السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بلاغة الإيجاز.. أو زبدة المعنى

بلاغة الإيجاز.. أو زبدة المعنى
4 مايو 2011 19:30
الأمثال انعكاس للنفس الإنسانية محاسنها ومساوئها، تنتقل شفاهاً على ألسنة العامة من جيل لآخر. والمثل مثل النادرة، صيغة شعبية مُوغلة في القِصَر، وهو عبارة مركزة. والأمثال مرآة للنفس، وإذا أردنا البحث في المثل الشعبي إنمّا يعني البحث في حياة العامة من الناس على اختلاف نشاطهم الحياتي وسلوكهم في تعاملهم وأخلاقهم وعاداتهم. وقد تعطي الأمثال الشعبية صورة نابعة لطبيعة أبناء الشعب بما يمور فيه من تيارات ظاهرة وخفيّة• ولكن غالباً ما تنشأ الأمثال الشعبية العربية من العادات النابعة من نفوسهم المُتشربة بالمُثُل العربية الأصيلة. للأمثال مجالات ومصادر، وقد تعددت مصادرها عند علماء الأمثال العرب، فتجاوزت وهذه الحالة المرويات أو الصيغ المَثلية بالمعنى الأدبي أو الشعبي الدقيق إلى مصادر أكبر وأغزر مادة ومجالاً. ولهذا اهتم الدارسون بها، ونالت الأمثال المُولَّدة والعامية والكناية عناية خاصة من علماء القرن الرابع الهجري. ويُعرّف الأديب أبي حيّان التوحيدي بلاغة المثل بقوله في الليلة الخامسة والعشرين من كتابه “الإمتاع والمُؤانسة”: “اللفظ مقتضباً، والحرف محتملاً، محفوظة، والمرمى لطيفاً، والتلويح كافياً والإشارة مغنية، والعبارة سائرة”. الأمثال في القرآن الكريم ورد المثل والأمثال والمثلات في آيات بينات في القرآن الكريم، لتشير إلى أنّه سبحانه وتعالى يضرب للناس الأمثال لعلهم يتذكرون ويأخذون العِظة والعبرة منها. واهتم العديد من المُصنفين في الحضارة العربية الإسلامية بالأمثال بأن أفردوا لها بعضاً من مُؤلفاتهم، وهناك ثلة من الذين أولوا هذا الضرب من التراث الشعبي جلّ اهتمامهم وكتبوا فيه، ومن أشهر كتب الأمثال: مجمع الأمثال للميداني، جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري، وللثعالبي كتاب الأمثال والتشبيهات، وللزمخشري ‏المستقصى في الأمثال، ولحمزة بن الحسن الأصفهاني، وللجرجاني، كما وزع عدد من المُصنفين العرب في كتبهم الموسوعية الأمثال وحكاياتها كما عند أبي حيّان التوحيدي، والخوارزمي، وابن عبد ربه، وابن قتيبة، والجاحظ... وغيرهم. ومن بين المؤلفات الحديثة: “أمثال العوام في مصر والسودان والشام” لمحمد إبراهيم أبو سليم، و”الأمثال الشعبية في البيئة القطرية” لأحمد محمد صالح التريكمي، و”الأمثال الشعبية البحرينية” لأحمد الضبيب، و”الأمثال والألغاز الشعبية في الإمارات” لراشد عبيد بن صندل، و”الأمثال الشعبية في قلب الجزيرة العربية” لعبدالكريم الجهيمان، و”المثل الشعبي العربي الفلسطيني” لخليل إبراهيم حسونة، و”الأمثال الدارجة في الكويت” لعبدالله آل نوري، و”معجم الأمثال العربية القديمة” لعفيف عبد الرحمن، و”الأمثال والمثل والتمثّل والمثلات في القرآن الكريم” لسميح عاطف الزين، و”الأمثال في القرآن الكريم” لمحمد جابر الفياض، و”فنون النثر في الأدب العباسي” لمحمود عبد الرحيم صالح، و”أشكال التعبير في الأدب الشعبي” لنبيلة صالح، ولأميل بديع يعقوب “الأمثال الشعبية اللبنانية”، ولحبيب يوسف مغنية “مُعجم الأمثال الشعبية الليبية”، ولعبد الرحمن التكريتي “جمهرة الأمثال البغدادية”، ولجُمانة طه “موسوعة الأمثال الشعبية العربية”، ولمازن محمّد الشوا “موسوعة الأمثال الشعبية الفلسطينية”. ولراشد عبيد بن صندل “الأمثال والألغاز الشعبيّة في دولة الإمارات” ويتضمن مقدمة وفهرس الأمثال من حرف الألف إلى حرف الياء، ومنها: “ أدهن السير ييري، وأشتر وبيع عن أسمك يضيع، وإن سرت ما دورت وإن جيت ما شورت، والحر بالبيضة يصر، والسّاحة فضّاحة، والطيب عايا بالطبيب...”