الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصحراء

الصحراء
1 مايو 2013 20:59
تأليف: يولاندا تشابيث ترجمة: د. طلعت شاهين كان قد تبقى القليل على بزوغ الفجر، وكان البرد شديداً في تلك الصحراء التي تتوارى خجلًا ولا تظهر في أي خارطة، كانت «إلينا» ملقاة على ظهرها في الرمال المتجمدة، تنظر باتجاه اللانهائي، محاولة (دون أن تتمكن تقريبا) أن تحرك أصابعها المخدرة لتبعد شعرها الذي كان يغطي عينيا... كانت تود لو ترى النجوم التي تضيع منها، أن ترى السماء كاملة، كانت تريد أن ترى الله بكامل بهائه. «أين أنت؟» فكرت... لم تكن تستطع الكلام، لأن حنجرتها متورمة من أثر البكاء الصامت. «هل ستتركني أموت هنا؟... أريد أن أرى أبنائي مرة أخرى... هل هذا عقاب؟»... مجموعة الأشخاص الذين عبروا الحدود، تفرقوا بسبب مطاردة الدورية البوليسية. شاهدت رجالا يهرولون يرتدون الملابس العسكرية وإن كانت ملامح وجوههم لا تختلف عن ملامح مطارديهم، كانوا يضربون ويشتمون الذين لحقوا بهم، وهي من بينهم، وسقطوا في حفرة في محاولة للإفلات. كانت ملقاة هناك، ساكنة، تكاد لا تتنفس حتى لا يرونها، كانت قد مرت ساعات عدة ولم تكن قد سمعت ولا صوتا واحدا، حاولت أن تجلس، وعندما كانت تريد أن تعتمد بيدها على الأرض لمست يدا أخرى باردة، ساكنة ومتجمدة... كانت يد الصبي ذي الرابعة عشرة سنة من عمره الذي سافر معهم من الإكوادور ليلتقي بأمه، كان يريد أن يصل إلى كندا. لقد تعرفت عليه بعد ظهور الأشعة الأولى للشمس التي بدأت تنير تلك الصحراء التي كانت حزينة دائما... ارتكزت على ركبتها وبدأت في الصلاة من أجل أم الصبي، نزعت المسبحة التي كانت تلتف حول عنقه، ووضعتها في فمه الميت وأغلقت عينيه. «في الأربع عشرة سنة الأولى من الحياة، الكلمة الأكثر نطقا هي «ماما»، مفترض أنه مرعب ألا تكون الأم هناك لتسمعها». كان ذلك جزءا من الدعاء الذي توجهت به إلى الله الذي أخذ شكل الشكوى إلى السماء المفتوحة... «كيف يمكن مواصلة الحياة والروح منقسمة عبر الحدود؟» همست إلينا عبر نشيجها الغاضب، المتقطع، الذي يمزق الصدر كسكاكين صغيرة. «كيف يمكن مواصلة الحياة دون أن تنظر إلى أولادك كل يوم؟... لماذا لا يمكن مواصلة الحياة بينما أولادك يبكون من الجوع؟... كيف يمكن الحياة في وطن لا تعثر فيه أبدا على فرصة عمل؟ بأي حق الشياطين يمكن الحياة في وطن الخطف والفساد والقتل والاغتصاب وانتهاك حقوق الإنسان فيه خبزنا اليومي؟ اجبني...» السماء المستجيبة، أثارت بعض الغبار ليداعب وجه «إلينا»، تريد أن تواسيها، كم من المرات التي استمعت فيها السماء إلى مثل هذا الدعاء الصارخ، كم من أجساد الأمهات، والأبناء، والآباء، والأشقاء... كم عدد تماثيل المسيح التي تحتفظ بها الرمال في بطنها، لقد محيت هناك وعرفت الشوق إلى الطعام كل يوم، كانت مدفونة هناك كل الأرواح الواعية التي كانت تريد فقط أن تواصل البقاء على قيد الحياة، لقد كانت تريد فقط أن تعيش، هناك مدفونة كثير من الأفكار الأخيرة، ومن وقت لآخر تتركها السماء تنفذ إلى العراء على هيئة زهور بيضاء صغيرة تحت الشجيرات المتقزمة. «قدم لي على الأقل بعض الماء». كانت «إلينا» تصرخ في وجه الله بينما كانت تخدش الرمال لتحفر قبرا لأحلامها المجردة. أسرعت الصحراء إلى دفع نبع صغير من الماء البارد، كان كافيا للشرب وغسل الوجه، ولتنظيف الرمال عن الأنف والأسنان، كان كافيا لتقف على قدميها والبحث عن نقطة في الأفق في الاتجاه الذي يجب أن تتبعه. لفت انتباهها بريق على بعد مسافة قدرت أنه يمكنها أن تصل إليه قبل أن تحرقها الشمس، ألقت نظرة أخيرة على ألم أم مات طفلها، وبدأت في السير... كانت ترافقها الصحراء دون أن تتنبه إلى ذلك. «وتلك القصص عن أنك شققت البحر الأحمر، وعن أنك حررت شعبا من العبودية، وعن أنك منحتهم الغذاء في الصحراء؟» فكرت «إلينا» أن الله كان أكثر طيبة من الآن. «لقد منحت إبراهيم ذرية بعدد نجوم السماء، أما أنا فاتركني على الأقل لأرى أطفالي مرة أخرى... أعرف أنهم يقولون عني إنني لست قديسة، لكني لا أزال أؤمن بك، أنت تعرف هذا، أليس كذلك؟» فجأة، أخرجتها الصحراء من دعائها بغرس إحدى قدميها، عندما كانت تحاول ألا تفقد توازنها، نظرت باتجاه الشمال، كانت شاحنة ضخمة لشركة بيرة تقترب بسرعة كبيرة، أخرجت «إلينا» من داخلها قوة وشجاعة وضغطت على معدتها وبدأت جريا زاعقة ملوحة بيديها إلى السماء ليتمكن السائق من رؤيتها، لاحظها سائق الشاحنة واقفة على حافة الطريق وبدأ في التخفيف من السرعة، إلى أن توقف أمامها. لفت «إلينا» المتهالكة سحابة من الغبار، كأنما أرادت الصحراء إن تودعها، فعانقتها في ريح رملية تدفع الروح والآمال المشوقة معها إلى الطفو. «شكرا، أنت ملاك يا سيدي» هذا ما تمكنت «إلينا» من قوله. «وأنت معجزة، قليلون من يتمكنون من البقاء على قيد الحياة في هذه الصحراء» هكذا أجابها ذلك الملاك باللغة الإنجليزية. ? يولاندا تشابيث، كاتبة من الولايات المتحدة الأميركية ولكنها تكتب باللغة الإسبانية، ولدت في لوس انجليس، كاليفورنيا عام 1961، وهي تعيش وتعمل في المكسيك. وقصتها «الصحراء» هي القصة الفائزة بجائزة أفضل قصة قصيرة في أمريكا اللاتينية عام 2011، في المسابقة التي تقيمها سنويا مؤسسة: «أجندة أمريكا اللاتينية» Agenda de AmericaLatina.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©