الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فيلم حنة يغامر في رسم الصراع بين الماضي والحاضر

فيلم حنة يغامر في رسم الصراع بين الماضي والحاضر
16 أكتوبر 2008 00:55
يأخذنا فيلم صالح كرامة الجديد ''حنة'' إلى منطقة الصراع بين الماضي والراهن، حيث الماضي محمل بتفاصيله اليومية العابقة برائحة الموروث والتقاليد، فيما الراهن يلمع ببريق حداثة شكلية لا تسمن ولكنها تستلب الروح· وبين الزمنين، ثمة طفلة تفتح عينيها جيداً على ما يجري من حولها، وتلتقط خيوط تحولات في المكان والإنسان، وتظل معلقة في فضاء حكاية تريد أن ترسمها هي بنفسها، حكاية الجمع بين الحكايتين، ما يجعلها تضيع في نهاية الأمر، وثمة امرأة هي ''عليا'' تقف على منتصف المسافة بين الزمنين، فيما أبو راشد راسخ بقيمه وتقاليده· نحن هنا حيال عمل سينمائي يحاول التجريب، فيهرب من الحبكة التقليدية للفيلم، ويخلو من القصة المألوفة بعناصرها، البداية والعقدة والخاتمة، ويكاد يقتصر على رصف العناصر المتناقضة بما يجعلها تخلق الصراع الحاد فيما بينها، لتضعنا أمام الصراع العميق بين عالمين، وحيث المخرج يستخدم كل الإمكانات الفنية المتاحة لينقل قصة التحول الذي أصاب القرية، وما نجم عنه من جراحات وآلام، كما يحدث في كل عمل جراحي· وما قصة حارسة البحر ''مطرة'' سوى شاهد على ما يجري· الفيلم الذي يبدأ بمشاهد البحر والبحارة، ينتقل إلى رمال الصحراء التي تزحف على الإسفلت حديثة التكوين، في إشارة رمزية إلى بدء التحول من نمط حياة إلى نمط آخر، يجري التقاطه في الصورة قبل الحديث المباشر عنه· ففي اللقطات الأولى من الفيلم يظهر أبو راشد المنهمك بمتابعة التلفاز الذي يبدو حديث العهد لكنه بالأبيض والأسود، كما أنه مشوش، لكنه علامة من علامات العهد الجديد، بينما في المقابل تطغى صور الماضي وتقاليده في طريقة تناوله لعشائه· وفي التمهيد أيضاً تظهر الطفلة ''حنة'' وهي تقوم بتحضير دروسها، وتتابعها والدتها ''عليا'' بشغف يبرز رغبتها في أن تجعل من طفلتها مشروعاً للمستقبل· وفي السياق ذاته يظهر باص المدرسة كواحد من رموز التحول الإيجابي في القرية التي تظل بلا اسم· هذه المقدمات التي يضعها المخرج تضع المتفرج في وضع التشويق ليرى ما ستؤول إليه أمور الطفلة، فهي تتأمل في واقعها بعين متسائلة وروح قلقة، وتنتقل بين القرية وملامحها وبين المدينة الناشئة حديثاً، فتتعلق بعالم الناقة والدجاجات التي تلتقي بها صباحاً، كما تتعلق بألعاب المركز التجاري الذي تدخله من باب الرحلة المدرسية وتقف مذهولة فيه لا تريد أن تغادره، وتلعب الدور الأساس في نقل الصراع بين العالمين من خلال نظرات مشدوهة تنقلها الكاميرا بدقة، وفي صورة يحاول المخرج تطويرها درامياً، لكنه ينجح حيناً ويخفق حيناً، حيث تتكرر لديه بعض المشاهد من دون مبرر يذكر· الصراع الذي تعيشه حنة تحديداً يعيشه أهل القرية عموماً، وبالتحديد في حالة استقبال ابن البادية المدعو ''طارش'' الذي يأتي ليبيع منتجاته ويشتري ما يحتاج إليه، فيدخل في دوامة لا حدود لها، وينتهي به الأمر وحيداً مع ناقتيه، لا هو ظل في القرية ولا عاد إلى البادية التي ينتمي إليها ويخلص لهويتها· ويجري الحديث هنا بشكل مباشر عن بوادر التحول عبر تناول من خلال الصورة لمجموعة من الشاحنات التي تنقل المواد الأولية للبناء، قبل أن يجري الحديث عن الشركات القادمة لتغيير وجه المنطقة، وهو ما تلتقطه الكاميرا في أحاديث المقهى الشعبي· الشخصيات التي يقدمها المخرج في فيلمه هي رموز لعالم يتحول، أو عالم يراقب التحول وينظر بعين مذهولة أو رافضة أو راغبة، ففي عين كل منهم ثمة ما يدل على علاقة ما بهذا التحول، بدءاً من شخصية أبو راشد وما يمثله من ثبات في عالمه المكتمل والمنغلق على ذاته، ومروراً بشخصية عليا التي تجد نفسها عالقة بين عالم والدها وعالم ابنتها المتناقضين ولكن من دون ظهور حدة في هذا التناقض، وانتهاء بعالم حنة التي هي محور التناقض والصراع· في هذا الفيلم أيضاً محاولة لتناول أثر الموروث الشعبي في روح الطفلة التي تراقب وتتابع، حيث يمكن اعتبار كل ما احتوى عليه الفيلم من مادة تراثية صورة من الصور التي تلتقطها عين الطفلة وأذنها، بما يجعلها تعيش في هذا المناخ البدائي، متطلعة إلى الخروج منه ولو من أجل الذهاب إلى عالم قد يكون أكثر بدائية، من خلال ملاحقتها لطارش ورغبتها في السفر معه، وهي لا تخفي هذه الرغبة بل