الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفريقيا… رؤيتان حول الازدهار الاقتصادي

أفريقيا… رؤيتان حول الازدهار الاقتصادي
30 ابريل 2013 22:43
شانتايانان ديفاراجان كبير اقتصاديي البنك الدولي لشؤون أفريقيا وولفجانج فنجلر اقتصادي رئيسي بمكتب البنك الدولي لشؤون أريتريا، وكينيا، وراوندا إذا تحدثت إلى خبراء، أو رجال أعمال حول اقتصادات دول أفريقيا جنوب الصحراء، فمن المرجح أنك ستستمع إلى رواية من روايتين. الرواية الأولى متفائلة، ومفادها أن لحظة أفريقيا قد باتت قريبة للغاية، أو أنها قد وصلت بالفعل. وأسباب التفاؤل لدى من يتبنون هذه الرواية عديدة، منها أن الناتج الإجمالي للقارة قد نما بسرعة، حيث يصل إلى خمسة في المئة في المتوسط راهناً. ومن المتوقع أن ينمو بسرعة أكبر خلال السنوات القادمة، وأن العديد من الدول الأفريقية، وليس فقط تلك الغنية بالموارد الطبيعية، قد ساهمت في الازدهار. وفي الوقت نفسه بدأت القارة في اجتذاب رؤوس أموال خاصة ضخمة تصل حالياً إلى 50 مليار دولار في السنة الواحدة، وهو مبلغ يفوق قيمة المساعدات الاقتصادية الخارجية السنوية للقارة. وفي الوقت نفسه تنخفض معدلات الفقر: فخلال الفترة من 2005 -2008 هبطت نسبة سكان أفريقيا ممن يعيشون على متوسط دخل يبلغ 1.25 دولار يومياً من 52 في المئة إلى 48 في المئة. وإذا استمر معدل نمو الناتج الإجمالي على مستواه الحالي خلال السنوات القادمة، فسوف يصبح نصيب الفرد الأفريقي من الدخل القومي الإجمالي 1000 دولار سنوياً بحلول 2025 وهو معدل»متوسط» حسب المعايير التي يتم تطبيقها في تصنيف الأمم المتحدة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، حيث حققت القارة أيضاً قفزات كبيرة في مجالي التعليم والرعاية الصحية، كما ارتفع متوسط الأعمار بنسبة عشرة في المئة خلال العقد الماضي. الرواية الثانية أكثر تشاؤماً، وتُلقي بظلال من الشك على متانة النمو الأفريقي، كما تشير إلى الاستمرار المحبط لمشكلات القارة الاقتصادية، وإلى حقيقة أن نموها الاقتصادي قد تحقق بفضل الارتفاع في أسعار السلع التي تشكل الجزء الأعظم من صادراتها، وهو ما يعني كذلك أن التقدم الاقتصادي لأفريقيا يعوزه الاستقرار، وأن القارة لم تتمكن بعد من تحقيق تغييرات جوهرية تمتلك القدرة على توفير الحماية لها، عندما تعود أسعار تلك السلع للانخفاض. ويدلل أصحاب هذه الرواية على صحة رأيهم، بالإشارة إلى أن نصيب القطاع الصناعي من الناتج المحلي الإجمالي في القارة الأفريقية لم يزد عما كان عليه في عقد السبعينيات وأنه على الرغم من انتهاء معظم الحروب الأهلية التي كانت مندلعة فيها، ما زال عدم الاستقرار السياسي بها واسع الانتشار. وهناك بالإضافة لما سبق مشكلات أخرى، تثقل كاهل القارة مثل الفساد المتفشي، وسوء حالة البنية التحتية، وقصور الخدمات الأساسية، وهي مشكلات مرشحة للتفاقم، مع الزيادة المستمرة في سكان القارة. وهناك بالإضافة لذلك حقيقة أن الدول الأفريقية الغنية بالموارد، تسقط في معظم الأحيان فريسة لما يطلق عليه «المؤسسات الاستخراجية»، ويقصد بها السياسات والممارسات التي تقوم بها مؤسسات تهدف للاستيلاء على ثروات وموارد المجتمعات، وتسخيرها لخدمة نخبة صغيرة، ولكنها قوية سياسياً، ما يؤدي إلى تفشي ظاهرة عدم المساواة في البلدان الأفريقية بشكل مذهل، مع ما يترتب على ذلك من نتائج وآثار تغطي عليها عادة إحصائيات النمو الإيجابية. ما الذي يمكن للمرء الخروج به من هذه الأدلة المتناقضة؟ للوهلة الأولى قد يبدو من العسير التوفيق بين الروايتين، غير أنه يتبين- مع ذلك- وعند إعمال النظر أن كليهما صحيح، أو على أقل تقدير يعكس جوانب من واقع أكثر تعقيداً لا تحيط به أيهما بشكل كامل. فالمتشائمون يركزون أكثر من اللازم على صادرات القارة من السلع والمواد الخام، لدرجة أنهم يخفقون في إدراك الحد الذي يمكن به اعتبار نموها الحالي نتاجاً للإصلاحات الاقتصادية التي أجرتها العديد من دولها، والتي كانت -الإصلاحات- نتيجة محتمة للسياسات المضللَة التي اتبعتها في الماضي. أما المتفائلون، فهم من ناحية أخرى، يقللون من درجة تأثير مشكلات القارة المتبقية- مثل المؤسسات متصلبة الشرايين، وتدني مستوى الخدمات التعليمية والصحية- على احتمالات النمو المستقبلي، والتي تعكس إخفاق الحكومات، وسيكون من الصعب التغلب عليها مستقبلاً لأنها متجذرة بعمق ومتداخلة في الصراعات بين القوى السياسية في القارة. والخلاصة التي نخرج بها مما سبق، هي أنه حتى إذا افترضنا أن كلاً من الروايتين يعجز عن تفسير الظاهرة بشكل مقنع، إلا أن الرواية المتفائلة أقرب إلى الصواب، وأكثر قابلية للبرهنة عبر التقدم الذي سيتحقق في الدول الأفريقية خلال العقود القادمة. كذلك فإن رؤية التقدم الأفريقي كنصف كأس ممتلئ (الرؤية المتفائلة) أو كنصف كأس فارغ (الرؤية المتشائمة) يتوقف على إيمان كل طرف بإمكانية التغير السياسي. فالعقبات التي تعترض طريق النمو الدائم في القارة هي عقبات سياسية في المقام الأول. وهذا لا يعني أن تلك العقبات سهلة الحل- ومجرد نظرة عابرة للسجل المضطرب للحكم في دول أفريقيا المختلفة في فترة ما بعد الاستقلال يوضح هذا الحقيقة- ولكنه يعني بالتأكيد أن تلك المشكلات ليست من النوع العصي على الحل كذلك. ولكن مالا شك فيه أن نجاح الإصلاحات الأخيرة، والانفتاح المتزايد للمجتمعات الأفريقية، المدفوع -جزئياً- بثورة تقنية المعلومات والاتصالات، سوف يمنح دول القارة فرصة جيدة للتمتع بنمو مستدام، وبتخفيض لمستويات الفقر بين سكانها خلال العقود القادمة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©