الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«7 أيام في التحرير».. خفايا الصورة

«7 أيام في التحرير».. خفايا الصورة
4 مايو 2011 19:27
ما أصعب الكتابة عن الأحداث الكبيرة، خصوصًا إذا كانت قريبة العهد بنا؛ مثل ثورة 25 يناير، وتأتي الصعوبة من أن الأحداث كلها، تم تقليبها على جميع الوجوه، ولم يبق أمام الروائي إلا أن يختار زاوية مختلفة للتعامل مع هذا الحدث الكبير، من هنا تكتسب رواية “7 أيام في التحرير” للروائي والكاتب هشام الخشن الصادرة حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية أهميتها، من اختيارها زاوية نظر جديدة في التعامل مع ثورة المصريين في يناير الماضي؛ إذ وقفت أمام بعض النماذج الإنسانية التي شاركت في الثورة، وهم من منطقة واحدة: شارع حسين حجازي، بالقصر العيني القريب من ميدان التحرير، وهم من مشارب متنوعة؛ ففيهم الإخواني والقبطي، ورجل الأعمال، وعضو الحزب الوطني المتنفذ، ومنهم الشاب الثائر وطالب كلية الشرطة. يشكل شارع حسين حجازي مسرحًا للأحداث؛ حيث يتوالى ظهور الشخصيات فيه تباعًا، ومع دخول كل شخصية يقدِّم المؤلف لمحة جسمية ونفسية وبعض عوالمها الإنسانية، ودوافعها للاشتراك في الحدث الكبير في ميدان التحرير؛ حيث ما تلبث أن تلتقي جميع الشخصيات هناك، ليلعب كل منهم دوره المنوط به، والذي تفرضه عليه الأحداث. المطهر الالتقاء في المظاهرات في ميدان التحرير يشبه لحظة الانصهار أو المطهر للجميع، حيث ينسى الجميع خلافاتهم واختلافاتهم ، فرامز الشاب القبطي يتجاوز حواره وخلافه مع أمين عضو جماعة الإخوان المسلمين حول حقوق الأقليات، ويتحدى رغبة والده في عدم الخروج، ويندمج مع جيرانه في الثورة، ويهرب من والديه اللذين هاجرا إلى كندا في قلب الأحداث، اللحظة الكبيرة جعلت الجميع ينسى ماضيه ولا يفكر إلا في مستقبل مصر، وفي لحظة الخلاف داخل الميدان، ينطلق الشعار الذي يوحد الجميع: تحيا مصر، ولعل من أهم التقنيات في هذه الرواية، وهي الأولى عن ثورة يناير، هو توظيف الشعار الذي يأتي في اللحظة المناسبة وكأنه اللحن الرئيسي الذي يوحِّد كل الألحان الفرعية لتكتمل السيمفونية الموسيقية في عمل كبير حاول رصد اللحظة الفارقة في تاريخ مصر والتفاعل معها. طزاجة الحدث وعمقه ومدى تأثيره في الحياة العامة للمجتمع المصري، صبغ لغة الرواية بحيوية دافقة، فجاءت اللغة منسابة كالنهر، لاهثة متوترة، مشدودة كالوتر، تكشف عن موهبة روائية مغامرة، تعاملت مع اللغة كجزء من الحدث، حتى أن الروائي اختار السبعة أيام الأكثر توترًا في حياة الثورة المصرية ليضعها تحت مجهره الروائي، وهو تحدٍّ نجح فيه الروائي بامتياز. ونظرة على بعض شخصيات الرواية كفيلة ببيان جدتها في التعامل مع الحدث: فباسم وشيرين، شابان مصريان يرتبطان بعلاقة عاطفية، وهما من المنظمين للحدث الكبير، وحولهما وبهما تلتقي جميع الشخصيات من خلال قوة الدفع والإقناع التي يملكانها، وحولهما تنتظم غالبية الأحداث. ثم يظهر على المسرح عضو الحزب الوطني عبد الحميد المتزوّج من إلهام عرفيًّا، بمباركة أهلها، حيث شكل لها المخرج الآمن من الفقر، وعندما تأتي أحداث الثورة تغلب عليه طبيعة الانتهازية، فيهرب من مصر على أول طائرة إلى الخارج مع أسرته الأولى، لتجد إلهام نفسها مدفوعة بقوة قهرية، تحت إحساس الوحدة والقهر، إلى الاشتراك في الثورة، لتكتشف الوهم الكبير الذي تصورته خلاصًا