الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سنة حائرة... سنة واعدة!

29 ديسمبر 2009 13:00
توشك 2009 أن تنتهي، ويوشك أوباما أن ينتصر في إحدى أهم المعارك التي وعد بها، أن يعدّل نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة. وقد ينجح قريباً في إغلاق معسكر الاعتقال في جوانتانامو ليحقق إنجازاً آخر مرتقباً باهتمام في أميركا وخارجها. قبل ذلك، كان الاقتصاد بدأ يتعافى، وبدأت الأسواق تنتعش، رغم أن الصعوبات لم تُزل نهائياً بعد. كل المراجعات للسنة المنصرمة تبدأ بأوباما وتنتهي به، فالعالم الغربي يراهن عليه، أكثر من العالم العربي أو سواه، آملاً في أن يتمكن من تصفية الإرث البوشي بما أمكن من السرعة، ليطرح عندئذ ما عنده من "تغيير" طالما بشّر به. السنة الأوبامية الأولى تركت العرب في حيرة، ولعلها تركته هو أيضاً في حيرة في ما يتعلق بالشأن الشرق أوسطي أو الخليجي. بدا كأن قفزاته الواسعة إلى الأمام كانت مبنية على حسابات متسرعة أو على أوهام. فالصدمة الإيجابية التي أحدثها موقفه القوي ضد استمرار الاستيطان ما لبثت أن تحطمت عند الحائط الإسرائيلي، الليكودي المدعّم بمن هم على يمينه. والصدمة الإيجابية الأخرى التي أحدثها اندفاعه إلى فتح صفحة جديدة مع إيران تحطمت أيضاً عند حائط المتشددين. لهذا اضطر إلى التراجع أمام الابتزاز الإسرائيلي من دون أن يتخلى عن موقفه الذي أضحى موقفاً عالمياً، كما اضطر للعودة إلى الخيار الذي كان يرفضه، وهو فرض مزيد من العقوبات على إيران، من دون أن يتخلى عن الحوار كخيار أول لا يزال محبذاً. من معالم التغيير، غير المبلور وغير المكتمل، أن أميركا أوباما خرجت من قمة المناخ في كوبنهاجن وكأنها تخلصت من السلبية التي رسخها عهد جورج بوش، رغم أنها لم تبدل شيئاً جوهرياً في مواقفها. وخلال المرحلة المقبلة سيبقى اللوم على الصين. قد يعني ذلك أن أوباما استطاع أن يبني انطباعاً جديداً عن أميركا، بأنها لم تعد عدوة المناخ، لكنه أعطى أيضاً إشارات أولى إلى نيته تحويل الانطباع التزاماً، وهذا سيدخله في معارك داخلية أكثر ضراوة من معركة الرعاية الصحية. فالمصالحة مع العالم تتطلب تنازلات. لكن العالم لا يزال ينتظر أوباما ليكتب نهاية الحربين في العراق وأفغانستان. السنة 2010 تحمل منذ الآن عنوان "الحسم"، هنا بالانسحاب وهناك بالتحضير للانسحاب. في الحالين هناك رهان كبير على أبناء البلدين ليتحملوا المسؤولية، رغم أن المؤشرات غير مشجعة. لكن الأكيد أن بقاء الأميركيين للقيام بالمزيد من الأشياء نفسها أصبح بلا معنى. فالحصيلة البارزة هنا وهناك، أن الاحتلال كان غطاء لأكثر حالات الفساد فظاعة، ومن جاؤوا إلى السلطة بسهولة اغتنوا بسهولة وتخلوا عن واجب بناء الدولة بسهولة. وفي العراق، كما في أفغانستان، هناك من لا يزال يتوقع، أو يراهن، على بقاء الأميركيين، رغم أن الانسحاب بات شأناً أميركياً داخلياً. ثم إنه يتعلق أيضاً بعزم أوباما على الترشيح لولاية ثانية في البيت الأبيض. ولأن أميركا أبدت بعض التغيير في 2009 فإن روسيا بادلت بالمثل، وكأنها كانت تنتظر هذه النقلة منذ سنين، فاتفاق الدولتين بشأن الأسلحة الاستراتيجية يوشك أيضاً أن يظهر. الصين، بدورها، أيقنت أنها دخلت مرحلة جديدة، ولم تعد مأخوذة بإغراء استغلال انشغال الإدارة الأميركية بل انكفائها إلى حروب عبثية، كما كانت الحال في الأعوام الثمانية الماضية. لكن إرث أوباما بات مرتبطاً منذ الآن بإمكان مضيّه في مشروع خفض الترسانات النووية، فهذا ما استحق عليه الحيازة المبكرة والمسبقة لجائزة نوبل للسلام. لعله ينجح في هذا الاستحقاق الإنساني الأهم. غير أن ما يبدو حقيقة أكبر من أن تصدّق هو أن عالم اليوم ربما يشهد وعياً جديداً لدى الكبار الذين أصبحوا مدركين أن الحروب لا تنفك تعقد مهماتهم ومشاكلهم. أما الصغار فباتوا قادرين على زعزعة "سلام الكبار" إذا كان له أن يقوم فعلاً. لذلك يواجه أوباما ومشروعه عراقيل من المتطرفين سواء كانوا حلفاء كما في إسرائيل أو خصوماً كما في إيران وأفغانستان والصومال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©