الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحلة في طقوس الحضارات

رحلة في طقوس الحضارات
4 مايو 2011 19:29
عرفت الإنسانية حضارات قديمة سادت ثم بادت، ألقت بظلالها ومعارفها وإبداعاتها واكتشافاتها وعلومها وفنونها على الأمم المجاورة في ذلك التاريخ الموغل بالقِدَم، كحضارة وادي الرافدين في العراق القديم، وحضارة وادي النيل في مصر. وقد حفل كتاب الآثاري العراقي الدكتور فوزي رشيد المقيم في تونس “ظواهر حضارية وجمالية من التاريخ القديم” الصادر حديثاً عن دار صفحات للدراسات والنشر في سورية2011م، في 215 صفحة من القطع الاعتيادي، بالعديد من الموضوعات الشيقة. وجاء الكتاب في جزءين خصص الأول لـ “ظواهر حضارية” وضم 18 موضوعاً، والثاني لـ “ظواهر جمالية” وضم 15 موضوعاً. وأشار الدكتور منذر الحايك في مقدمته للكتاب إلى أن “اسم الشرق القديم كان يطلق على البلاد التي تقع في جنوب غربي آسية، بين القسم الغربي من إيران المتاخم لبلاد الرافدين ونهر دجلة في العراق، والساحل السوري في الغرب، ومن كيليكيا وسفوح طوروس شمالاً إلى أطراف الجزيرة العربية، ضاماً بلاد الرافدين، وسورية الكبرى، إضافة إلى بلاد وادي النيل”. كما ذكر الحايك تأثر الدكتور فوزي رشيد مؤلف الكتاب بالمنهج الألماني في تحليله للنصوص القديمة، وللأشكال الفنية الأثرية، وعزا ذلك الى تأثير متابعة دراسته في ألمانيا. ورغم مؤلفات رشيد الوافرة فإنه في كتابه هذا يعرج بقارئه صوب الإبداعات الحضارية الأولى للإنسان وتحليلها، والبحث في أسبابها ومدلولاتها، وقد جهد ليمتع القارئ في الإطلاع على بدايات المظاهر الحضارية للإنسان، من نشأة التقاويم في الحضارات القديمة إلى غيبيات السحر وممارساتها في العالم القديم، وما بقي مستمراً منها حتى الآن في حياتنا المعاصرة، ومن شعائر الاستسقاء إلى القوى الخفية للإنسان، وكيف فهمها؟ وكيف تعامل معها؟ وغيرها من موضوعات قسمي الكتاب وموضوعاتها المتفرعة. أما الدكتور فوزي رشيد فذكر في مقدمة كتابه الجديد أن “من الحقائق العلمية التي يتفق عليها جميع الباحثين أن كلّ ابتكار بشري في الدنيا تسبقه ثلاثة أشياء، الأول تظهر الحاجة إلى ذلك الابتكار، لأنّ الحاجة تقف دائماً وأبداً في مقدمة كل ما قام بصنعه وتطويره عبر التاريخ، والشيء الثاني أن تتوافر الحاجة التي تولد فكرة الابتكار في الذهن، والسبب في ذلك راجع إلى أن الإنسان لا يستطيع أن يوجد أكثر مما أوجده الخالق للبشر، ولذلك فهو - حسب رأيه- لا يتمكن من ابتكار ما لا أساس له في الكون، ولهذا فإن ابتكاراته هي تحوير وتطوير لما تمتلكه قدراته من كائنات حيّة وغير حيّة، ثم يقوم بتطوير تلك الفكرة إلى الشيء الذي يحتاج إليه، فالآلات الموسيقية الوترية مثلاً كثيرة الأنواع والتعقيد، ومع ذلك فإن السبب الذي ولَّد فكرتها في ذهن الإنسان هو القوس والوتر، ونبات القصب ولّد فكرة الآلات الموسيقية الهوائية، والأواني الفخارية المغطاة بالرق ولّدت في ذهن الإنسان الآلات الإيقاعية”. سحر وشعر تناول المؤلف في القسم الأول من الكتاب الموضوعات الآتية:” نشأة التاريخ القديم، السحر وأثره، شعائر الاستسقاء، الأبراج السماوية، وأد البنات، شعائر الزواج المقدس، الأعداد ودلالاتها، في الحضارات القديمة، الألوان ودلالاتها، تطور السلالم الموسيقية، 21 طلقة مدفع، ابتكار الشَعْر، التاج الملكي والعقال، المتنبي والأمير كوديا، العمود اليوناني، المقاييس المثالية، المقاييس الذهبية، وكيف نقلت أحجار الأهرام”. وفي موضوعة “السحر وأثره” أكد المؤلف أنّ الإنسان القديم مارس السحر منذ 80 ألف سنة، وقد تمكن الباحث الإنجليزي “سير جيمس فريزر” من دراسة الشواهد التي وصلت إلينا عن الممارسات السحرية، ومن ثم نشرها في كتابه المشهور “ الغصن الذهبي”، كما عرج على أبرز القوانين السحرية التي اعتمدها الإنسان القديم المتمثلة في قانونيّ التشابه والاتصال. و في” شعائر