الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رافين عساف: رائحة التفاح ··حكاية الموت والحب

رافين عساف: رائحة التفاح ··حكاية الموت والحب
14 أكتوبر 2008 00:11
قدم المخرج العراقي رافين عساف فيلمه الروائي الطويل ''رائحة التفاح'' ضمن برنامج ''مهرجان المهرجانات'' في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي الذي تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث للفترة من 10 إلى 19 أكتوبر الجاري في سينما السيني ستار في المارينا مول في أبوظبي· تسرد قصة الفيلم حكاية ما بعد الهجوم بالغاز السام على مدينة حلبجة الكردية شمال العراق والذي خلف عشرين ألف قتيل ومشوه، ولايزال هناك من يعاني من آثار هذه المذبحة البشعة· تصل إلى منطقة حلبجة شركة ألمانية لتوريد العقاقير الطبية لأهالي المنطقة الذين يرتابون منها وتوظف الشركة يوسف ''مثل شخصيته الممثل شوان عطوف 40 عاماً'' وهو صيدلي كردي عراقي عاش أكثر من 22 عاماً في ألمانيا، أما عمر ''مثل شخصيته حما علي خان 45 عاماً'' فهو موظف يعاني بعض أقاربه من آثار الهجوم السابق، وهو كأحد سكان المدينة يمكنه أن يقنع الكرد بقبول الدواء· تبرز في الفيلم شخصية ''زارا'' التي مثلتها ''صافية أكراد 39 عاماً'' التي هي أخت عمر والتي تحاول التواصل مع الجميع، فتنشأ بين زارا ويوسف علاقة عاطفية قوية لكنها محكومة بنظام أخلاقي احتراماً لعادات مجتمع تقليدي· كان من بين تلاميذ زارا ''معلمة المدرسة'' تلميذ ذكي هو رزكار الذي مثل شخصيته الممثل ''شالاو جمال 15 عاماً'' والذي يعاني من إعاقة نسبية في قدمه اليسرى، حينها يغار هذا الأخير من علاقة زارا بيوسف· يفترض زركار أن يوسف ينتمي إلى بلده الذي هاجر إليه ''ألمانيا'' وليس له علاقة بالأكراد على الرغم من كونه كردياً فيخطط للانتقام منه مدفوعاً بفكرة أن الألمان جاءوا ليبيعوا الدواء بعد أن باعوا العلاج الكيمياوي، أي أن الدمار والدواء يأتي من جهة واحدة· استطاع زركار أن يوقع يوسف في مصيدة حفرها له وهي هوة بالأرض بعد أن استدرجه إليها وبغياب يوسف المفاجئ والذي ثار الكثير من التساؤلات لا يمكن بيع الدواء إلى الناس أو توزيعه عليهم وهنا تبدأ زارا بمعاناة مرضها حين تشعر بالألم والتوجع والإغماء فيضطر رزكار إلى إطلاق سراح يوسف لكي يعالج زارا، وبعد كل تلك الأحداث يختار يوسف الرحيل ثانية تاركاً زارا وحبه لها عائداً إلى وطنه المغرب فيه ''ألمانيا'' التي ترك زوجته الألمانية فيها· صور الفيلم في حوالي الـ28 يوماً في كردستان العراق بحسب قول مخرجه رافين عساف الذي ولد في كردستان العراق عام 1957 وبدأ دراسته للسينما في بغداد عام 1976 وغادر إلى المانيا عام 1985 وتخرج في جامعة الفنون الرفيعة بهامبورج في الاتصالات المرئية وسبق أن أخرج فيلماً وثائقيا بعنوان ''امرأة كردية عام ''1988 وفيلماً روائياً طويلاً بعنوان ''الأيام الصفراء عام ·''2002 ينتمي الفيلم إلى الواقعية في كل تجلياتها من حكاية واضحة وسرد تتابعي متسلسل ومغزى ودلالة مشفرة تهدف إلى تصوير وقائع حصلت لأناس بسطاء، هذا بالإضافة إلى استخدام موروثات وتقاليد اجتماعية حاول رافين عساف أن يقدمها للمشاهد مستخدماً الصورة المكثفة للتعبير عن الحالة بعيداً عن الحوار في أكثر الأحيان وبخاصة صورة ''شجرة التفاح'' التي تعلق على أغصانها النساء قطعاً ملونة من القماش استذكاراً للغائب الذي لن يعود· من جهة أخرى تبدو الإدانة واضحة حين يمزج المخرج ومؤلف السيناريو ''عساف'' بين موضوعة مزدوجة الموت والحياة، والصانع الماهر الذي يلعب على طرفي المعادلة وهو محدد وواضح في الرواية ومشار له بإفصاح وهي الجهة التي تبيع الدمار كما تبيع الحياة معاً· نساء مقهورات وعالم ضيق مدمر، وأجساد مشوهة، ورغبات مكبوتة