الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تيرانوفا نظرة مستقبلية لعالم مشوه الدم والموت عنوان لجزيرة روسية على الطريقة الأميركية

تيرانوفا نظرة مستقبلية لعالم مشوه الدم والموت عنوان لجزيرة روسية على الطريقة الأميركية
16 أكتوبر 2008 00:57
عرض الاثنين الماضي في قصر الإمارات في أبوظبي ضمن فعاليات مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في دورته الثانية والذي تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث الفيلم الروسي تيرانوفا للمخرج اليكساندر ميلنيك· شاهد العرض عدد كبير من نقاد السينما والإعلاميين، وقبل بدء العرض تحدث المخرج ميلنيك وأشار الى دور الممثل الروسي قسطنطين لافرونيكو الذي لعب دور إيفان جيلين في الفيلم والذي سبق له أن فاز بجائزة الممثل الأول في مهرجان كان السينمائي الدولي السنة الماضية· أشار المخرج إلى أن بعض النقاد قد يحسب الفيلم مصنوعاً للتجارة يخالفهم الرأي بأن الفيلم قدم أجواء وتقنيات وموضوعا فنياً عالياً ورؤية مستقبلية للعالم وان الفيلم حقق نجاحاً كبيراً· وعبر المخرج ميلينك عن سعادته بأن يعرض الفيلم في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي في أبوظبي وانه يشعر بالفخر لذلك· ونوه الى أن الفيلم استغرق فترة طويلة لإنجازه وان الهدف منه هو طرح بعض الأسئلة حول تطور الحضارة الإنسانية في المستقبل وكيف يقدم العلم على هذه الخطوة· وقال: نعتقد أن السينما ما هي إلا وسيلة للتواصل بين الحضارات ونتمنى أن يقدم فيلمنا الحضارة الروسية في خطوة إضافية لفهمها· حكاية متخيلة تحكي قصة الفيلم الذي أنتج في عام 2008 بطول 135 دقيقة معاناة سجناء روس في فترة عام 2013 وهي في إطار هذا المفهوم يأتي ضمن سياق حكاية متخيلة· حيث تم في هذا العام - بحسب الفيلم - إلغاء الحكم بالإعدام كعقوبة بجميع أنحاء العالم· يصل إيفان جيلين المحكوم عليه لقتله اثنين وعشرين شخصاً الى سجن مدينة روسية، وبدلاً من أن يمضي بقية حياته في أقبية السجن يوافق على أن يتم ترحيله الى جزيرة ''تيرانوفا'' وهي أرض جديدة في منطقة قطبية نائية حيث يترك هناك مع حوالى 200 سجين ومعهم الكثير من المؤن· يتم تحميله مع رفاقه السجناء في قارب لنقلهم وهناك يتعرف على السجين نيكولاي الذي مثل دوره الممثل أندريه فيسكوف والذي يصبح بعد ذلك أشد حلفائه، وما أن ينزلوا على أرض الجزيرة حتى تبدأ الوفيات وتزداد وتتشكل تكتلات وتنفد الأطعمة· من جهة أخرى يقوم رجل جبلي يدعى القرد، والذي مثل دوره الممثل بافيل سبورشيكوف، وأعوانه المجرمون ببناء سجن خاص بهم يضعون فيه زملاءهم المحكوم عليهم ويأكلون بشكل منتظم· هنا يفر جيلين مبتعداً عنهم ويعيش على أكل الطيور والأسماك التي يصطادها ولا يلبث أن يلحق به نيكولاي وعندما يكتشفان طريقاً للهرب من تيرانوفا، يدركان أنهما غداً سيحتاجان الى أن يعودا الى المعسكر لطلب المعونة، مخاطرين بأن يصبحا العشاء القادم· يبدأ الفيلم بالتقاط حركة إيفان في الجزيرة حيث هرب من سجن تيرانوفا منتحياً في إحدى جهاتها حتى ظنه الجميع قد