السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدينة أبو العربي

مدينة أبو العربي
1 مايو 2013 20:57
بورسعيد حالة خاصة بين المدن المصرية، وهي أول مدينة تبنى في العصر الحديث خارج حدود العاصمة وليست على النيل كما هو شأن المدن المصرية الاخرى، تأسست هذه المدينة في ابريل 1859 مع بداية حفر قناة السويس وتحمل اسم محمد سعيد والي مصر الذي منح امتياز حفر قناة السويس لفرديناند ديلسبس. الاديب والروائي قاسم مسعد عليوة، وضع كتابا، عن مدينته بورسعيد، اطلق عليه «المدينة الاستثناء» صدر أول مرة في عام 2008 واصدر طبعة جديدة منه بها بعض الزيادات. والمعروف ان ابناء بورسعيد لديهم اعتزاز بمدينتهم حتى تشعر للوهلة الاولى وكأنها جنسية ثانية يحملونها الى جوار الجنسية المصرية. وفي المخيلة العامة صار لابناء بورسعيد طابع خاص في الشخصية، يطلق عليه «ابوالعربي» وعنه قدم الفنان هاني رمزي فيلما ضاحكا اغضب ابناء بورسعيد وطالبوا بعدم عرض الفيلم، لكنه عُرض ومازال يعرض الى اليوم. سمة خاصة عند حكاية السيد أبوالعربي او السيد العربي يتوقف قاسم مسعد شارحا انها سمة خاصة لابناء بورسعيد، ذلك ان المدينة حين تأسست كانت بها اعداد كبيرة من الأجانب من فرنسا والنمسا وغيرها من البلاد الاوروبية، ولم يكن هناك من المصريين سوى بضعة عشرات جاءوا كعمال من دمياط والمنزلة باعتبارها الاقرب جغرافيا الى بورسعيد، وهنا كان لابد للمصريين من نقطة تميز، واعتزاز بعروبتهم وانهم يحملون القيم العربية الاصيلة من شجاعة وكرم، وصار اسم كل منهم العربي أو أبوالعربي، ومنح العربي بالضرورة لقب السيد، وهكذا صار اسما مركبا يجمع بين السيادة والعروبة للتمييز عن الاجانب، واقيمت المدينة في الموقع الذي كان اسمه «الفرما» في العصور القديمة، وكانت ارضا سبخة مالحة تقع اسفل مستوى البحر بأكثر من متر ونصف المتر، وبدأ اول استثناء في هذه المدينة بأن القيت رمال الحفر بها فارتفعت الى مستوى سطح البحر وصارت عادية. وفي البداية كانت المدينة عبارة عن خيام يقيم فيها العمال والمهندسون الذين يقومون بالحفر، ثم استبدلت هذه الخيام لتقام مكانها بيوت من الخشب وكان ذلك الخشب يأتي على السفن من فرنسا والنمسا وغيرها عبر البحر المتوسط حتى دمياط، وهكذا صارت البيوت من الخشب في معظمها. واقيمت الشوارع موازية للبحر المتوسط وخصص بعضها للاوروبيين واطلق عليها الحي الافرنجي، اما ابناء العرب من المصريين فقد اقاموا في حي خاص اسمه الحي العربي، وفي البدء كان الحي الافرنجي هو الغالب وهو مركز المدينة، وبه المحلات الاوروبية، اما الحي العربي فهو الاصغر مساحة والافقر. كذلك في الحي الافرنجي اقيمت دور السينما مبكرا والفرق المسرحية فضلا عن الحفلات الموسيقية التي كانت تضم فرقا اوروبية بينما امتلأ الحي العربي بالمقاهي البلدية وعليها ظهرت فرق السمسمية العربية، وبقي الحال على هذا النحو حتى تم تأميم القناة عام 1956 حيث خرج الاجانب من المدينة ليحل محلهم مصريون واتسعت مساحة الحي العربي وازدادت ثروة اهله وسكانه. الثورة العرابية مبكرا لعبت المدينة دورا مهما زمن الثورة العرابية فقد اراد احمد عرابي ان يردم القناة امام بورسعيد ليمنع الانجليز من نقل جنودهم عبرها لاحتلال مصر من الشرق، لكن فرديناند ديلسبس وعد عرابي بأنه لن يسمح للانجليز باستخدامها، وكان عرابي من البراءة الى حد انه صدق ديلسبس ووثق به، رغم ما عرف عن الاخير من اخلاق رديئة، هو الذي استغل العمال المصريين ليعملوا بالسخرة في حفر القناة وحمّل الميزانية المصرية أعباء باهظة لشق ترعة للمياه العذبة تصل الى مكان الحفر.. وقام الاهالي عام 1882 بأسر عشرة جنود انجليز كانوا في المدينة لفتح الطريق امام الجيش الانجليزي ولم يتوقف كثيرون عند دلالة هذا الموقف للاهالي الذين انتبهوا لما يقوم به الانجليز. وفي كل المواقف التي مرت بها مصر كانت المدينة حاضرة بقوة، اثناء الكفاح المسلح ضد الانجليز بين عامي 1950-1953 وكانت هي حديث العالم ومحوره اثناء العدوان الثلاثي عام 1956 وقورنت بمدينة ليننجراد التي واجهت الاحتلال النازي اثناء الحرب العالمية الثانية، بورسعيد واجهت وحدها جيوش ثلاث دول، بينها بريطانيا وفرنسا وكل منهما قوة عظمى في عالم الخمسينيات. منذ تأسيس المدينة وحتى عام 1891 ظلت تستقبل الاجانب من كل بلاد الدنيا وترد اليها البضائع وتهرب اليها بلا رقيب، فلم تكن هناك دائرة جمركية وكان الميناء مفتوحا على المدينة، تأتي السفن فتفرغ ما فيها ومن فيها بلا اي حضور للحكومة المصرية وانتبه الاهالي وتجار المنطقة الى خطورة ذلك فتعاهدوا على عدم السماح بدخول البضائع المهربة وحجزها داخل المدينة، واستقر الامر في النهاية على انشاء دائرة جمركية واقامة سور حاجز يفصل منطقة الميناء عن المدينة، الطريف ان ديلسبس راح يبلغ قناصل الدول الاجنبية ان المنطقة ملك لشركة القناة وليس للحكومة المصرية الحق في انشاء الجمرك ومراقبة الدخول والخروج للافراد ومنع تهريب البضائع، وهكذا سارت المدينة وامتد تاريخها بين المقاومة وتحمل الصعاب والعناد، منها انطلقت اولى معركة بعد هزيمة يونيه 1967 وهي معركة رأس العش بعد أربعين يوما من انتهاء القتال، وخاضت حرب الاستنزاف «هي مدينة استثناء في تاريخها وظروفها». الكتاب ليس تأريخا فقط للمدينة لكنه اقرب الى اطلس حقيقي لها، يقدم لنا اسماء الشوارع وتاريخ كل شارع وتطور تسمياته واعداد المساجد وقصة انشاء كل مسجد وكذلك الحال بالنسبة للكنائس فضلا عن المقاهي والكتاب مزود بحوالي 60 صورة تعكس اوجه الحياة في المدينة وتطورها المعماري بالاضافة الى عدة خرائط.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©