مع عضو الحزب الوطني، فتمر بلحظات التطهر والانشقاق في قلب الحدث الكبير. مواطن لأول مرة مع توالي ظهور شخصيات العمل، يطل سماحي حليم المحامي القبطي وأسرته المتدينة ماجد الطبيب المهاجر إلى كندا، ورامز الطالب المتفوق وأول دفعته في كلية الحقوق، وينتظر التعيين في النيابة لكنه لن يناله لأنه قبطي، ومع تصاعد أحداث الثورة، تهرب الأسرة الأم والأب إلى كندا، لكن رامز يصر على البقاء ويهرب من والديه في المطار، عائدًا إلى ميدان التحرير، حيث وجد نفسه وكينونته، وشعر بأنه مواطن مصري للمرة الأولى في حياته، ويظل في الميدان لا يغادره إلَّا مع تنحي الرئيس. ومن أهم الشخصيات في الروائية تأتي شخصية شريف طالب كلية الشرطة، الذي اكتشف زيف أخيه عادل ضابط أمن الدولة الكبير، ومع تشابه الأحداث وتعقدها ينخرط في ميدان التحرير وفي يوم الأربعاء وبعد موقعة الجمل الشهيرة يتخذ قراره الصعب بالاستقالة من الكلية ويحوِّل أوراقه، إلى كلية الحقوق ، فطوال الأحداث كان ضابط أمن الدولة يسخر من المتظاهرين أمام أخيه عادل ويخبره أنه “لا وقت لديهم لعصابة حمادة وتوتو وشلة هيثم وتمورة التي تكافح على الفيس بوك، وغالبًا سيرسلون لهم قوات خاصة سلاحهم الأساسي هراوات من النايلون حتى لا تفسد تسريحة شعرهم”. ثم تأتي شخصية خالد السيد وزوجته الأمريكية «كارول» وطفلاهما آدم وسارة، وخالد هو الشخص العصامي الذي شق طريقه بمفرده وبمجهوده وكفاحه حتى صار من أكابر رجال السياحة في مصر، لديه فيلا في القطامية، وأخرى في العين السخنة، وبرغم نشأته الفقيرة، فإن موقفه من الثورة ظل يراوح بين الرفض والتأييد مع صعود الأحداث وهبوطها، إلى أن يحسم أمره بالانخراط فيها. وأخيرًا تأتي شخصية عبدالله، أحد شباب الإخوان الذي أتته التعليمات من قياداته بعدم المشاركة في وقفة الغضب يوم 25 يناير بصفتهم أعضاءً منتمين لجماعة الإخوان، وإن كان ليس هناك مانع من المشاركة بالصفة الشخصية لأي عضو منهم تحسباً وخشية من ممارسات قديمة بينهم وبين أمن الدولة أو بسبب إحساس غير واثق من نجاح هذه الوقفات الاحتجاجية، فيدفعون ثمنها عواقب وخيمة فنجده يقول لباسم حين دعاه للمشاركة “البركة فيك وباقي الشباب تقفوا عنا .. أدعو لك بالتوفيق إن شاء الله”.. وهو موقف لا يختلف كثيرًا عن موقف عائلته فالوالد آثر استخدام مبدأ التقية حين اختار النفي الاختياري في السعودية . لكن حماسة الهتاف وموقف باسم البطولي الشخصية الرئيسية في الرواية، والإيمان الداخلي الشديد لدى عبد الله ، بأن انتماءه إلى هذه الأرض وهذا الوطن أكبر بكثير من أي انتماء آخر يدفعه إلى قلب ميدان التحرير، وعندما بدأ يهتف متناسيًا صفته الشخصية ومتذكرًا انتماءه إلى الإخوان، لم يستجب المتظاهرون لصياحه: إسلامية .. إسلامية، ويهتفون : مدنية .. مدنية، يخرج من المظاهرة ويعود إلى موقف المتفرِّج، ثم يتجلى الانتماء الأكبر في إسراعه إلى إنقاذ المتظاهرين من سطوة الأمن الذي كاد أن يحسم الأمر لصالحه، فيعود إلى المشاركة في إنقاذ الثورة بعد أن تأكد نجاحها. وهكذا تختار الرواية شخصياتها بعناية في محاولة لفهم هذا الحدث الكبير ودوافع المشاركين فيه، وهي شخصيات تعبر عن كل أطياف المجتمع المصري، لذلك كان النجاح طيفًا للثورة، وطيفًا للرواية، التي هي الثانية للمؤلف هشام الخشن بعد روايته “ما وراء الأبواب”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©