مات لتعود الحكاية الى زمن ماضٍ قريب نسبياً لتروي لنا أن قانون الإعدام قد تم إلغاؤه حيث طلبت سلطة سجن روسي من السجناء أن يتمنوا ما يشتهون أن يصبحوا عليه، وتعددت التمنيات وكأن العملية برمتها قد أخضعت السجناء الى دراسة متعددة الأبعاد ما بين السايكولوجية من جهة والسوسنيولوجية من جهة أخرى· هنا يستقر الرأي على أن ينقل السجناء جميعاً الى جزيرة ''تيرانوفا'' القاحلة بجبالها الجرداء وحياتها الملحية القاسية حتى أن الطيور لا تلجأ إليها، الى درجة أن الأسماك لا تقترب منها، غير أنها مليئة بالجرذان· عند الوصول الى الشاطئ يأتي حرس السن بصحبة علماء في الأجناس البشرية والسلوك الإنساني ليتركوا السجناء لوحدهم مكبلي الأيدي، أما المفاتيح التي تفك قيودهم فقد ألقيت على شاطئ البحر ولا يتم الحصول عليها والبحث عن المفتاح الذي يفك قيد السجين المرقم وفق المفتاح الملقى إلا عبر قتال عنيف بين التكتلات والتجمعات بين السجناء، حينها يقتل في المعركة الأولى العشرات وينتهي الأمر بأن يترك إيفان الجموع هارباً· عندما يلحق به نيكولاي، وصقيع الثلج بدأ يقترب ويتساقط، تتولد بينهما الكراهية ثم تنشأ صلة الاحتياج الإنساني للآخر· في هذه الجزئية نشهد عودة أو ملمحاً من ''روبنس كروزو'' ومن العديد من الأفلام الأميركية التي جالت في هذا الموضوع طولاً وعرضاً إذ لا جديد فيه سوى إدخال عنصر الجنس الذاتي الفج وبطريقة لا حضارية البتة وبشكل يبدو مفضوحاً وقميئاً· تهجم الجرذان على طعام إيفان وتقرضه فيلجأ الى الطبيعة القاسية التي لم تعطه شيئاً· هذا بالإضافة الى حصار البرد الآتي مع إقبال فصل الشتاء· يقرر الاثنان الرجوع الى المعسكر ويتفاجآن بقوانين اخترعها المتسلطون على السجناء بأن يركض السجناء الى أقبية السجن عند الإيعاز لهم على أن يحاولوا أن يؤخروا واحداً في عراك وقتال شديدين لكي يذبح ثم يطبخ ليقدم طعاماً للسجناء في اليوم الثاني بعد أن نفدت المؤن كلها بسبب هجوم الجرذان عليها· عاد الاثنان ومعهما سر الطائرة المفقودة المحطمة التي وجداها في الجانب القصي الذي كانا فيه· إحالة روائية يعيدنا الفيلم الى رواية ''الجزر الوحشية'' لملفل حيث القبائل المتوشحة تأكل السجناء بعد أن تذبحهم قرباناً لحياة أبنائها· يسجن الاثنان معاً ويقود إيفان الجموع السجينة في موقف آخر وجديد بأن يرفض الجميع الركض الى أقبية السجن فتسقط حيلة القرد قائد الحرس - وهم السجناء المتسلطين الذين لبسوا أردية حمراء - بعكس السجناء المغلوب على أمرهم الذين لبسوا أردية زرقاء· يلعب المخرج على اللون حيث المعاطف تتحول فجأة الى اللون الأحمر والأزرق كونها ذات وجهين· الأحمر الدموي للحرس والأزرق الهادئ كالبحر في استكانته للسجناء· وحين ينقلب الأمر على القرد المخدوع بحلم الحصول على الطائرة باقتراح إيفان عليه تدور معركة عنيفة، تسيل فيها الدماء وتقطع الرؤوس ليتسلط إيفان ومجموعته في إطار عودة الهدوء وعدم ممارسة لعبة القتل وإعدام فرد منهم كل يوم ليقدم وجبة للجميع· وفي ظل هذا الهدوء يأتي حرس الدولة عائدين الى جزيرة تيرانوفا ومعهم