الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوسف الخاجة.. رأى الفنون كما يرى الطائر المحلق الأرض

يوسف الخاجة.. رأى الفنون كما يرى الطائر المحلق الأرض
18 يناير 2018 19:25
في تاريخ البحرين الثقافي المضيء، توجد شخصيات يحتار المرء في كيفية تصنيفها، ومبعث الحيرة هو أننا أمام رجالات امتلكوا مواهب متعددة، ونشطوا في حقول ثقافية وفنية متنوعة.. هذا الكلام أكثر ما ينطبق ينطبق على يوسف قاسم الخاجة، الذي عرفه بحرينيون وخليجيون كثر، مصوراً ورساماً ونحاتاً وعازفاً ومفتوناً بالأسفار والابتكار والمسرح والتمثيل والإخراج وأشغال الديكور والإضاءة، وغيرها. المحزن في حكاية هذه الشخصية العبقرية الموسوعية ليس رحيله عن دنيانا بصمت وهدوء، وإنما أيضاً عدم تسليط ما يكفي من أضواء على سيرته، هو الذي كان ذات حقبة سيد «الفلاشات» بلا منازع. بحثت طويلاً، علني أجد توثيقاً لحياته الحافلة بالنجاحات والإبداعات والمغامرات، فلم أعثر إلا على مقال كتبه حسين المحروس في موقع «جهات الشعر»، من وحي حوارات دارت بينهما من مارس إلى مايو 2001 في مكتب الخاجة بالرفاع الشرقي. لذا، فإن حديثنا سيعتمد، بالدرجة الأولى، على ما كتبه المحروس، مع تطعيمه بمعلومات من أناس عاصروه أو عملوا معه. ولد الخاجة بالمنامة عام 1924، ابناً لأسرة نزح أجدادها إلى البحرين، وكان ميلاده ونشأته في فريج الفاضل العريق، الحي الأشهر في العاصمة، والأقرب إلى البحر والفرضة والأسواق، والأكثر تنوعاً لجهة العائلات التي تسكنه. فقد كان مكاناً لسكن عائلات تجارية وشخصيات بحرينية مثقفة معروفة، مثل الفاضل والوزان وآجور وكانو والزين وأحمدي والمؤيد وبهزاد ورفيع والمردي والحمر والشتر ويتيم والنعمة، كما كان الفريج يحتضن منازل كبار التجار النجديين، مثل: الذكير والبسام والعجاجي والقصيبي، ناهيك عن احتضانه مساكن بعض العائلات التجارية الهندية، وبعض العائلات من الطبقة البحرينية الفقيرة والمتوسطة وغيرهم. وأستطيع أن أجزم بأن أجواء «فريج الفاضل» وتنوعه الثقافي، لعبا دوراً في التكوين الأولى لصاحبنا، فنشأ عاشقاً للحرية والجمال، محباً للجميع، نابذاً للعنف، مهيأ لدخول العوالم المجهولة وتجربتها دون رهبة. «فريج الفاضل» أما ساحل البحر القريب من «فريج الفاضل»، وفضاءاته الواسعة، واللهو في مياهه، وانعكاس أشعة الشمس عليه، فقد أوجد في داخله مشاعر رومانسية ساعدته فيما بعد على حسن الاختيار والتذوق الفني وابتكار الأشياء. درس الخاجة في الكتاتيب، فختم القرآن الكريم في سن الرابعة، وأجريت له طقوس ارتداء الجبة والغترة والعقال والتمنطق بالسيف والسير بهكذا منظر في موكب احتفالي داخل الأزقة وحول البيوت. كان ختم الطفل للقرآن آنذاك شرطاً لقبوله في «المدرسة الجعفرية».. لكن هذه المدرسة، كما غيرها من مدارس تلك الحقبة كانت مذمومة، يتجنب الناس - المتعصبون تحديداً - إرسال أولادهم إليها بدعوى أنها مدرسة «إلحادية» تعلم طلبتها أشياء قد تودي إلى الكفر، مثل «كروية الأرض»، و«أصل الإنسان»، وغيرهما. والد الخاجة، لحسن حظ صاحبنا، لم يكن من هؤلاء، رغم أنه كان قليل التعليم ومجرد بائع للكيروسين.. فالأمي الفقير قد يكون أحياناً أكثر انفتاحاً