الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهجمات الإرهابية... المعالجة الأمنية لا تكفي

30 ابريل 2013 22:44
تاي جونز أستاذ التاريخ بجامعة «بارد» الأميركية في سنة 1914، وخلال الاحتفال بيـوم الاستقلال هزت مدينة نيويورك سلسلة من التفجيرات القوية التي خلفت أربعة قتلى والعشرات من الجرحى، وفيما كانت الشرطة تحقق في القضية، وتجمع الأدلة من مسرح الجريمة بأحد أحياء نيويورك تم العثور على جثث ثلاثة من دعاة الفكر الفوضوي المعروفين لدى السلطات، كما كشفت أبحاث متقدمة عن وجود بقايا القنابل، وبعض المطبوعات المتطرفة، وخططاً لاغتيال شخصيات عامة أميركية. ويبدو أن القنابل المتفجرة انطلقت خطأ قبل أوانها لتقتل أصحابها؛ وخلال الشهر الجاري صُدمت أميركا مرة أخرى بالتفجير الذي استهدف مدينة بوسطن، لذا من المهم في مناسبات مثل هذه، حيث تحتدم المشاعر وردود الفعل السريعة، تعقب تاريخ الإرهاب في الولايات المتحدة وبعض تداعياته السلبية على الحريات والحقوق المدنية. فقد أدت الهجمات الإرهابية التي استهدفت المدنيين إلى تصاعد الإجراءات القمعية وتشديد التدابير الأمنية والاستخباراتية. وإذا كانت ردة الفعل مفهومة بالنظر إلى ما يحدثه الإرهاب من استياء شعبي عام ورغبة في تحديد المسؤولين وجلبهم للعدالة، فإن القوانين والمؤسسات التي ظهرت نتيجة لتلك العمليات كانت أكثر كفاءة وفعالية في خنق حرية التعبير، وإخماد النقد وبث مشاعر انعدام الثقة من محاربة الإرهاب نفسه ومنع حدوث عمليات في المستقبل، بحيث لم تفلح أياً من الإجراءات الصارمة والمتشددة التي أقدمت عليها السلطات في وأد الإرهاب ووقف تقدمه. فقد انطلقت الموجة الأولى من العمليات الإرهابية في أميركا بين 1886 و1920 وطغت عليها الحملة المستميتة ضد الفكر الفوضوي الذي كان يعتقد أن العنف كفيل بتأجيج الثورة الاقتصادية والاجتماعية التي يريدها. وكان المسؤولون الأوائل عن هذه الموجة من الإرهاب التي اجتاحت أميركا أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين المهاجرين القادمين من أوروبا، سواء كانوا إيطاليين، أو ألمانيين، أو روسيين، وهكذا قتل أحد عناصر التنظيم الفوضوي الذي ظلت هويته مجهولة سبعة من رجال الشرطة بقنبلة يدوية بأحد الساحات العامة في مدينة شيكاجو. وخلال الصخب الذي تلا العملية، أُعدم أربعة من العناصر الراديكالية دون أن تثبت التهمة ضدهم نهائياً، ومع ذلك لم تؤدِ ردود الفعل العنيفة والانتقامية أحياناً إلى وقف العنف ووضع حد للإرهاب. وفي السنوات اللاحقة أدى الكشف عن مجموعة من الهجمات غير المكتملة والعمليات الناجحة، فضلاً عن المؤمرات التي أميط اللثام عنها إلى تبرير سلسلة من الإجراءات والتدابير الأمنية غير المسبوقة في وقت اختلطت فيه الأمور بين العناصر العنيفة والراديكالية وبين التمييز ضد المهاجرين والأميركيين من أصول أفريقية. وتحول المجتمع الأميركي بخصائصه المميزة التي جعلته منارة يسترشد بها شعوب العالم، ويهاجرون إليه إلى مكان يحد من الحريات ويضيق عليها بسبب الإجراءات الأمنية الصارمة المفروضة. وعندما عاد مهاجر إيطالي إلى بلده لاغتيال الملك الإيطالي تساءل المسؤولون في أميركا عن سبب غياب مؤسسات أمنية على غرار ما هو موجود في الدول الأوروبية، علماً أن الإرهاب ظل متفشياً في أوروبا بصرف النظر عن تلك المؤسسات. وقد بلغ الخوف من الإرهاب أوجه في أميركا بعد اغتيال الرئيس، ويليام ماكينلي، في نيويورك، حيث رد الكونجرس بسن قانون صارم ضد الهجرة، فرض شروطاً مشددة على استقدام المهاجرين إلى أميركا تأخذ بعين الاعتبار الانتماءات الأيديولوجية والسياسية. ورغم ذلك فشل القانون في ردع الإرهاب لأن الذين ينفذون العمليات، يعتنقون الفكر المتطرف داخل أميركا وليس خارجها بسبب الظروف السائدة في المصانع الأميركية وقتها. وبعد أقل من شهر على تفجير نيويورك في 1914، أعلنت شرطة المدينة استحداثها جهازاً أمنياً جديداً أطلق عليه اسم «فرقة محاربة الفوضويين»، هذه الفرقة ورغم استعانتها بأحدث الإمكانات المتاحة، واستخدامها لحيل وألاعيب عديدة للإيقاع بالمتطرفين، فإن المدينة شهدت أسوأ هجماتها خلال السنوات الأولى لتشكيل الفرقة، حيث هزت التفجيرات الكنائس والمحاكم والشوارع، بل ولم يعتقل أي من المتورطين. وعندما دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى في أبريل 1917 امتدت جهود مكافحة الإرهاب ومحاربة التطرف إلى مدن أميركية أخرى عدا نيويورك، حيث ضيق عدد من المؤسسات المستحدثة، مثل الاستخبارات العسكرية، والشرطة السرية، ومكتب التحقيقات التابع لوزارة العدل، الذي سيعرف لاحقاً باسم «إف. بي. أي»، الخناق على المتطرفين والشيوعيين والألمان، بل وأي شخص لم يؤيد المجهود الحربي وكان له رأي مختلف، وبالطبع قيدت هذه الأجهزة حرية التعبير وساهمت في تدمير الاتحادات العمالية وحل الحزب الشيوعي، إلا أنها مع ذلك ظلت عاجزة عن ردع الإرهاب، حيث شهدت أميركا أسوأ الحملات الإرهابية في الفترة بين 1919 و1920، ليأتي رد السلطات بتهجير عدد من الشيوعيين وأتباع الفكر الفوضوي إلى الاتحاد السوفييتي. ورغم هذه الإجراءات غير المسبوقة، عاشت أميركا في 16 سبتمبر 1920 أحد أسوأ التفجيرات الذي استهدف «وول ستريت» في وقت الذروة، ما نتج عنه قتل 40 شخصاً وجرح العشرات ليكون الهجوم الأقوى، الذي تتعرض له أميركا حتى عمليات 11 سبتمبر. بيد أنه خلال السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، أدرك الأميركيون أن سلطة الأجهزة الأمنية تمادت في إجراءاتها، وأن هذه الأخيرة بدأت تمس بالحريات العامة، لذا تصاعدت أصوات منظمات المجتمع المدني، مثل الاتحاد الأميركي للحريات العامة التي دعت إلى احترام الحقوق الدستورية والتركيز على فكرة أن المزيد من الحريات وليس القليل منها، هو أفضل ضمانة لتحقيق الأمن والاستقرار. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©