتفردها الثقافي أمام جحافل جيوش الرايخ الثالث، فيما سيكون الأمر على الأرجح أسهل عند الإيطاليين الذين سيحملون كل المسؤولية لنظامهم الفاشي الذي تقلد السلطة في غفلة من الزمن وصار الحليف الأول للنازية الألمانية، وبالطبع ليس فقط فرنسا وإيطاليا اللتان سينصب عليهما التركيز بالنظر إلى دورهم المثير في الحرب سواء لجهة الضعف في الحالة الفرنسية، أو التواطؤ بالنسبة لإيطاليا، بل سينصرف الاهتمام أيضاً إلى الطريقة التي ستتعامل بها روسيا مع الذكرى. فالأغلب أن روسيا بوتين التي تعاني اقتصادياً في هذه المرحلة ستسعى إلى إخفاء مشكلاتها الداخلية بالرجوع إلى إنجازات الحرب العالمية الثانية وتضحياتها، وستنظم عروضاً عسكرية سواء في القرم، أو مناطق أخرى رغبة منها في ترسيخ انطباع لدى المراقب الغربي أنها ما زالت على قوتها، في حين أن المراقب الحصيف لن تغيب عنه المحاولات الروسية لإخفاء الضعف الحالي والهشاشة الاقتصادية من خلال الترويج لخطاب قومي يستحضر إنجازات الماضي وتمجيد الانتصارات التاريخية. أدوار الآخرين والمشكلة في التعاطي الروسي مع الحرب العالمية الثانية ليس في التقليل من دورها الكبير في إنهاء الحرب، وهو دور مقدر وثابت تاريخياً لا ينكره إلا جاحد، بل في تقليلها من شأن الآخرين وتبخيس أدوارهم، فلا شك أن الروس يحق لهم الفخر بانتصاراتهم وتذكر عذاباتهم الكبيرة بدءاً من إنجازات «الجيش الأحمر»، وصدهم الشجاع والبطولي لحملة «باربروسا»، التي قادها هتلر ضد الجبهة الشرقية، حيث جند 190 فرقة عسكرية في العام 1941، إلى انقلاب الآية وزحف روسيا على ألمانيا بعد تقهقر الجيش النازي، لكن كما أسلفت تبقى المشكلة في إنكار دور الآخرين، لا سيما عندما تكون الرواية قادمة من اللسان الروسي، وعلى سبيل المثال يمكن الرجوع إلى متحف «بوستدام» بشرق ألمانيا الذي كان حتى سنوات قليلة يقتصر على تخليد مخلفات الحرب الروسية، عاكساً وجهة نظرها الخاصة دون أدنى إشارة إلى تضحيات الآخرين سواء كانت معركة الأطلسي التي خاضها الحلفاء على الجبهة الغربية، أو معارك البحر الأبيض المتوسط، أو حملة شمال أفريقيا، أو حرب الاستخبارات الشرسة وفك الشفرات، وليس انتهاء بحرب المحيط الهادي على الجبهة اليابانية الأميركية. احتكار أميركي والحقيقة أن احتكار الحقيقة والرواية التاريخية بشأن الحرب العالمية الثانية لا يقتصر فقط على الجانب الروسي، بل يمتد أيضاً إلى التعاطي الأميركي، حيث يحفل المتحف الوطني الأميركي في نيوأورليناز بالبطولات الأميركية والجنود الأميركيين الذين سقطوا في أرض المعارك بأوروبا، ولئن كان من العبث التقليل من دور أميركا الكبير في إنهاء الحرب وإحراز النصر، إذ يكفي الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى إنزال الجيش الأميركي على شواطئ نورماندي وزحفه لتحرير أوروبا، والمقنبلات الأميركية التي دخلت الخدمة أول مرة لسحق خطوط العدو وضرب قواعده في العمق الألماني، والأسطول البحري الكبير الذي صد التمدد الياباني، فضلا عن النموذج الديمقراطي والتفوق الصناعي، حيث بحلول 1944 كانت الآلة الصناعية الأميركية قد أنتجت ما لا يقل عن 96 ألف طائرة مقاتلة، إلا أنه ورغم كل هذه الإنجازات المهمة من الضروري الإشارة إلى بريطانيا التي تحملت الجزء الأكبر من الحرب على مدى سنتين كانت تتعرض خلالهما لندن إلى قصف جوي قاس علها تستسلم لألمانيا، هذا ناهيك عن معاناة الصين مع اليابان وخوضها للمعارك الشرسة منذ 1937. فما هو الدور الذي لعبته بريطانيا وإمبراطوريتها التي لا تغرب عنها الشمس خلال الحرب العالمية الثانية؟ يبدو أن جزءاً من الإجابة عن السؤال يمكن في الإنتاجات السينمائية التي سعت هي الأخرى وعلى غرار باقي الدول إلى تمجيد الماضي وتخليد البطولات، في إهمال واضح لأدوار الآخرين، ولنا أن ننظر إلى بعض الأفلام الشهيرة مثل «البحر الهائج» في عام 1953 و«المعركة من أجل النهر» في عام 1956، أو «معركة بريطانيا» في عام 1969 وغيرها من الأفلام الكثيرة التي تعلي من شأن المعارك البريطانية، وإن كانت هذه المرحلة قد أعقبتها فترة أخرى من النقد الذاتي ومراجعة التاريخ قام بها مجموعة من المؤرخين مثل «كورولي بارنيت» في كتابه «انهيار القوة البريطانية» والذي صور بريطانيا خلال الحرب على أنها قوة متداعية اعتمدت بالأساس على التدخل الأميركي