السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحوال المرأة ومقاماتها

أحوال المرأة ومقاماتها
4 مايو 2011 19:32
تكشف تجربة الفنان التشكيلي عبدالرحيم سالم الممتدة منذ ما يزيد على نصف قرن، عن ذاكرة عامرة بعناصر الموروث بقدر ما هي عامرة بالرؤى الجديدة في الحياة، وذلك من خلال المفردات التي يؤثث لوحته بها، ومن خلال الطابع العام الذي يغلب على هذه اللوحة سواء بألوانها أو خطوطها وحركاتها، وهو ما يمنح التجربة غنى ورصانة توفران لها الأصالة والتميز. والمرأة في ذاكرة الفنان هي الشكل والمضمون وأداة التعبير عن الجماليات. هكذا تبدو في تجربته عموماً، لكن الفنان يكرسها أكثر فأكثر في أعماله الأخيرة التي يضمها معرضه الأخير المقام في مؤسسة سلطان العويس، حيث يقدم في هذا المعرض سبعة وخمسين عملاً يفرد غالبيتها للمرأة في أوضاع وأشكال مختلفة. هنا، إضاءة على هذه التجربة بصورة عامة، وعلى الأعمال التي يشتمل عليها المعرض، الذي يمكن أن نطلق عليه عنوان “نساء عبد الرحيم سالم”، بصفة خاصة. وهذه التجربة الرائدة في حاجة إلى قراءة فاحصة للتعرف إلى محطاتها الأساسية، فقد تنقل الفنان بين مراحل وموضوعات عدة وأساليب مختلفة، فخاض في مجالات من التجريب ما زالت مستمرة، وقد أنتجت أعمالاً متنوعة، لكنها تحمل بصمة الفنان ونكهته. تمتد التجربة ما بين البدايات النحتية التي يبدو أنها لم تمنح الفنان انطلاقته وتحليقه الذي يبحث عنه، فانتقل إلى اللوحة المفتوحة على فضاءات لا تنتهي، ولكن شيئاً من سمات النحت التصق بلوحته، خصوصا تلك التي يجسد فيها شخصية المرأة أو الرجل، فأبعاد الشخصية وبناؤها يحيل إلى البناء النحتي. غير أن اللوحة بالفعل قد انفتحت على عوالم من الألوان والخطوط والتكوينات الغنية. نساء بلا حدود باستثناء عدد قليل (ربما ستة أعمال) مشغولة بالحبر الأسود وتتخذ زاوية في نهاية المعرض، ويعود بعضها إلى الأعوام 2008 و2009 و2010، فإن بقية الأعمال التي تنفرد المرأة بها هي استمرار للتجربة اللونية التي يشتغل عليها الفنان عبد الرحيم سالم منذ سنوات، تجربة ترتكز على كثافة اللون غالباً، مع شفافية في اللون في بعض الأعمال. وفي كل الأحوال، فاللون هنا تعبير عن حالة وعي بقدر ما هو تعبير عن حالة نفسية. المرأة القادمة من الذاكرة لا تختلف عن امرأة الواقع، والمرأة بالزي المحلي التراثي لا تختلف عن المرأة العارية، أو المرأة الحداثية بلباسها العصري، فالمرأة هي المرأة بخطوطها ومكوناتها وملامحها وتفاصيلها كاملة، حتى وإن غابت بعض الملامح في أحيان قليلة، فالمقصود هو الحضور الكثيف للمرأة، للأنثى، حضوراً إنسانياً عميقاً وكثيفاً، ولا يحمل أي إيحاءات للإثارة والشذوذ. بل تشيع مشاعر إنسانية حارة، مشاعر الحب والجمال التي تنطوي عليها الأنوثة. وهو ما تكرسه الألوان الحارة التي يغلب عليها الأحمر والأصفر والأزرق. التي قالت “لا” المرأة التي قد تحمل اسم “مهيرة” هي التي تحمل بصمة الفنان، وتعبر عن وجدانه، هذه الشخصية المجنونة التي رافقت الفنان في مسيرته الفنية تحمل سمات ومواصفات غير محدودة، لأنها لا تجسد امرأة بعينها، بقدر ما هي عبارة عن تشخيص لروح المرأة الخالصة، فهي تعبير عن الجمال في الكون حتى لو كانت ناقصة على نحو ما. ويقول الفنان عن علاقته بمهيرة هذه: “الكتب التي قرأتها هي من ذكرني بأنّ هناك امرأة في الشارقة تدعى “مهيرة” عاشت في خمسينات القرن الماضي، ويقال إنها وقعت ضحية السحر فأصبحت مجنونة، كما يقال إنها كانت جميلة جداً، وكان هناك رجل يريد أن يقيم معها علاقة سيئة، فرفضت ذلك، فعمل لها سحراً، فتحولت إلى مجنونة. إذاً هي دفعت ثمناً غالياً لأنها قالت “لا” لرجل؟ كما آلمني جداً أن يكون الثمن هو تحولها من امرأة عاقلة إلى مجنونة! إضافة إلى أمور كثيرة في حياتها، فتبنيتها وأصبحت جزءاً من تفكيري وعملي، وبدأت أرسمها وعملت أول معرض شخصي لي عن هذه الشخصية التي فتحت لي آفاقاً رحبة نحو رؤى فنية جديدة، وذلك في أوائل التسعينات، وكانت كل الأعمال بقلم الرصاص، وقد قدمت “مهيرة” بطرق مختلفة، إذ حرصت على تقديمها في أكثر من شكل وصورة”. ويتابع: “شعرت بأن المثلث أكثر تعبيراً في تكوينه، وكنت أريد أن أقدم “مهيرة” في هذا العصر، وبشكل حديث، كي تتواءم مع الفترة التي أعيشها أنا، فقدمت عملاً بين التجريد الرمزي المبسط وبين الحركة، وقد حصلت على الجائزة الثانية في بنغلادش. واليوم صرت أرسمها بطريقة تعبيرية، تعبر عن اللحظة، جالسة في مكان مثلاً أو واقفة أو تتحرك، وقد رسمتها في البداية بشكل واقعي، ثم حولتها إلى رمز، واليوم أعيد تجسيدها، ولكن من خلال إخفاء الملامح، لأنني أريد أن يرى المشاهد “مهيرة” كما يريدها هو، وأن يكون لكل شخص “مهيرة” خاصة به. تفاصيل ومكونات اللوحة التكوينات والكتل في عمل عبد الرحيم سالم تشكل عناصر أساسية في بناء اللوحة، البناء المتين الذي يظهر امتلاء اللوحة بموضوعها، فالكتلة الأبرز هي للمرأة، مع خلفية من الطبيعة أو البيئة أو الفضاء المحيط، ووسط هذا المحيط الذي يأخذ ألواناً شفافة تبرز كتلة المرأة بصورة أقرب إلى المنحوتة الملونة، حيث الخطوط القوية والانحناءات توحي بالصلابة في الحضور والقوة في الوجود. وسواء كانت اللوحة تجريدا للمرأة، أو كانت تجسيداً لها، وهذا هو الغالب، فهي لوحة تعبيرية تحمل قدرة عالية في التعبير عن كل ما يجول في نفس الفنان.. إنه مولع بالتفاصيل من جهة، لكنه مولع بالكتلة النهائية في صورة أكبر، لهذا فليس من الضروري لديه بروز أعضاء المرأة كلها، بل إنه أحياناً يتركها بلا رأس أو بلا يدين، وأحياناً لا يظهر منها سوى وجهها وملابسها، فالمهم هو الحضور الأنثوي والمعنى الذي يحمله. ثيمة العري البارزة هذه ذات دلالات نفسية عميقة، والعري بالنسبة إليه “ليس هو العري الفاضح أو المتصل بالجنس، إنه تعرية الذات، العري الداخلي، إنه محاولة للكشف عن جماليات الشكل، كما ينطوي على إسقاطات ودلالات روحية عميقة”. أما عن حقيقة النساء اللاتي يحضرن بقوة في أعماله، وهل هنَّ مستلهمات من شخصيات واقعية؟ فهو يؤكد “أنهن نساء عرفهن في حياته، وجرى تخزينهن في الذاكرة أو في اللاوعي”. وتبرز في أعمال سالم اللمسة الساحرة للضوء الذي يشع من اللون، فاللون هنا عبارة عن إضاءة ساطعة تستوحي الطبيعة والبيئة المحيطة، بيئة غنية بالألوان الفاتحة والغامقة، وحول هذا الجانب يقول الفنان: “أعتمد في اختيار الألوان ومزجها على الحالة النفسية التي أكون فيها، وهناك بالتأكيد تأثيرات معينة للبيئة التي أعيش فيها أو تعيش في ذاكرتي، كما أن هناك تأثيراً للمكان وتفاصيله، ففي بعض أعمالي مثلاً استعملت الأزرق بتأثير من زيارة لي إلى المغرب”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©