. فضلاً عن الدراسات التي كتبت عن الأمثال العربية في الدوريات العربية المتخصصة مثل: “الإبداع الشعبي” لعبد الحميد يونس، و”الأمثال الشعبية في التراث العربي دراسة في مناهج التصنيف” لمحمد رجب النجار، و”الأم في الشعر والأمثال العربية” لمحمّد رجب السامرّائي، و”دلالات أنثروبولوجية لبعض عناصر التراث العربي” لمحمد عبده محجوب، و”الأمثال والتشبيهات للثعالبي” لجليل العطية. مَجمَع الأمثال للميداني يعدّ كتاب “مَجمَع الأمثال” أفضل كتاب صنف في موضوعه، أورد فيه مؤلفه أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، الميداني، أبو الفضل، النيسابوري” ت 539هـ”، ما يقرب من خمسة آلاف مثل من الأمثال العربية القديمة، سوى آلاف أخرى من الأمثال المُولدة ، ذاكراً مضرب كلّ مثل ومورده، وقد ختم الميداني كتابه بذكر أقوال النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وسلم) وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم التي جرت مجرى الأمثال، وبالجملة فهو كتاب حَسن التأليف، كثير النفع، جمّ الفوائد، جدير بالمطالعة. العسكري وجمهرة الأمثال أبو هلال العسكري أحد الأعلام الذين برزوا في القرن الرابع الهجري، وكانت له يد طولى في علوم اللغة، وهو مؤلف كتاب” الصناعتين”، وديوان” المعاني”، وله نثر سائغ ونثر رائق، وآراء مُبتكرة في النقد والبلاغة العربية، إضافة إلى وضعه لكتاب: “جمهرة الأمثال”، وهو من أصول كتب الأدب العربي، بما ضمّنه من أمثال عربية، وأخبار عن العرب في الجاهلية والإسلام، إضافة لكونه من أطول كتب الأمثال نَفَساً، وأوفاها شرحاً. وساق العسكري أمثاله منسوقة على حروف المعجم العربي، ولعلّه أول من نهج هذا المنهج من مدوّني الأمثال، إذا استثنينا حمزة بن الحسن الأصبهاني، الذي ساق أمثاله على وزن “أفعل” على حروف المعجم أيضاً، وقد أراد أبو هلال العسكري بعمله هذا في كتابه هذا “جمهرة الأمثال”، أن يُسهِّل على الباحثين سبيل الاهتداء إلى ما يبغون من أمثال. وقد أفرد أبو هلال العسكري “للأم” في كتابه ثلاثة عشر مثلاً في جزئيه الأول والثاني. أمثال التوحيدي أما الأديب الكاتب أبي حيّان التوحيدي الموسوعي الناثر الذي عاش في منتصف القرن الرابع الهجري في بغداد وصاحب المؤلفات الوافرة في النثر العربي كالإمتاع والمُؤانسة والبصائر والذخائر، وذم الوزيرين، والإشارات الإلهية ورسائل التوحيدي، والصداقة والصديق وغيرها، فإنّه وقف في كتابه الموسوعي- الفلسفي- الأدبي “الإمتاع والمؤانسة” على العديد من أمثال العرب التي رواها شفاهاً في ليالي الكتاب الأربعين. فقد وردت الأمثال في كتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيّان التوحيدي” ت414هـ” على امتداد ثلاث عشرة. ففي معرض حديث التوحيدي لوزيره - في الليلة الثالثة - عن شخصيات علمية وأخرى أدبية، ووصوله لبيان مقالب ابن طاهر ذكَرَ مثلاً عربياً معروفاً: “لا تكن حُلواً فتُؤكل ولا مُرّاً فتُعاف”. بعد أشارتهِ بقول أحمد بن محمد في الليلة الرابعة إذا أنصف فعليه التزام مِزية العراقيين بالطبع اللطيف والمأخذ القريب والسّجع الملائم، واللفظ المؤذق فذكر مثلاً آخر هو:” القريحة الصافية قد تكدّر، والقريحة الكَدِرة قد تصفو”. ثم ذكر بعده مثلاً في الليلة السادسة لإيضاح المفاضلة بين العرب والعجم بقوله: “ليس من القرائب ولا أنجب من القرائب”. ومن نصوص الأمثال الأخرى التي ساقها التوحيدي في الليلة التاسعة، مثلٌ عن الحكماء يضربونه وكانوا يكتبونه في هياكلهم وأماكن عبادتهم: “الملَك الموكّل بالدنيا يقول: إنّ ها هُنا خيراً وها هنا شرّاً، وها هنا ما ليس بخير ولا شرّ، فمن عرفَ هذه الثلاثة حقّ معرفتها تخلصّ منّي ونجا سليماً، وبقيّ كريماً، ومَلَك نعيماً عظيماً”، أعقبه بنصّ مثل رواه في الليلة السابعة عشرة من قول حذيفة: “ركٌن في الفتنة كابن اللّبون، ولاَ ظهرْ فيرُكب. ولا لبن فَيُجْلَب”. وسأله الوزير ابن سعدان في حديثه عن طبائع الحيوان: من أين للحيوان غير الإنسان هذه الفطنة وهذه الفضلية؟ فأجابه بقول أستاذه أبي سليمان السجستاني في الليلة الرابعة والعشرين بطائفة من الأمثال القصيرة، رواها التوحيدي لتدلّ على سوء الطباع عند الحيوانات وغدرها، وكذبها وخبثها ولؤمها، مما يدلّ على نقدهِ من خلال نصوصهِ المُلقاة في مجلس الوزير وقد جاءت على صيغة “أفعل” ومشتقة من صفات الحيوانات وهي: “أصْوَلُ من جمل، وأغدر من ذئب، وأروع من ثعلب، وأجبن من صَفْرد، وأجمع من ذرّة النمّل، وآلف من كَلْب، وأهدى من قَطاة، وأحذر من عقعق، وأزهى من عقرب، وأظلم من حيَّة، وأشدُّ عداوة من عقرب، وأخبث من قِرْد، وأحمق من حُبارى، وأنفر من ظِليم، وأجرأ من ليث، وأحقد من فيل”. وعند الدميري يجيء كتاب كمال الدين الدميري “ 1340-1405م” الموسوم بـ “حياة الحيوان الكبرى” موسوعة عن عالم الحيوان مثله مثل كتاب الأديب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ “ ت 255هـ” حيث يضم كلا الكتابين الكثير من المعلومات عن الحيوانات إلى جانب الشذرات الوافرة للمواضيع الدينية والأدبية والأمثال والحكايات والفنون الأخرى المبثوثة في ثنايا الكتاب. ويُمثلُ “حياة الحيوان الكبرى” أهمية خاصة في مجال الثقافة العربية التقليدية، إذ تتنوع فيه المعارف بحيث يمكن لكثير من العلوم العربية أن ترى فيه ما يخصّها وأن تلحقه بمصادرها الرئيسة. لقد اعتمد الدميري في ترتيبه للكتاب على الألفبائية فمدخل المادة هو اسم الحيوان، وأسماء الحيوانات مرتبة ألفبائياً، ولكنه بدأ بالأسد بينما كان إطلاق الألفبائية يقتضي البدء “بالإبل” ولكنه يقدِّم تبريراً لهذا الاتجاه بأنّه بدأ بالأسد ملك الحيوان، بينما ختم الكتاب بمادة اليعسوب، والترتيب الألفبائي يقتضي منه أن ينهي مواد كتابه بمادة “يوص” ولكنه يبرر أيضاً ذلك بأنّه لم يختم مفردات الكتاب بيوص لأنّه مَلِك النحل، كما بدأه بمَلِك الحيوان فكأنّه والحال هذه يضع مواد كتابه بين مَلِكين اثنين من عالم الحيوان. وقد ردت أغلب الأمثال في كتاب الدميري صيغة أفعل التفضيل نحو قولهم: “أشجع من ديك، وأصفى من عين ديك”، وقد اعتمد المؤلف في إيراد أمثاله على المصنفات العربية خاصة كتاب الأمثال للميداني الذي أورد أمثاله في “حياة الحيوان الكبرى” بجزئيه الأول والثاني، ففيما جاء في الجزء الأول منه قوله: إنّما كانت العرب أكثر أمثالها مضروبة بالبهائم فلا يكادون يذمون ولا يمدحون إلاّ بذلك لأنّهم جعلوا مساكنهم السباع والأحناش والحشرات فاستعملوا التمثيل بها لذلك. وقال فيما يخص الأسد من أمثال: “أكرم من الأسد”، و” أبخر من الأسد”، و” أكبر من الأسد”، و”أشجع من الأسد”، و”أجرأ من الأسد”. وضربوا المثل بالخوف من الأسد بقول مجنون ليلى: يقولون لي يوماً وقد جئت حيّهم وفي باطني نارٌ يشبّ لهيبها أما تختشى من أسدنا فأجبتهم هوى كلّ نفس أينَ حلَّ حبيبها ثم استشهد الدميري في إيراد أمثاله بالنبي الكريم (صلّى الله عليه وسلّم) الذي ضرب المثل بالحجل فقال: “اللهم إنّي أدعو قريشاً وقد جعلوا طعامي طعام الحجل”. يريد أنّه يأكل الحية بعد الحية لا يجد في الأكل. وقالوا: “حدأة وراءك بندقة”، يراد بالمثل الحدأة التي تطير والبندقة ما يرمي به ويُضرب للتحذير.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©