سجناء جدد بدت سحناتهم سوداء أميركية سوف يتركون في الجزيرة تمثيلاً لقانون إلغاء أحكام الإعدام أولاً ووضعهم في اختبار شبيه بما وضع فيه السجناء الروس· يظهر السجناء الأميركان الانضباط والتوزيع الهادئ من قبل قائدهم للمفاتيح، ومن المستغرب أن السجناء الروس يهجمون عليهم وتدور معركة طاحنة تؤدي الى مقتل الجميع· فيهرب إيفان بالطائزة ويضرب من باخرة على الأرض فتحترق طائرته باصطدام بكتلة من جبل أمامه، أما نيكولاي فيفضل الانتحار· بنية همجية المخرج حاول تقديم بنية اجتماعية همجية من غير المحتمل وقوعها على أقل تقدير بعد 5 أعوام، أي عام ،2013 ويفترض على الأقل تحسباً زمنياً أطول· من جانب آخر، وحتى في لحظات تقديم المذنبين من السجناء الأميركان القتلة فإن المخرج قدمهم بطريقة حضارية على أقل ما فيها هو الانضباط ضمن بنية شخصيات تذعن لأحد قادتهم الذي لم يتوان أن يأمرهم لحظتها بالسلوك النظامي· لنتفرض جدلاً أن أغلب المعارك التي كانت تدور قتالاً دموياً لم تحصل أو أن المخرج قد تجنب حدتها وتكرارها المستمر، فهل يتبقى شيء في الفيلم؟ بل لنقل ماذا يتبقى فيه· أعتقد أن هذه الجزئية هي أهم ما فيه، إذ أننا لم نشهد تقنية سينمائية ولا حبكة مرصوصة ومقنعة، بل وجدنا نصاً حكائياً مفككاً· من جهة أخرى تضاربت أرقام عدد السجناء حتى وصلت الى 602 داخل سيناريو الفيلم حين مجيئهم الى الجزيرة، وبعد تلك المعارك لم يتبق سوى 87 سجيناً وما شاهدناه لم يكن بهذا العدد· وكما جاء في السيناريو أن 402 سجين قد قتلوا وأتصور أن الأرقام تتضارب جميعها مع بعضها ولا نعرف خطأ من هذا، الترجمة أم السيناريو نفسه· في إطار قراءة طبيعة المجتمع المعزول نجد أن مؤلف النص أراد أن يؤسس لمفهوم إنساني متوحش يقوم أساساً على مبدأ سيادة الآخر حتى في المجتمعات المظلومة، المعزولة التي تحاول دائماً أن تخلق لها حاكماً ومحكوماً· وربما يقترب هذا المفهوم من الصواب هذا مع طبيعة استغلال الآخر والانقلابات المتوالية· يبدو الفيلم برمته أقرب الى الأفلام الأميركية التي سلكت طريق دهشة الدم والموت والقتل المجاني ولم تعالج الأزمات الذاتية والمجتمع المنغلق بحالات إنسانية· إنه محاكاة تقترب من الواقعية لعالم أميركي لم نسمع بأن المجتمع الروسي قد اقترب منه، ولأن هذا ما كان متسلطاً على ذهن صانع الفيلم فإنه أراد من خلاله أن يقدم الصورة الأميركية بشكل مقحم تماماً ولا مبرر له· استغل الفيلم التشويه بكل أبعاده في الطبيعة، والحياة، والإنسان والسلطة والصراع الدولي والمستقبل· المخرج ميلنيك ولد عام 1958 وتخرج في معهد أوديسا للأرصاد الجوية في عام 1980 وعمل صحفياً في جريدة ''كيشنيف'' المسائية· كتب المسرحيات والقصص وأسس داراً للنشر وأنتج الأفلام الوثائقية وأشرف على إخراج الإذاعة على الهواء مباشرة لبرنامج تقارب النيران المباركة· كتب سيناريو فيلم ''تيرانوفا'' المؤلف آريف أليف وصوره إليا ديومين واشترك في تمثيله أندريه كوميساروف ومارات يشاروف وتومي ليستر وعدد آخر من الممثلين·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©