وصراعات لا حدود لها، كلها تجتمع في هذا الفيلم الذي يدين زمن الموت حين ضربت مدينة حلبجة بالمواد الكيمياوية ويدين جهة قادة الأكراد الذين لا يلتفتون إلى معاناة البسطاء المرضى والمعوقين· ويدين الأميركان أيضاً حين تركوا بلداً يعاني من صراعات متعددة الوجوه ويشهر بإيران التي يشار لها بالاتهام في مجمل الصراع وبالحركات الإرهابية التي تستهدف بسطاء آمنين· يأتي كل ذلك من خلال حوارات الشخوص، إلا أن ما يلفت النظر أن عنوان الفيلم على الرغم من جماليته الساحرة ''رائحة التفاح'' تجد في معناه الآخر معنى ودلالة مميتة إذ هي رائحة الغاز الذي ألقي على مدينة حلبجة، حيث كان الاختيار هذا منسجماً مع روح الحكاية حين يعاف الناس أكل التفاح تقززاً من ريحته التي تذكرهم بالموت· يلعب رافين عساف مخرج الفيلم على روح القصة وحكايتها البسيطة التي تعبر عن تعالقات مشاعر شخوصها وعواطفهم بالرغم من موتهم المرتقب وتشوههم الواضح، وعلى الرغم من ذلك فإن عساف يزرع الأمل حين يطلق رزكار حماماته البيضاء في سماء كردستان العراق· كلف إنتاج الفيلم ما يقرب من نصف مليون يورو وعلى الرغم من جرأة الفيلم في معالجة الكثير من القضايا ومن أهمها علاقة المهاجر الذي يقطن خارج العراق بالمستوطن فيه التي تبدو عدائية في ظاهرها، إلا أن العاطفة تردم الهوة تلك بكل بساطة وفي لقاء ''الاتحاد الثقافي'' مع المخرج بعد عرض الفيلم يقول عن قصته· حكاية الفيلم في ظروف احتلال العراق من قبل الأميركان وفي وقت جمال الطبيعة في كردستان العراق يبدو في الظاهر أن كل شيء يسير على مايرام، وهذه حقيقة خاطئة، هناك ثلاث قصص حب في الفيلم تتداخل في بعضها وهي قصة الطالب ''رزكار'' مع معلمته ''زارا'' التي ترتبط في علاقة حب أخرى مع ''يوسف'' الرجل الذي يمثل شركة ألمانية لبيع الأدوية في كردستان، الموضوعان يرتبطان بخط آخر وهو طبيعة الحياة اليومية في علاقة إنسانية من الحب العميق بين ''عمر'' أخو ''زارا'' بزوجته التي تطلب طفلاً، كل هذا بعد مضي 20 عاماً على دمار مدينة حلبجة الكردية في 16-3-·1988 من ضمن ذلك لا يبدو النص خاصاً بقضية محددة ولا بمكان محدد بل هو في معناه يملك طابعاً شمولياً للعراق عامة، وربما تقع ذات القصة في أهوار العراق التي ضربت بالسلاح الكيمياوي أيضاً وفي الفترة ذاتها تقريباً، وما يمثل هذا الفيلم من رموز يمكن أن نسقطها على الموضع في جنوب العراق المشابه لشماله وفي غربه المشابه لشرقه، إنها قضية شمولية وليست خاصة· يقول رافين عساف مخرج الفيلم عن موسيقى الفيلم التي تواجه المشاهد منذ اللحظة الأولى: إن كريستوفر ديرك الموسيقي الألماني الذي وضع موسيقى الفيلم أحس بالقضية واستطاع أن يوصل عمق الموضوع كما استطاع أن يقدم موسيقى شمولية فيها ملامح كردية عربية وفارسية وتركية وهذا ما يخدم النص· وعن مغزى موضوع الفيلم برمته يقول: جمالياً يرشح وضع العراق المعقد بالنسبة إلى الرجل المثقف ان هناك معاناة من موضوع طرح الهوية والملاحظ أن السينمائيين العراقيين حتى لو كانت نسبة الأفلام الكردية أكثر من العربية في العراق أن خط الطرح وكيفيته بعيداً عن الأداة السينمائية يبدو طرحاً موضوعياً بهوية عراقية، أي أنه طرح سليم صحياً لمرضى العراق حالياً، ومقارنة بالسينما الشبيهة لوضع العراق ومثالها سيئ لبنان أو سينما الفلبين إلى حد ما أو السينما الكوبية، نلاحظ بالرغم من قلة الأفلام العراقية الكردية هي سينما صادقة بعيدة عن الابتذال بموضوع الاستهلاك· ويضيف: الشيء الآخر أننا نلاحظ في سينما الكرد أنها تقترب من السينما الواقعية ما بعد الحرب في ايطاليا التي تعاني من عدة مواضيع تتعلق بالوضع الراهن وهذا ما يخلقها لتصبح سينما وثيقة ربما تكمن أهميتها بعد 50 عاماً، أما عن فيلمي ''رائحة التفاح'' فربما