الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدينة «الأخضرية» الجزائرية طبيعتها تأسر القلوب وأنفاقها تتحدى الجبال

مدينة «الأخضرية» الجزائرية طبيعتها تأسر القلوب وأنفاقها تتحدى الجبال
29 ديسمبر 2009 23:25
ليس في مدينة الأخضرية شيء خصوصي يميزها عن باقي المدن الجزائرية، فهي مدينة صغيرة تشبه غيرها بمبانيها وطرقاتها وسكانها. لكن محيطها والطريق المؤدية إليها يلفتان انتباه أي زائر للمدينة أو عابر سبيل يمر بجوارها باتجاه الجزائر العاصمة أو مدن الشرق الجزائري. تقع الأخضرية شرق الجزائر العاصمة وتبعد عنها 75 كم، حينما يمر المسافر بقربها وهو قادم من الشرق الجزائري، لا يمكن إلا أن يتابع بشغف واهتمام تلك المناظر الطبيعية الخلابة التي تحيط بالمدينة، فهي تقع على ربوة محاطة بجبال صغيرة يجري تحتها وادٍ تملأه المياه العذبة، وتحيط الأشجار المختلفة والمساحات الخضراء والحقول والمزارع بالمدينة من كل جانب. وتبدو المدينة على بُعد كيلومترات قليلة من الطريق واضحة المعالم للمسافرين المارين قربها، وهي مزيج من المباني الفردية القديمة والعمارات الحديثة. مناظر رائعة حينما يبتعد المسافرون عن مركز المدينة بحوالي كيلومترين باتجاه الجزائر العاصمة، تقابلهم مناظر طبيعية أكثر روعة وجمالاً، والبداية بطريق متعرِّجة ضيقة تقع بين جبلين متقابلين ومتقاربين حيث لا يفصل بينهما سوى أقل من مائة متر. وفي هذه التضاريس الوعرة، قامت فرنسا بـ»نحت» هذه الطريق أثناء فترة احتلالها للجزائر (5 يوليو 1830- 5 يوليو 1962) لتمر منه سيارات المعمرين الفرنسيين والأوربيين وكذا الآليات العسكرية للجنود، ويبدو أن فرنسا قد بذلت جهوداً كبيرة لشق هذا الطريق في أحد الجبلين، حيث أزالت منه أطناناً من الصخور العملاقة لتتمكن أخيراً من تذليل الطبيعة وشق الطريق، وحينما ناء هذا الجبل بكلكله وامتد بشكل عريض في بعض أجزائه، حفرت نفقاً داخله طوله حوالي 30 متراً لتمر السيارات من خلاله. وقرب الطريق انتشرت الكثير من اللافتات التي تحذر المسافرين من سقوط الحجارة من أعلى الجبل على الرغم من إحاطته بسياج حديدي لحماية أصحاب السيارات والمركبات المختلفة التي تستعمل هذا الطريق يومياً حيث يربط شرق الجزائر بوسطها وغربها، وهذا في انتظار اكتمال الطريق السيار شرق- غرب على مستوى هذه المنطقة في مارس المقبل، وهو أصعب شطر في الطريق السريع الممتد على مسافة 1266 كم، بسبب صعوبة تضاريسه. حادث مؤسف المكان رائع ومريح للمسافر الذي أجهده طول الطريق، فالجبلان اللذان تتوسطها الطريق تكسوهما مختلف الأشجار الغابية والنباتات الكثيفة، وفي وسط أحدهما يظهر بوضوح مدخل نفق القطار الرابط بين الجزائر العاصمة ومدن الشرق الجزائري منذ العهد الاستعماري الفرنسي إلى الآن، ويمتد هذا النفق لمئات الأمتار داخل الجبل، وقد تعرض للهدم منذ نحو سنة بسبب احتراق قطار للبضائع داخله، فتطلب الأمر الاستنجاد بشركة أجنبية عملت لأشهر طويلة قبل أن تتمكن من انتشال القطار وسائقه الذي توفي داخله وتعذر دفنه لأشهر، وبعدها أقامت الشركة عدة مداخل للنجدة للتمكن من التدخل السريع في حال حدوث كوارث مشابهة مستقبلاً. وفي أسفل الجبل والطريق معاً يقوم شبان بنصب «صناراتهم» لصيد السمك من وادٍ عريض تعبره مياه عذبة تكثر في الشتاء وتنقص في الصيف، وقرب الشبان تتهاطل مياهٌ غزيرة من منبع بأعلى الجبل في شكل انسيابي بديع، ويحلو للمسافرين تسمية المنبع بـ»الشلال»، ويقومون بالتقاط صور تذكارية قربه بكاميرات رقمية. وفوق قمم هذا الجبل وغيره تبدو العديد من مواقع الحراسة الأمنية، وقد تم بناؤها في التسعينيات ولعبت دوراً فاعلاً في صد هجمات الإرهاب ودحره بهذه المنطقة الجبلية الوعرة. طيورٌ مشوية بالقرب من هذه المناظر الرائعة الجاذبة للمسافرين، يقوم شبانٌ من المنطقة التي يقطنها هجينٌ من الأمازيغ والعرب، بنصب سلع عديدة وعرضها على عابري السبيل، وأهمها زيت الزيتون التي تشتهر بها «منطقة القبائل» الأمازيغية وكذا التين المجفف، بينما يقوم شبان آخرون بعرض طائر «السمَّان» الصغير الحجم للبيع حياً أو مشوياً. ويقول أحد الشبان لـ«الاتحاد» إنه يربي هذا الطائر ببيته ويشتغل في هذا المكان منذ 3 سنوات وهو سعيد بـ»مهنته» هذه وما تدره عليه من رزق، إلا أن أكثر ما يؤرقه هو قرب انتهاء الأشغال في الطريق السيار شرق- غرب والذي سيجعل أغلب السيارات والمركبات التي تمر يومياً بهذا المكان، تختار الطريق الأوسع للتخلص من زحمة المرور بهذه المنطقة الجبلية الضيقة، ما يعني تضييع آلاف الزبائن، ومع ذلك يعتقد أن الزبائن المخلصين الذين تعوَّدوا على الذوق الشهي لطائر «السمان» المشوي، لا يمكنهم التفريط في هذه الوجبة اللذيذة التي لا يجدونها في مكان آخر، ولذا سيعودون مجدداً حتى بعد فتح الطريق السريع بالمنطقة في مارس القادم. وبينما كانت رائحة شواء «السمان» تتصاعد على امتداد حوالي مائة متر بالمنطقة، كان المسافرون منشغلين بتأمل منظر «صيادي السمك» و»الشلال» الصغير وخضرة الجبلين وحركة السيارات والمركبات بالاتجاهين، المنظر كان جميلاً ومريحاً ولا ينتهي إلا على بعد حوالي 15 كيلومتراً غرب «الأخضرية». ويقول مسافرون إن جمال مناظر المنطقة يجعلهم لا يستغنون عنها حتى بعد فتح الطريق السيار بالمنطقة، بينما أكد أحد العاملين بالمشروع أن الطريق الجديد لا يقل روعة عن القديم؛ حيث تم أيضاً شق طريق واسعة بين جبلين آخرين، وقد استعانت الشركة المنجزة بالجسور العملاقة فوق الأودية والأنفاق الطويلة داخل الجبال، وهو ما يعني أن المنطقة لن تفقد بريقها الحالي بل سيزيدها هذا الشطر الصغير من الطريق السريع جمالاً وبهاءً.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©