من المتعلم الغني.. وهكذا وجد الخاجة نفسه طالباً في مدرسة تغير فيها اسمه من يوسف جاسم إلى يوسف قاسم بسبب نطق بعض المدرسين المصريين للفظ جاسم. الدروس المكثفة عن هذا المنعطف في حياته، قال: «في المدرسة بدأت الدروس المكثفة، بعد أن تأكد مديرها المصري الذي لا يفارقه الطربوش الأحمر، أنّنا لن نغادر المدرسة للغوص، أو لأيّ عمل آخر.. كان المنهج يحتوي على الفقه، والتفسير، والعبادات،، وقرأنا كتاب «القراءة الرشيدة»، وبعض مبادئ الحساب.. وبعصاةٍ غليظة طويلة اسمها «سَمْحَانة» أُعدت للكسالى من التلاميذ كان الأستاذ المرحوم سالم العريّض يدرسنا اللغة الإنجليزية، ويحملها معه أينما حلّ، ويحمل إلى عقولنا لغة نتعرف إليها للتو». أكثر ما استهوى الخاجة درس الموسيقى على يد الأستاذ «أجدان» الذي أحضرته الشرطة لتعليم طلبة المدرسة الموسيقى صباحاً، لكنه كان يتطوع من تلقاء نفسه ويعطي دروساً إضافية للراغبين عصراً. على يده تعلم الخاجة الضرب على طبل الترانبيت، والعزف على بعض الآلات الموسيقية، مثل آلة الكورنيت، فصار مهيئاً للمشاركة في العزف خلال المواكب والاحتفالات المحلية.. وكانت هذه الخطوة الأولى لانخراطه لاحقاً في العزف على العود وقيادة الفرقة الموسيقية التابعة لـ «أسرة هواة الفن الموسيقي». الفن المسرحي لم تكن الموسيقى وحدها ما شغل باله آنذاك، وإنما أيضاً الفن المسرحي، الذي أدخله المدرسون السوريون إلى مدرسته الابتدائية، فعشقه سريعاً بدليل انضمامه إلى فرقة المدرسة المسرحية التي بدأت نشاطها بعرض مسرحية مجنون ليلى.. «في هذه المسرحية كنتُ ممثلاً وجمهوراً.. ممثلاً لأوّل مرّة يشترك في مسرحية، وجمهوراً لأوّل مرة أيضاً يرى مسرحية في حياته.. هنا انتقلتُ بمسرحي الطفولي من ساحل البحر وأمواجه إلى خشبة المسرح.. لكن المسرح لم يستطع وحده إرضاء حرارة المغامرة في دمي وشبابي وحيويتي وذاتي.. بحثت عمّا يشبع جزءاً من تلك المغامرات في المدرسة، فلم أجد غير الفرقة الكشفية التي اشتركت بها في سنتي المدرسية الثالثة». بعدما أنهى دراسته الابتدائية، التحق بمدرسة الهداية الخليفية بالمحرق، وكان أول ما تلقاه فيها «علقة ساخنة» من مديرها سالم العريض «معلم الانجليزية في مدرسته الابتدائية سابقاً» باستخدام عصاته «سمحانة».. كان سبب العقوبة «شقاوة بريئة» تمثلت في استعراض مواهبه، برسم مدرس مادة الدين الأستاذ عبدالله بوبشيت بعمامته على السبورة قبل لحظات من دخوله الصف.. ويبدو أن موهبة رسم الأشخاص بصورة كاريكاتيرية استولت عليه في هذه الفترة من حياته بدليل أن مدرسين آخرين لم يسلموا من ريشته، مثلما لم تسلم صفحات كتبه المدرسية من صرير أقلامه. هذه الموهبة قادته للالتحاق بدورة لتعلم الرسم بإشراف متولي أحمد متولي أحد مدرسي البعثة التعليمية المصرية، مقابل 25 روبية. وفي هذا السياق، أخبرنا ما مفاده أنه كان يذهب إلى المحرق لحضور الدورة على ظهر دراجته الهوائية، عابراً بها جسر الشيخ حمد، وأن البيت المخصص للدورة بالقرب من نادي المحرق كانت به خادمة «كنا نطلب منها الجلوس أمامنا لرسم وجهها فقط».. وهكذا تعلم صاحبنا كيفية رسم ملامح الوجه، وعند عودته إلى المنامة كان يجلس في ساحة البيت بالقرب من بقرتهم ويرسم أقدامها، لكنه يلخص قصته مع الرسم في عبارة «هذا الأستاذ المصري خلخل أمنيتي في الرسم ثم أزالها». فهل فعلاً ترك الرسم كلياً؟ أم أنه تخلى عنه مؤقتاً ليرتبط بفن مشابه له؟ المجسمات والتماثيل بعد الرسم اتجهت أبصاره، المحدقة دائماً في ما حوله بعين الطائر المحلق، إلى فن المجسمات والتماثيل.. ففي أحد أيام الجمع، وجد نفسه وحيداً بسبب ذهاب أفراد العائلة إلى عين «أبوزيدان» في قرية الخميس، فاستغل خلو البيت للإقدام على مغامرة جديدة لم تكن سوى الاقتراب من كيس من الأسمنت الأبيض «الجص» كان والده قد أحضره إلى البيت للقيام ببعض الترميمات. فوجئ الخاجة بأن الإسمنت بعد سكب الماء عليه صار عجيناً متماسكاً، الأمر الذي أغراه بصنع تمثال لامرأة.. قال عن هذه الواقعة: «انتهيت من العمل وانتهت رحلة أهل الحي عند المغرب. لم أنس ضرب أمي حتى الصباح. كان ذلك بعض الجزاء. والجزاء الآخر تكسير أمي للتمثال». قلنا إن الرجل عشق المسرح، فهل انتهت علاقته بهذا الفن الراقي؟.. كلا! ذلك أنه حول ساحة البيت، حيث كانت أمه تربي الماشية، إلى أول مسرح في «فريج الفاضل»، بمساعدة أصدقائه خليل زباري، وجاسم زباري، وعلي تقي الذين ساعدوه في صنع ستارة المسرح، وكانوا يختارون النصوص التمثيلية من كتاب «القراءة الرشيدة» المقرر عليهم مدرسياً، ويمثلونه أمام الأطفال ونسوة فريج الفاضل اللواتي كانت أم يوسف تدعوهن للمشاهدة.. وقد أخبرنا الخاجة أنه إذا ما صادف حضور إحدى السيدات قبل نهاية العرض، كانت أمه تصرخ: «ابدأ من الأول يا يوسف لأن فلانة ما شافت» فنبدأ! وبطبيعة الحال كان هذا قبل سنوات من بروزه في عالم المسرح كمهندس ديكور ومصمم مبتكر، وصاحب فضل كبير في نجاح مسرحية عبدالرحمن الناصر، التي أخرجها محمود المردي وتم عرضها سنة 1947 على مسرح النادي الأهلي بالمنامة، وتعد علامة بارزة في الحركة المسرحية البحرينية. قصر الحمراء فطبقاً للشاعر قاسم حداد، فإن النجاح يرجع إلى التجسيد الحي للمناظر المسرحية الأندلسية التي نفذها الخاجة. حيث قام الأخير بصنع تماثيل من الجبس لإبراز قصر الحمراء، كما قام بصناعة تماثيل لأسود تخرج المياه من أفواهها.. ولأن المياه لم تكن موصلة وقتذاك أي في عام 1947، اتفق الخاجة مع السقايين لجلب ما يكفي من المياه لتخزينها، ثم دفعها إلى أفواه الأسود من خلال أنابيب بلاستيكية صنعها بنفسه.. أما الأسود، فقد صنعها - طبقاً لما رواه الباحث البحريني مبارك الخاطر في كتابه «المسرح التاريخي في البحرين» - من طين الأواني الفخارية بعد أن جلبها من الرفاع وخلطها بشعر الماعز، قبل أن يُطليها باللون الأبيض. وبهذه الرؤية كان الخاجة قد استجاب موضوعياً وفنياً لمتطلبات هندسية حتمها النص المسرحي. ذكر الخاجة أن المسرح جعله عاشقاً للتمثيل، وأنه بمجرد قراءته لإعلان منشور في «روز اليوسف» المصرية عن طلب ممثلين يمتازون بالوسامة رغب في الذهاب إلى مصر لدراسة التمثيل وهو لم يتجاوز سن الـ 15، لكن ما وقف ضد تحقيق طموحه هو انعدام المال.. وهنا يخبرنا أنه حاول التغلب على المشكلة بالاستعانة بالرسم الذي هجره، فيقول إنه رسم بالقلم الرصاص صورة لمستشار حكومة البحرين البريطاني «تشارلز بلغريف»، وعمل