السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الأزمة المالية تهدد أسس العولمة الاقتصادية

الأزمة المالية تهدد أسس العولمة الاقتصادية
15 أكتوبر 2008 00:05
بالرغم من الانتعاش المفاجئ الذي شهدته الأسواق المالية في جلسات البورصات العالمية يوم الاثنين الماضي والذي فضّل خبراء أن يطلقوا عليه اسم (الاثنين الأبيض) مقارنة بيوم (الاثنين الأسود) الذي شهد انهيار الأسواق في 15 سبتمبر الماضي، إلا أن المحللين يعتقدون أن أخطار وتداعيات الأزمة لا تزال تهدد أسس العولمة الاقتصادية والمالية· ويرى المحلل مارتن وولف أن هذه الأزمة تعدّ أول اختبار حقيقي لقدرة العولمة على الصمود في وجه الأعاصير المالية، ويقول: إن العولمة تمثل أعظم مظهر اقتصادي وسياسي خلال العقود الثلاثة الماضية· وهي التي أدت إلى انتشار فائض العمالة الآسيوية في الاقتصادات العالمية، وحررت الشركات وأسواق المال من مفهومها المحلي الضيق حتى أصبحت نشاطاتها تغطي العالم بأجمعه· ولكن السؤال الملحّ الذي يطرح نفسه الآن: هل يمكن للعولمة أن تنجو من تداعيات الأزمة الراهنة؟ ويجيب بالقول إن المراجعة المتأنية للأزمة المماثلة التي شهدها العالم عام 1929 وما أدت إليه من تداعيات خطيرة في الثلاثينات من القرن الماضي، تجعل من العسير النظر إلى الموضوع بعين التفاؤل· وكان العالم في تلك الفترة يعيش نتائج الحرب العالمية الأولى التي امتدت بين عامي 1914 و،1918 وهي التي ألحقت أضراراً كبرى بمظاهر وأسس العولمة (النسبية) التي تحققت أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من دون أن تؤدي إلى دمارها الكامل· وكان الاقتصاد العالمي قد بدأ يتعافى من نتائجها في سنوات عقد العشرينات عندما فوجئ بالانهيار الكبير لسوق وول ستريت عام 1929 وما أعقبه من كساد شامل في أعوام الثلاثينات· وخلال فترة الكساد هذه، اختارت معظم دول العالم سياسة الاكتفاء الذاتي كحل وحيد لوقف ظاهرة النزيف المالي· وفي أواخر عقد الثلاثينات، كان الاقتصاد التكاملي العالمي الذي استغرق بناؤه زهاء نصف قرن قد أصبح مجرّد ذكرى أو مادة مدرجة في التاريخ الاقتصادي العالمي· ويتساءل وولف: هل يمكن لأسواق اليوم أن تثبت أنها أكثر قدرة على الصمود مما كانت عليه في تلك الأيام؟ وقد تتضمن عملية المراجعة السريعة للتحديات التي واجهها العالم خلال السنوات المنقضية من بداية القرن الحادي والعشرين أنباء طيبة تبررها القدرة التي أظهرها على تجاوز تحديات خطيرة على رأسها الإرهاب والحروب المتعاقبة والعديد من الأزمات المدمرة التي عصفت بأسواق المال· وكانت الخبيرة المالية كارمن راينهارت من جامعة ماريلاند وكينيث روجوف من جامعة هارفارد قد قالا في إحدى الندوات التي نظمت مؤخراً: ''إن عصر العولمة الذي نعيشه تحول بالفعل إلى عصر للأزمات البنكية''· وفيما نشأت معظم هذه الأزمات في الاقتصادات الناشئة، إلا أنها تمكنت من جرّ اقتصادات اليابان والدول الاسكندنافية إلى الهاوية في بداية عقد التسعينات· وكانت التداعيات المؤلمة لتلك الأزمة المالية أن تستمر في التأثير على الاقتصاد الياباني لأكثر من عشر سنوات· ويمكن للمتابعين لتطورات ونتائج هذه الأزمة أن يلاحظوا أنها بلغت قمة التعقيد أواخر عقد التسعينات ثم بدأت بعد ذلك بالتلاشي· وبمقارنة هذا بما يحدث الآن، يمكن للمرء أن يخرج بنتائج مطمئنة· وهذا الاحتمال وارد جداً في عقلية البعض ممن يرون أن عصر الأزمات ربما يكون قد أشرف على نهايته خاصة بعد أن عرف العالم من خلال الأزمة الراهنة الشروط المثلى لعمل النظام المالي المنفتح أو (المعولم)· ويمكن للمرء أن يستقي من هذا النموذج أخباراً سيئة أيضاً، ونظراً لأن الأزمة الراهنة ضربت الولايات المتحدة وأوروبا اللتين تستأثران بأكثر من نصف القيمة السوقية للأسهم والأوراق المالية العالمية، فإن هذه الأزمة تعدّ الأكثر عنفاً منذ أزمة الانهيار الأكبر للأسواق في عام ·1929 وبلغت التفاصيل المتعلقة بأسبابها ونتائجها حداً من التعقيد جعلها أضخم من قدرة كبار الخبراء على التحليل والاستيعاب· فما تأثيرها على العولمة التي تعتمد بشكل أساسي على مواصلة تبني سياسات الاقتصاد الليبرالي المنفتح عبر العالم أجمع؟ بالرغم من أن التكنولوجيا أدت دوراً حاسماً في تخفيض تكاليف الاتصالات وتناقل المعلومات، إلا أنها لم تنجز دورها المطلوب في تحقيق التواصل العالمي المطلق في مجال عقد الصفقات الفورية وتناقل القرارات التجارية الحاسمة بالسرعة المطلوبة· وتعد التجارة المحرك الأساسي للعولمة، وفي كافة مراحل الدورة المتتابعة للعمل، حققت التجارة من النمو ما يفوق قدرة العالم على الإنتاج· وعلى سبيل المثال، حققت الصادرات العالمية المصنعة بين عامي 2001 و2006 نمواً سنوياً قياسياً بلغ 7,7 بالمائة فيما بلغ معدل نمو الطاقة الإنتاجية للمصانع العالمية 4 بالمائة سنوياً· وتعمل الأزمة المالية الراهنة على تهديد العولمة لثلاثة أسباب، يكمن أولها في أنها سوف تخفض الرغبة النفسية بتحرير الأسواق المالية، لدى صنّاع القرار الاقتصادي في العالم· وإذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا قد عجزتا عن تحرير أسواقهما المالية، فهل نأمل من الاقتصادات المندمجة (المعولمة) أن تقوم بذلك؟ ويكمن الثاني في أنها أضرّت بصدقية رأسمالية السوق الحرّة· وهذا سوف يترك أبلغ الأثر ليس على النظام المالي وحده، بل وأيضاً على التجارة والاستثمار المباشر· ويتعلق السبب الثالث والأخير بأن الأزمة المالية سوف تضعف من وضعية الاقتصاد العالمي ككل· فإذا ما دخلت اقتصادات أميركا وأوروبا مرحلة الركود، فإن من المتوقع أن تلجأ إلى تطبيق مبدأ الانكفاء على الذات· ويكون على العالم الآن أن يستقي العبر والدروس من هذه الأزمة المعقدة· ولعل من أهمها على الإطلاق أن ينبذ الناس فكرة (الاكتفاء الذاتي)· وإذا ما حدث ذلك فإن الأزمة الراهنة لن تمثل أكثر من سحابة سميكة عابرة· عن (فاينانشيال تايمز)
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©