لإنقاذها من ورطتها، وأن الحرب العالمية الثانية جاءت فقط لتكشف الضعف البريطاني وانحسار نفوذها، غير أن هذا الجلد القاسي للذات الذي مارسه بعض النقاد والمؤخرين تراجع مؤخراً لمصلحة تقييم أكثر موضوعية للدور الفعلي للمملكة المتحدة خلال المعارك، لا سيما في ظل محدودية الجغرافيا البريطانية، إذ لا يستغرق التحليق بالطائرة من أقصى طرف في بحر إيرلندا إلى الطرف الآخر في بحر الشمال أكثر من 40 دقيقة. دور الكتائب الأجنبية وبالطبع لم يكن الجنود والبحارة والطيارون البريطانيون لوحدهم في ساحات المعارك، بل حارب إلى جانبهم عدد من الفرق والكتائب الأجنبية، حيث شاركت ما لا يقل عن 17 كتيبة بولندية في سلاح الجو، وفي معركة العلمين كان رهن إشارة الجنرال الإنجليزي برنارد مونتجومري كتائب اسكنلندية وأسترالية وأخرى من نيوزيلندا وجنوب أفريقيا وروديسيا وفرنسا، دون أن ننسى إحدى أشرس الفرق العسكرية وأقدرها على القتال متمثلة في الفرقة الهندية الخامسة للمشاة، إذ قاتل في الحرب ما لا يقل عن مليون جندي هندي، ثم كانت مشاركة جنود من غرب أفريقيا وشرقها ممن ساهموا إلى جانب الحلفاء في دحر النازية على مختلف الجبهات، وأخيراً كان هناك الدور الحيوي الذي لعبته حركات المقاومة في الدول الأوروبية وتصديها البطولي للجيش النازي سواء الصغيرة منها التي ظهرت في الدنمارك والنرويج وهولندا، إلى الأكثر تنظيماً وقوة مثل تلك التي سحقها الجيش الألماني في فرنسا. نيوزيلندا..تضحيات بشرية وفيما يتم التركيز عادة على الأدوار الريادية التي لعبتها القوى الكبرى المشاركة في الحرب سواء على الجبهتين الغربية التي برع فيها الحلفاء، أو الشرقية التي أبلى فيها الروس البلاء الحسن، أو حتى على جبهة المحيط الهادي التي تحملت فيها الصين وجنوب شرق آسيا الأعباء الكبرى، يبقى من الضروري الإشارة إلى الدول الأخرى مثل نيوزيلندا التي خاضت المعارك منذ بداية الحرب وكانت هدفاً سهلا للأسطول الياباني الزاحف، إلا أنها مع ذلك صمدت وحاربت، ومع أن نيوزيلندا لم تتعرض أراضيها للغزو، ولا تحملت قسوة القصف الجوي العنيف التي كابدته بريطانيا وبلدان أخرى، إلا أن نسبة رجالها الذين سقطوا من إجمالي السكان يظل الأكبر، وفي جميع الأحوال تبقى الخلاصة الأساسية ونحن نقترب من تخليد الذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية أن الجهود الفعلية في دحر النازية كانت مشتركة، كما أن التضحيات والإنجازات كانت متبادلة. فالمقاتلات البريطانية واليونانية والبولندية والنرويجية حمت ظهر أطقم السفن الأميركية المتجهة إلى روسيا ومالطا، وعندما بدأ القصف الجوي لطيران الحلفاء على الخطوط الألمانية تمترس أكثر من مليون جندي ألماني وراء خطوط الدفاع المتقدمة دفاعاً عن بلادهم، فيما كان يمكن نشرهم في الجبهة الشرقية لتعزيز الحملة على روسيا، هذا ناهيك عن الأسلحة الجديدة التي تبادلتها مختلف الدول، رغم تنوع منشئها وصنعها، حيث كانت الطائرات الأميركية تقاتل ضمن صفوف الجيش البريطاني، فيما الدبابات البريطانية تزحف إلى جانب القوات الأميركية بشمال أفريقيا. والأكثر من ذلك لا يمكن أبداً لأي من القوى التحالف ادعاء انتصارها في الحرب لوحدها دون الآخرين، فالنصر كان عملا جماعياً بامتياز قدم فيه الجميع تضحيات جسيمة وتحملوا أعباء ثقيلة، ولا يحق لأحد احتكار الفضل في حرب طويلة كلفت العالم ضحايا بالملايين، لكنها أيضاً غيرت ملامحه وخريطة القوى التي ستظهر بعد الحرب العالمية الثانية. مساهمة بريطانية كبيرة مساحة الجزر البريطانية هي أصغر من مساحة ولاية تكساس الأميركية، وأقل من أوكرانيا، ومع ذلك ظل الإنتاج الحربي البريطاني الأكبر مقارنة بباقي الدول حتى عام 1943 عندما تجاوزتها الولايات المتحدة بصناعتها الحربية المتفوقة، أما معارك المحيط الأطلسي الكبيرة فقد كانت حرباً بريطانية بالدرجة الأولى خاضتها إلى جانب البحرية الكندية وسلاحها الجوي، فمن الحملة على شمال أفريقيا إلى إنزال نورماندي كانت المساهمة البحرية البريطانية أكبر من نظيرتها الأميركية، وهو أمر ليس سهلا على بلد كان يسيطر على الشرق الأوسط وفتح جبهة أخرى على آسيا ستنتهي بتدمير كلي للجيش الياباني في بورما وجنوب شرق آسيا. بول كيندي * * أستاذ التاريخ بجامعة «يل» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©