لها إطاراً، وأخذها إلى بيته بالمنامة، علّ الأخير يرحب بموهبته ويمنحه بعثة لدراسة التمثيل أو يكافئه، غير أن ما حدث هو أن سكرتير المستشار لم يصدق أنه صاحب اللوحة، بل توعده بالعقاب بتهمة الكذب.. وهكذا لم يتحقق له ما أراد من الرسم الذي ظل يأتيه بينما هو يصد عنه هارباً إلى التصوير على اعتبار أن التصوير والرسم أخوان خرج أحدهما من ضلع الآخر، على حد قوله. بعد إكمال دراسته في الهداية الخليفية، أراد العمل في شركة النفط، فلم يوفق.. لكن من حسن حظه أنه طرق باب مستشفى الإرسالية الأميركية.. وفي أعقاب أمتحان صعب في اللغة الإنجليزية نجح في اجتيازه، تم قبوله كعامل تحت التدريب براتب شهري قدره 18 روبية.. كانت تلك بمثابة نقلة في حياته، حيث تقابل فيها مع أصدقاء جدد من أمثال عبدالنبي سبكار، وخليل ترابي، وعبدالحسين سبكار، وتعلم خلالها أشياء جديدة بحكم نظام المستشفى القائم على نقل الموظفين من قسم إلى آخر كل ستة أشهر «على اعتبار أن ذلك يؤمن للمستشفى غطاء عملياً في حال غياب موظف ما عن قسم من الأقسام». وقد طُبق هذا على الخاجة، فتنقل ما بين أقسام المختبر والصيدلة والتمريض، لكن القسم الذي وجد هوى في نفسي كان قسم الأشعة والتصوير، حيث كان يترأسه خليل ردباري، وحيث التقى أحماض التظهير وشاهد للمرة الأولى ما يحدث للصورة بعد التقاطها، ورأى كيف يحمض ردباري صوراً خاصة به. في هذه الفترة قام مستشفاه بإرساله في دورة إلى مستشفى بالهند، وبعد انتهاء دورته انتقل إلى بومباي، حيث التقى البحرينيين عبدالله اليماني وحامد اليماني اللذين أخذاه إلى ستوديوهات إنتاج الأفلام الهندية، حيث عمل متدربا لأكثر من شهر ونصف الشهر، فتعلم الكثير من أسرار صناعة السينما. مصور فوتوغرافي بعد عودته من الهند، قرر الخاجة المهووس بالتصوير آنذاك أن يبني غرفة تصوير مظلمة في بيته، وأن يستخدم الكاميرة ذات الجسم الخشبي، وأن يحمض صوره في مكان عمله بالمستشفى. أما طباعة الصور فكانت تحتاج إلى ورق خاص وهذا كان يشتريه من محل «فيكتور مراد» الكائن حينذاك في الموقع الحالي لتشارترد بنك بشارع الحكومة. وهكذا تحول صاحبنا إلى مصور فوتوغرافي يأتيه الناس إلى بيته ليلتقط لهم صوراً، فكان يقوم بتصويرهم في بادي الأمر باستخدام أشعة الشمس، قبل أن تصل الكهرباء إلى فريج الفاضل، فيستخدم مصابيح الإضاءة ويتفنن في توجيه الفلاشات وتكوين الظلال وإخفاء أجزاء الوجه غير المرغوب ظهورها. وسرعان ما شعر الخاجة، وهو في سن الـ 17، أن إمكانيات كاميرته أقل من طموحاته، فاستدان 90 روبية من الطبيب إستورن - على أن يسدده من راتبه بالمستشفى - دون أن يخبره بدوافع الاقتراض التي لم تكن سوى شراء كاميرة متطورة من محل جينجرا الكائن في الموقع الحالي لفندق العاصمة بالمنامة.. وبعد أن دربه جينجرا على تقنيات الكاميرة الجديدة، افتتح الخاجة محلاً للتصوير سماه «ستوديو أوال»، قريباً من محل جينجرا، وليس بعيداً عن فرضة المنامة التي كان يصلها رعايا الكويت وعمان والسعودية وغيرهم لممارسة الغوص وصيد اللؤلؤ. بدأ الخاجة عمله في محله الجديد بشغف، وراحت مداخيله المالية تكبر وزبائنه يكثرون، خصوصاً بعدما تزود بآلات تصوير أكبر واستحوذ على