السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا وما لا يعلمه بوتين

5 سبتمبر 2016 21:56
يراقب الرئيس فلاديمير بوتين حملة الانتخابات الأميركية بمزيج من السخرية والاشمئزاز وعدم الفهم. ومثلما أن الرؤساء والسيناتورات الأميركيين ليسوا ملمين بالسياسة الروسية، فإن بوتين أيضا ليس خبيرا في المجالات الخارجية ونظرته للمسلسل السياسي الأميركي الحالي لا تختلف عن نظرة أي رجل عادي، رغم أن نتيجة الانتخابات تعتبر بالغة الأهمية بالنسبة له. عدم فهم بوتين للعملية الانتخابية الأميركية كان واضحا للعيان خلال مقابلة خص بها رئيسَ تحرير خدمة «بلومبيرج» الإخبارية، جون مايكلذويت. فحين سُئل عما إذا كان لروسيا علاقة بعمليات القرصنة الأخيرة التي تعرضت لها اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي الأميركي، ونشر رسائل بريد إلكترونية مسروقة بعد ذلك على موقع ويكيليكس، نفى بوتين أي علاقة بالعملية معبِّرا عن تفاجئه لكون المعلومات التي تم الكشف عنها كانت مثيرة لاهتمام الناس. عملية القرصنة هذه كشفت أن ماكينة الحزب كانت تعمل لمصلحة هيلاري وحدها، على حساب بيرني ساندرز. لكن القول إن ذلك «لن يكون مثيراً لاهتمام أحد»، مثلما قال بوتين، إنما ينم عن جهل كبير بالسياسة الأميركية! والواقع أن هذه ليت المرة الأولى التي يُظهر فيها بوتين جهلاً بالسياسة الأميركية. ففي مقابلة صحفية في يناير مع صحيفة «بيلد» الألمانية، سأل بوتين الصحافيين: «هل تعلمون أنه على مرتين في التاريخ الأميركي تم انتخاب رئيس من قبل المجمع الانتخابي رغم حصوله على أقلية من الأصوات في التصويت الشعبي؟». والحال أن ذلك حدث أربع مرات، وليس مرتين، مثلما سارعت الصحافة الروسية للتوضيح، لكن بوتين لم يكن يقرأ تلك التصويبات بالطبع؛ لأنه كرر الخطأ خلال منتدى سانت بيترسبرج. والحق أنه ليس من النادر أن تكون لزعيم معرفة ضحلة بمواضيع لا يحتاج لاتخاذ قرارات بشأنها. فتأكيد أوباما خلال خطاب حالة الاتحاد 2015 أن الاقتصاد الروسي بات «في حالة ترنح» بسبب العقوبات الغربية، هو تبسيطي أيضا. وانتقاد بوتين خلال المقابلة مع «بلومبرج» للحملات السلبية في الانتخابات الأميركية، قاصر وضحل أيضاً، على غرار سخرية هيلاري الشهيرة من عودة بوتين إلى الرئاسة بعد أربع سنوات كرئيس للوزراء، باعتبارها دليلا على خلل الديمقراطية الروسية! وبالطبع، فإن الحملات السلبية ضد الخصوم ما هي إلا أداة بين أدوات أخرى عديدة، كما يؤكد خبراء السياسة الأميركية. لكن إذا كان نقل السلطة من بوتين إلى دميتري ميدفيديف في 2008 ثم استعادتها من جديد في 2012 ليس ديمقراطيا تماماً، بالنسبة للمتابعين للشأن الروسي، فإنه يمثل مع ذلك اختباراً مهماً وناجحاً بالنسبة لبلد لم يشهد عملية نقل منظمة للسلطة منذ اعتلاء نيكولاس الثاني للعرش. زعم بوتين أنه ليس على دراية بدهاليز السلطة في واشنطن قد يكون خدعة قديمة من ضابط استخبارات، كي يُظهر لجمهوره أن لا علاقة له بقرصنة اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي وأن كل شيء حدث داخل واشنطن. لكن معروف عن بوتين استعماله مثل هذه التكتيكات عندما ينظر إلى محاوره كخصم. أما أن يَثبت لاحقاً أنه كان على خطأ، فذاك ليس مهماً بالنسبة له، مثلما لا يُعتبر مهما بالنسبة لدونالد ترامب: فاللحظة أهم بكثير من أي تداعيات لاحقة. لكن بوتين قد يكون بالفعل قصد ما قاله في مقابلة «بلومبرج» حول عدم اكتراثه بمن سيفوز في الانتخابات الأميركية، طالما أن الرئيس المقبل مستعد للعمل مع روسيا. غير أن من الواقعي عدم توقع كرم من هيلاري التي تناصبه العداء بشكل صريح، أو من ترامب الذي يبدو محبا للارتجال. ومن الواضح أن بوتين يؤمن بأن خطابات الحملة الانتخابية لا تكتسي قيمة كبيرة، لأنها تمثل بالنسبة له مجرد هجمات متبادلة وليست تصريحات سياسية. وعليه، فلماذا سيرغب بوتين في تعلّم أشياء أكثر عن الحملة الانتخابية الأميركية من رجل يقرأ الأخبار أحيانا ولا يفهمها دائما؟ خاصة أنه مطالَب بالتعامل مع أي نتيجة تتمخض عنها الحملة، وهو لا يستطيع فرض النتيجة، بغض النظر عما قالته حملة هيلاري حول قرصنة المجلس الوطني للحزب، باعتباره تهديداً للديمقراطية الأميركية. ووصف فيدور لوكيانوف، أحد أبرز المعلقين على السياسة الخارجية الروسية، بوتين مؤخراً بأنه من المؤمنين بأن مصير المرء محدد سلفا، وقال عنه إنه «يتصرف انطلاقاً من إيمان قوي بأن الله يتحكم في الأمور والمصائر وأننا مجرد عابري سبيل على هذه الأرض، وكل ما يمكننا فعله هو أن نكون سريعين ودقيقين وفعالين بشأن استغلال الفرص المتاحة لنا». وهذا ينسجم مع عدم اهتمام بوتين النسبي بالانتخابات الأميركية وجهله بها. ولا شك في أنه سيبحث عن الفرص حالما يتضح الفائز، غير أنه عندما يفعل ذلك، ينبغي لفهمه التفاصيل أن يتحسن. *محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©