الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فيلم ينقل مصاعب الحياة الفلسطينية العادية

فيلم ينقل مصاعب الحياة الفلسطينية العادية
15 أكتوبر 2008 01:06
''عيد ميلاد ليلى'' عنوان الفيلم الفلسطيني للمخرج رشيد مشهراوي·· بطل الفيلم المنفرد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى هو محمد بكري الذي اعتمد عليه النص وركز عليه الإخراج فكانت جميع الشخصيات التي ظهرت معه تؤدي أدواراً لا مهمة لها إلا إبراز شخصية البطل ورسالته التي يمكن أن نقول عنها: إنها صرخة لايقاظ الضمير الفلسطيني أولاً والضمير العربي ثانياً والضمير الإنساني أخيراً· يتحدث الفيلم عن يوم كامل في حياة أسرة فلسطينية أو في الواقع يوم كامل في حياة رب الأسرة المدعو أبو ليلى· تتكون هذه الأسرة من الأب والأم والطفلة ذات السبع سنوات من عمرها·· ويصادف هذا اليوم المختار من حياة أبوليلى في رام الله الواقعة تحت حكم السلطة الوطنية الواقعة بدورها تحت الاحتلال الإسرائيلي، ويصادف عيد ميلاد الطفلة ليلى التي تطلب أمها من أبوليلى الحضور قبل الثامنة مساء للاحتفال بهذه المناسبة واحضار الشمع والتورتة معه· أبوليلى كما نفهم من سياق الفيلم كان يعمل قاضياً ولكن لأسباب ترجع إلى الأزمة المالية للسلطة الوطنية فقد تم الاستغناء عن خدماته وراتبه كما اضطرت أن تفعل مع كثيرين غيره وفي مواقع عمل أخرى· أمام هذه الأزمة الخاصة المتداخلة بالأزمة العامة للشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية يضطر أبوليلى للعمل سائقاً لسيارة أجرة (تاكسي) وفرّها له شقيق زوجته· وخلال ساعة وعشر دقائق هي مدة عرض الفيلم نتجول مع أبوليلى في سيارة الأجرة ونلتقي بنماذج مختلفة من شعب يعاني من الاحتلال ويتعرض لحوادث عديدة منها انفجار في موقع مدني قريب منه، ومنها عطل سيارته الى أن يتمكن اخيراً من الحضور في الموعد ويحتفل بعيد ميلاد ابنته· وكان من الطبيعي أن تسأله زوجته وهو يقدم لها باقة من الورد لم يقم بشرائها ولكن وضعت بطريق الخطأ على سيارته· - كيف كان يومك؟ بعد تفكير سريع، فرض علينا كمشاهدين عاشوا معه تفاصيل ذلك اليوم أن نستحضر إجابات كثيرة لم تكن من بينها تلك الإجابة البسيطة التي جاءت على لسان أبوليلى· - كان عاديا· وينتهي الفيلم بهذه الكلمة الموحية البسيطة·· كان عاديا ولكن جميعنا أدركنا أن العادي هنا غير العادي بالنسبة لأي شعب آخر غير الشعب الفلسطيني· اعتمد الفيلم كما لاحظت على النص الذي حاول كاتبه أن يكثف في يوم واحد ما يمكن أن يحدث خلال سنة أو أكثر· لم يركز السيناريو الموضوع على الحوار·· بل كلّف الكاميرا أن تنوب عن شخصيات الفيلم المتعددة في صنع خطاب تسمعه العين وينساب من خلاله إلى القلب· ولم تكن اللهجة الفلسطينية صعبة الفهم بالنسبة للمشاهد العربي خاصة أن الجمل كانت قصيرة والحوار كان مكثفاً وسريعاً· بدأ الفيلم بعرض صامت لما يشبه الحلم المزعج في غياب كامل للموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية، وهذا ساهم في صنع جو من الإثارة انتهى بدخول موسيقى الافتتاح والمؤثرات الصوتية الأخرى ونهوض أبوليلى من سريره مفزوعاً، وكذلك نحن المشاهدين·· وكانت هذه أول جملة في رسالة الفيلم· - هكذا ينام ويصحو شعب فلسطين· يتفقد أبو ليلى بعد استيقاظه المكان من شرفة منزله ونتجول معه في غرف المنزل وندخل إلى غرفة نوم ابنته ليلى حيث يقوم بكل حنان الأب وعطفه بوضع الغطاء على ابنته الصغيرة· لاحظنا أن البيت الذي اختاره المخرج كان جميلاً وأنيقاً لا يمكن أن يسكن مثله إلا أسر لديها دخل كاف لشراء أو حتى استئجار بيت كهذا البيت وهذه لفتة هامة اعتقد أن المخرج تعمدها لإظهار شريحة أخرى وهي الشريحة المتوسطة بينما كان العادة في أفلام أخرى أن يتم التركيز على حالة الفلسطيني البائس· ولهذه