الاستسقاء” مهد لبيان معنى الباراسايكولوجي، ثم ربط بين تفسير هذا المعنى وكيف تمكن البشر من معرفته، إلى الجوّ السحري الذي مارسه سكان المناطق المحيطة بمدينة سامرّاء الحالية في العراق منذ نحو 6 آلاف سنة، والذي كان يهدف الى استنزال المطر وفق قانون التشابه السحري، والذي سمّاه طقس الاستسقاء الذي أسهب في بيانه من خلال لقى أثرية عثر عليها المنقبون قرب سامرّاء. وتحدث رشيد عن “الأعداد ودلالاتها في الحضارات القديمة”، مستعرضاً معرفتها عند سكان الحضارات الأولى وهي: الأعداد من واحد إلى ثلاثة، والأعداد من أربعة إلى ستة، العدد سبعة، الأعداد من 8-11، العدد 12، الأعداد من 13-25، الأعداد من 40-50-60، وختمها بالأعداد من 101-1001. وروى المؤلف في موضوع “ابتكار الشِعْر” أن الشاعر الراحل نزار قباني صرح في إحدى زياراته إلى العراق قائلاً: بأن العراق يمتلك من الشعراء عدداً يوازي في كميته عدد نخيل العراق؟ ومن خلال هذا التصريح القباني أخذ فوزي رشيد يشير إلى مصداقية كلام الشاعر الراحل لأعداد شعراء العراق، ومن خلال دراساته الأثرية وجد أن الشعر العمودي كان أول ظهور له في بلاد الرافدين بالعراق، ومنذ الفترة التي سكن فيها السومريون القسم الجنوبي منه، أي منذ أواخر الألف الخامس قبل الميلاد، لأن الشعب السومري بالعراق لابدّ أنه توصل إليه- الشِعْر- قبل التاريخ المذكور، وذلك خلال بعض الأدلة اللغوية التي ساقها من خلال نصوص سومرية للتأكيد على سبق حضارة العراق القديمة في ابتكار الشِعْر قبل غيرها من حضارات العالم القديم. ومن موضوعات القسم الأول الطريفة موضوع “المتنبي والأمير كوديا” وهو ثاني حكام سلالة لكش الثانية 2111-2164 ق.م ومعنى اسمه بالسومرية “المُوحى إليه”، أو النبي، وفيه عرض المؤلف لادعاء الأمير كوديا النبوة قبل الشاعر أبي الطيب المتنبي، ثم أخذ يقارن ما بين حياة الاثنين كوديا والشاعر المتنبي ليستخلص أوجه الشبه بينهما في هذا الادعاء النبوي. الجمال وقوانينه في القسم الثاني من كتابه، تناول الدكتور فوزي رشيد كل من: الجمال وقوانينه، القانون العام للجمال، الحياة بداية التطور، الحياة تنتج التطور، الحياة وصفات التطور، حاجة الحياة إلى التطور، توازن الحياة مع البيئة، القيم في حياة المجتمع، الجمال والحياة والتطور، حالات مؤثرة في الجمال، القيم الجمالية، للأحجار والمعادن الثمينة، الجمال والتطور عند الحيوان، والشكل الروي والجمال المُطلق، وقانون الجمال الثابت. وفي معالجته لموضوع “ الجمال وقوانينه” عرض رشيد لرأي الفيلسوف الألماني” مانويل كانت” الذي يرى أن الجمال يتمثل بالموضوع الذي نحسّ معه بلذة نزيهة تماماً، والمقصود بها أن نستمتع بالشيء لذاته، لا لمنفعة نبتغيها من ورائه، كأن نرى منظراً طبيعياً، ونشعر بلذة جمالية نزيهة، أو أن نرى طفلاً جميلاً، أو لوحة فنية جميلة، أو طيوراً زاهية الألوان، كما يذكر “ كانت” نفسه، أو أصداف البحر، أو نسمع الموسيقى التي لا تصاحبها الكلمات، فهذه ألأمور تثير فينا لذّة جمالية نزيهة، ليتطرق إلى بيان فكرة أنصار علم الجمال المادي المعاصر الذين يميلون إلى ربط القيم الجمالية بالقيم الأخلاقية، وهذا الميل لا يبعدهم عن موضوع الجمال، ولكنه يحصرهم في زاوية ضيقه - حسب رأي المؤلف- لأن موضوع الجمال يؤكد أن القيم الأخلاقية لا تمثل إلاّ أساساً واحداً من الأسس الكثيرة التي يتركز عليها الجمال. ومن بين الموضوعات التي حواها هذا القسم “القيم الجمالية للأحجار والمعادن”، وفيه يرى المؤلف أن الأشخاص الأذكياء أدركوا أن المعادن والأحجار الثمينة والأحجار الكريمة التي تمتلك إمكانية الخزن فترات طويلة جداً هي خير بديل مع الأِشخاص الذين يمتلكون وسائل النقل، التي تمثلت بالحمير، وحددوا الأماكن التي تحتوي على ألأحجار الكريمة التي يمكن الاستفادة منها في سدّ حاجات الإنسان آنذاك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©