بعد عشرين يستغرب الناس من طبيعة وكيفية الطرح في الفيلم· ويقول ايضاً: من ناحية أخرى يجب ألا تستمر سينما الكرد بهذا الشكل بسبب العامل التجاري إذ اننا بحاجة إلى سينما الموضوع الواحد ذات الصور الجميلة والسهلة الفهم، أي أننا حالياً نجد المخرجين يعملون أفلاماً سينمائية لقضية محددة وليس لجمهور عريض، انها فترة مقبولة نسبياً· وحول طروحات الفيلم في تشنج العلاقة بين العراقي في الداخل والآخر في الخارج وما حاول الفيلم تجميلها يقول المخرج رافين عساف: أنا أتصور أن طبيعة العاطفة العراقية عرباً أو أكراداً تبدو متداخلة عبر التاريخ وهذا يعني أن الفكر نفسها وطبيعة الحوار وحتى الضحك عند العربي والكردي متشابهة، لكن الوضع المتشنج بعد الحرب وضمن ظروف العراق حالياً لا تشجع على تكوين حوار بين العرب والأكراد وأقلياتهما سواء الدينية أو الفكرية، فأنا من دعاة الحوار داخل العراق وخارجه وهو من مصلحة الإنسان العراقي· ويؤكد: حقيقة أجد في فيلمي أنني حاولت أن أكون صادقاً في طرح الشخصيات إذ تجد أن هناك شخصية عربية تعاني من موضوع الاحتلال لكن الرجل الكردي يعاني من موضوع مشاكله المحلية وكلاهما متداخل يكمل احدهما الآخر لكن كل واحد يحمل هوية مشتركة وهي العراق· وعن تكرر موضوع حلبجة في السينما العراقية الكردية وجديد طروحات هذا الموضوع في فيلم ''رائحة التفاح'' يقول: أعتقد أن خصوصية طرح موضوع حلبجة في فيلمي حاولت أن تكون موضوعية وبوجهة نظر إنسانية أكثر مما هي كردية، من جانب آخر هو تحذير لحكومة المنطقة سواء في حلبجة أو في أربيل من أن مرضى مشكلة حلبجة لا يمكن أن يحل بالترويض، وإنما بمعالجة سياسية واجتماعية حقيقية والنقطة الثالثة والمهمة في رأيي كشهادة تاريخية أن قضية حلبجة يجب أن تعالج كقضية عالمية أشبه بهيروشيما لكونها لم تعط القيمة محلياً وعالمياً· وعن موضوعة استخدام عنوان الفيلم ''رائحة التفاح'' ومزدوجة معناه يقول: غرضي كان بالدرجة الأولى تصوير تحطم جمال الطبيعة الالهية عن طريق السلاح الكيمياوي الذي يوصف بالصناعة الإنسانية القميئة، ففي بداية الفيلم نجد الشخصية تكره التفاحة لأنها تذكرها بالهجوم الكيمياوي على حلبجة لكن في آخر الفيلم ترجع رائحة التفاح إلى حقيقتها، أقصد هنا إدانة للسلاح الكيميائي· وعن تفسيره لإدانات الفيلم لكثير من الجهات على مستوى الصراعات في الداخل والخارج واستغلال موضوعات كونية وبخاصة ادانته للارهاب واميركا وايران وقادة الأكراد يقول: أنا حاولت أن أنقل أفكار أناس من الشارع في الفيلم وقدر الإمكان ان أبقى ميدانياً موضوعياً في طرح المشكلة ولم أحاول أن استغل أو اعطي قوة لجانب على جانب آخر فأتصور أن التعامل العقلاني في طرح هذه المواضيع هو في ربطها مع بعضها بعضاً· وعن صورة الأمل في الفيلم على الرغم من تصويره ورؤيته للواقع المأساوي الذي يعيشه العراق يقول: هناك مثل ألماني يقول: ''الأمل آخر ما يموت عند الإنسان'' فبعد رحلتنا في موضوع حلبجة والسلاح الكيمياوي ما يبقى في علاج القضية هو طريق الأمل عكس اليأس الذي يعاني منه الناس في العراق· وعن تعارض كل هذه المفاهيم في الفيلم مما يولد تقاطعاً بين أفكار الفيلم والجهات الكردية كونها قد مولت الفيلم ودعمته وخصصت له مبلغاً كبيراً لإنتاجه ودعمته بكل إمكاناتها يقول: قبل كل شيء لابد أن اذكر أن القيادة الكردية حالياً تعيش صراعاً ما بين التكنوقراط والبيروقراط والقسم الأخير لا يمكن أن يرضى عن هذا الفيلم، لكن الجانب التكنوقراطي بدأ يفرض نفسه في كردستان وإن كان غير راضٍ عني إلا أنه يقبل رأيي وسوف يمولني في فيلم آخر إذ هم يحملون وجهة نظر ترى أن السينما إذا كانت سلاحاً وتجارة لتكن بيد كردية لبناء نفسها
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©