تعلنها في مطالبتها أمها بزيارة البادية لتلعب مع أطفالها· الكثير من الحكايات والقصص تكمن وراء كل مادة تراثية يقدمها الفيلم، فهناك البحر والبحارة وأغانيهم أو ''نهماتهم'' التي تروي معاناتهم وأحلامهم بالعودة، وبعض هذه الأغاني ضاربة في عمق العلاقة بين البحر والبحار الذي يتخذ من المغامرة وسيلة وحيدة للعيش، حيث البحر هو الرفيق ومصدر الرزق، لكنه في الوقت نفسه مصدر للخوف والغياب الطويل أو الموت· وضمن سياقه التراثي/ الاجتماعي يقدم لنا الفيلم مجموعة من المواد الفلكلورية تتعلق بعادات وتقاليد المنطقة، منها ما يتعلق بالتراث المكتوب وبعضها يرتبط بالمقولات والمأثورات الشعبية، لكن الفيلم يغرق في تقديم بعض الجوانب بلا مبرر، كما هو الحال في المشاهد الخاصة بالبحث عن الناقتين اللتين تركهما طارش لدى الشابين عبود وصاحبه، حيث تطول عملية البحث فيبدو أن المقصود هو استعراض تراث طويل من عملية ''قص الأثر'' عبر المصابيح والنار، واشتراك الجميع بروح الجماعة التي كانت تحكم القرية، وهو ما تفتقده الحياة المعاصرة· النهاية التي انتهى إليها الفيلم، بحفل ''الزار'' الذي أقيم لمعالجة عليا، هو أيضاً جزء من تقاليد المكان وعاداته الخرافية، وهو في الوقت نفسه يرسم صورة الدهشة التي ارتسمت في ملامح الطفلة حنة وعينيها تحديداً، بل هي صورة تأخذ المشاهد إلى حال الضياع التي بلغتها الطفلة التي لا تعرف ما يجري من حولها، فتختفي من الصورة فجأة لتظهر نساء الحي القادمات بكل ما يحملن من الموروث الشعبي· هذا الموروث الذي يفجر لدى المتلقي مشاعر متناقضة من الإحساس بالألم مقابل الإحساس بالحنين· وبقدر ما يستعرض الفيلم ماضي الإنسان في هذا المكان، يستعرض جماليات البساطة عبر تصوير البيت القديم من الداخل والخارج، ويسلط الأضواء على ملامح الأزقة وتفاصيلها التي لا تختلف من منطقة إلى أخرى، سواء كانت هنا في الخليج أو في أي مكان قروي تطغى عليه مشاعر الإلفة والتضامن، حتى تجاه الغرباء كما هو الحال في العلاقة مع الهنود التي تبرز في مشهد انتظار باص القرية الذي يصعد إليه أبو راشد وابنته مع العمال الهنود· ومن خلال ما يقارب ساعة وربع الساعة ينقل لنا المخرج بالكاميرا والصوت عالماً افتقدناه، ويتجول في أرجاء قرية من خلال ممثلين بدا واضحاً أنهم أناس عاديون لم يحترفوا التمثيل يوماً، حتى أن الممثلة غزل التي أدت دور ''عليا'' باقتدار وجرأة لم يسبق لها المشاركة في أي عمل من قبل· أما الطفلة حنة فبدت على قدر كبير من البراءة في أداء دورها كطفلة تنظر إلى ما حولها بدهشة وانفعال بريئين· وباعتباره الفيلم الروائي الطويل الأول في الإمارات يمكن غض النظر عن بعض سلبياته المتمثلة في تقنيات تسجيل الصوت للمشاركين فيه، حيث كان من الصعب التقاط الكثير من الحوارات بينهم، إلى درجة الحاجة لقراءة الترجمة الإنجليزية على الشاشة، وكذلك الأمر في ما يتعلق ببعض اللقطات التي بدت مشوشة، والاستخدام الزائد عن الحاجة لبعض المواد التراثية المتعلقة بحياة البحر والبحارة· في مناقشة الفيلم: بداية نحو آفاق جديدة عند مناقشة فيلم ''حنة'' في الندوة التي أدارها الكاتب حارب الظاهري، أشار الظاهري إلى ما يمثله صالح كرامة من توجه حقيقي نحو التجديد والتجريب، وما يجسده عمله من عودة إلى الزمن الجميل، معتبرا أن هذا العمل هو مفتاح لعالم جديد وآفاق جديدة نحو مستقبل سينمائي مأمول· وفي أسئلة المشاهدين برز السؤال عن غياب الموسيقى عن الفيلم، فأجاب صالح كرامة بالقول إنه لم يشأ إدخال الموسيقى لشعوره إن الفيلم على قدر من العفوية والطبيعية بحيث إنه لا يتحمل هذا العنصر، وقد ترك الفيلم بالإيقاع الطبيعي مستخدماً بعض ''النهمات'' في بعض المقاطع· وفي إجابته على سؤال الفنان السوري سلوم حداد حول زمن الفيلم وطبيعة الصراع بين التراث والمعاصرة قال كرامة إن فيلمه يتناول حقبة مطلع الثمانينات التي شهدت بداية التحول وهجمة المشاريع العمرانية على الريف والتأثيرات النفسية والاجتماعية لهذه التحولات على الحي الشعبي· وانصبت غالبية المناقشات على التقنيات الفنية التي استخدمها المخرج، حيث نجح في بعض الجوانب، لكنه أخفق في عناصر تتعلق بالتصوير والصوت كما جاء في ملاحظة الفنان السوري عابد فهد الذي توقف عند جرأة المخرج في التعامل مع عناصر من الممثلين غير المحترفين وقدمهم بطريقة ناجحة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©