مصابيح الإضاءة الكبيرة المعروضة للبيع من قبل الجيش البريطاني المرابط بالمحرق، ناهيك عن تصميمه لخلفيات جميلة لمكان التصوير. غير أن كثرة زبائنه وزيادة أعبائه جعلته يغيب عن عمله الأصلي في المستشفى الأميركي، أو لا يلتزم بالدوام. ولم يمضِ وقت طويل حتى عرفت إدارة المستشفى سبب تغيبه المتكرر، وهو ما جعل رئيسه الطبيب إستورن يغضب عليه ويطلب منه ترك التصوير، والعودة إلى عمله.. وتشاء الصدف في تلك الفترة أن يسافر مسؤول التصوير بالمستشفى، خليل رد باري، فيطلب إستورن من الخاجة الحلول مكانه. ولبى الخاجة طلب إستورن، فيما استمر «استوديو أوال» يعمل بنجاح قبل أن يقرر صاحبه إغلاقه. عن أسباب الإغلاق أخبرنا الخاجة أنه لم يتعرض قط لضغوط بشأن اشتغاله بالتصوير إلا من شخص واحد كان يحترمه كثيراً هو التاجر حسين يتيم «الذي يقع مكتبه في شارع الأستوديو نفسه.. وكان حسين يتيم يخرج من مكتبه، ويقول (يوسف اترك عنك هالتصوير.. بنات يأتون إليك.. وأنت رجل شريف.. ولد ناس.. ولد أوادم.. بتخرب سمعتك.. لا تضيع نفسك في مثل هالأمور)». لكن بإغلاق محله في المنامة، هل هجر التصوير؟ كلا! لقد هجر المكان ولم يهجر حرفته. وملخص الحكاية أنه تعرف خلال دراسته في الهداية الخليفية على الثري السعودي سليمان العليان الذي كان وقتذاك تلميذاً معه. والمعروف أن العليان عمل في «بابكو» بعد تخرجه لبعض الوقت ثم التحق بشركة أرامكو بالظهران وتدرج في وظائفها قبل أن يستقيل منها كي يعمل مقاولاً منفذا لمشاريع الشركة نفسها من الخارج.. وأحب العليان البحرين لأنها علمته الإنجليزية «مفتاح الولوج إلى عالم الأعمال والوظائف»، وعرفته على الحياة المنفتحة والأفكار الخلاقة، فكان يتردد عليها باستمرار، بل كان يحرص في كل مرة أن يزور زميله الخاجة ليغني له بالعود أغنيته المفضلة «الجندول» لمحمد عبدالوهاب. وذات مرة أخبره الخاجة بموضوع إغلاق «ستوديو أوال»، فعرض عليه العليان أن يأتي إلى الظهران ويفتح محل تصوير بالقرب من المكتب الذي يستخرج منه المواطنون السعوديون العاملون في «أرامكو» هوياتهم الحاملة لصورهم. وبالفعل سافر الخاجة إلى الخبر ومنها إلى الظهران، حيث افتتح هناك أول ستوديو للتصوير في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية تحت اسم «ستوديو الظهران».. وحول عمله هناك، قال الخاجة ما مفاده أن الحياة وقتذاك «بدايات الخمسينيات» كانت صعبة ومرهقة، لكن الأعمال كانت كثيرة ومربحة، خصوصاً مع حصوله على الكهرباء مجاناً من «أرامكو». ولذلك استخدم أرباحه في افتتاح فرع لاستوديو الظهران في الدمام وآخر في الهفوف، وقام باستقدام الكثيرين من زملائه البحرينيين للعمل معه، كما جلب المزيد من آلات وأجهزة التصوير والإضاءة الحديثة من البحرين والعراق ولبنان، ونشر بين الناس فنونا وخدعا في التصوير لم يعرفوها من قبل. لكن الخاجة - طبقاً لاعترافه - أصيب بالإحباط، حينما تعرض لمضايقات من بعض المتشددين الذين اعتبروا التصوير أمراً منكراً ومخالفاً، فقرر بيع محليه في الظهران والدمام، وإهداء فرع الهفوف لأحد أصدقائه، والعودة إلى البحرين ليتوفى بعد سنوات طويلة فوق أرضها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©