اللفتة مغزاها وهو يصور حياة الفلسطينيين في ظل السلطة الوطنية رغم أن هذه السلطة مازالت تحت نير الاحتلال المسيطر على كل المقدرات الاقتصادية لهذا الشعب· حتى الأماكن التي تجولنا فيها مع أبوليلى كانت بعيدة عن تصوير الأحياء الفقيرة والبائسة، بل ظهرت بعض المناطق الجميلة والفخمة في رام الله عاصمة السلطة الوطنية الفلسطينية· ومن البداية ظهر أبو ليلى شخصية قانونية ملتزمة فهو ليس مجرد قاض في العمل بل هو قانوني في جميع تصرفاته وسلوكه مع الآخرين·· وهو يعتقد أن غياب القانون هو المشكلة الحقيقية لشعبه بدءاً من غياب القانون الدولي الذي في غفلة منه وفي مخالفة صريحة له يُحتلّ وطن ويُضطهد شعب ويتحكم الظلم والطغيان، ومروراً بعدم التزام المناضلين الفلسطينيين بقانون الديمقراطية مما يجعلهم مختلفين متصارعين ممارسين لأبشع صور الإرهاب· وإن لم يقل الفيلم ذلك بشكل مباشر إلا أنه همس بهدوء رائع بكل هذه المعاني·· وسجل بلقطات موحية وهادئة وبسيطة ذلك الخطاب الشامل الحاسم من اللقطات الأولى للفيلم نسمع أبو ليلى يقول: - اخبري أخاك أن يقوم بعمل تأمين السيارة أنا لا أقود سيارة غير مؤمنة· - تقول: معظم السيارات عندنا غير مؤمنة ولا أحد يهتم· - يقول بحسم: أنا أهتم· أما الراكب الأول الذي يتحدث معه عن وزارة العدل وأهميتها في تطبيق القانون يقول له وهو يغادر السيارة· - العدالة هي عندالله فقط· الراكب الثاني الذي لا يريد أن يربط الحزام على اعتبار أنه لا أحد يهتم يجبر من قبل أبوليلى أن ينزل ليجلس في المقعد الخلفي· وعندما يصبح دوره أن يطبق القانون عندما يجد جهاز هاتف نسيه أحد الركاب في سيارته·· لا يتأخر عن الذهاب إلى مركز الشرطة والتعرض للعطل والتأخير ليقوم بواجبه في تسليم الجهاز المنسي للشرطة· وهكذا من خلال وجود أشخاص مثل أبو ليلى في المجتمع الفلسطيني يكون الأمل في الخلاص·· رغم السلبيات المتمثلة في الفلتان الأمني وظهور المسلحين في الشوارع والطرقات من غير رجال الأمن· ورغم سلبية بعض رجال الأمن الذين وجدنا أحدهم يقوم بتوقيف سيارة أبو ليلى لا لمخالفة قانونية ولكن ليساومه على شرائها·· إلا أن الفيلم يصل بالمشاهد إلى أن الأمل هو الأقوى· فيلم ''عيد ميلاد ليلى'' فيلم جميل رغم بساطة المشاهد التي قدمها المخرج والتي روعيت فيها على ما أعتقد الميزانية المحدودة للفيلم، واستطاع بتحريك ذكي للكاميرا أن ينقلنا إلى أجواء مدينة رام الله وأن يجعلنا ندخل مفاهيمها ومحلاتها التجارية، ونحضر حفل زواج اطلقت فيه الأعيرة النارية ورقص الشباب فيه في الشارع· ولاشك أن الممثل محمد بكري والذي حمل منفرداً عبء هذا الفيلم قد استطاع أن يحفر صورته في ذاكرة كل من شاهد هذا الفيلم· عندما سألت الفنان العربي السوري جمال سليمان عن محمد بكري وكان قد حضر العرض ايضا أخبرني انه فنان كبير، وله أعمال كبيرة وعالمية وحصل على العديد من الجوائز عن تلك الأعمال· وبالفعل لم يظهر في ذلك الفيلم غيره رغم تعدد الشخصيات التي التقى بها كسائق سيارة أجرة ولكن كل تلك الشخصيات كانت مهمتها إظهار الشخصية الرئيسية شخصية أبو ليلى التي جسدها الفنان المبدع محمد بكري· التصوير كان متقناً لا من حيث اللقطات المنفذة فحسب بل من حيث مستواها التقني وعمليات المونتاج والنسخ وتحويل الصوت إلى فيلم· أما الموسيقى التصويرية فكانت أكثر من رائعة ومنسجمة مع المشاهد التي رافقتها وعبرت بهدوئها وصرخاتها عن تسلسل الأحداث وتموج المشاهد لتضيف إلى فيلم ''عيد ميلاد ليلى'' زخماً مهماً ساعد بشكل واضح على نجاح هذا الفيلم الفلسطيني الرائع في بساطته وإلهامه في رسالته· فيلم ''عيد ميلاد ليلى'' يشكل إنجازاً هاماً للسينما الفلسطينية التي يتأكد وجودها عاماً بعد عام، انه فيلم ملفت وعمل يستحق التقدير·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©