السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحساسية «المفرطة» سلوك سلبي لحماية الذات

الحساسية «المفرطة» سلوك سلبي لحماية الذات
26 يوليو 2017 09:34
خورشيد حرفوش (القاهرة)  هناك نمط من الأطفال، كثيراً ما يوصف بـ«الحساسية الزائدة»، وكثيراً ما يقال عنه أو ينعت بأنه طفل حساس، بحيث لا يمكن للمحيطين به أن يقولوا له كلاماً يتضمن أي نوع من اللوم، أو أي درجة من درجات النقد أو النصيحة، ونراه يتعامل مع كل كلمة تقال له بتفسيرات وردود أفعال خاطئة خاصة به، لدرجة مبالغ فيها في كثير من الأحيان، مما يشعر المحيطين به بأنه أوذي «انفعالياً ونفسياً» بسهولة ودون قصد، بل نجد هذا النوع من الأطفال يبدون استجابات وردود أفعال مبالغ فيها تجاه الآخرين ومشاعرهم، ويتطرفون في غضبهم وحنقهم واستيائهم إلى حد تبني مواقف سلوكية وانطباعية غير مفهومة، أو مرفوضة. فعندما يبدر عن الآخرين حكماً، أو رأياً، أو نقداً من أي نوع، أو حتى يعلقون تعليقاً ينطوي على تقييم أو نقد، فإن الأطفال ذوي الحساسية المرتفعة أو الزائدة لا يستطيعون تقبل هذا التعليق دون التجرد من مشاعر الأذى والغضب والحزن، مما يدفعهم إلى سلوكيات تتسم بالخجل والغضب، ومن ثم الانسحاب والانطواء والابتعاد، وتجنب مخالطة الآخرين. وعادة ما نرى سلوكيات مثل هذا النوع من الأطفال يتسم بسرعة الانفعالات نتيجة تلك المشاعر السلبية، وإن سألناهم عن الأشخاص الذين وجهوا إليهم نقداً، سنجد أنهم يعتبرونهم أشخاصاً سيئين ومؤذين وغير مرغوب بهم، فما أسباب نمو تلك المشاعر؟ وما هي أسباب تلك الحساسية الزائدة؟ وما هي الطريقة المثلى للتعامل مع الطفل الحساس؟ أطفال مزاجيون  بداية، تشير الدكتورة إشراق المنوفي، استشارية الطب النفسي، إلى أن فترة نمو الطفل التي تتسم بالحساسية الزائدة عادة فترة ما بين الخامسة والثامنة من العمر، وهناك فروق فردية بين الأطفال بطبيعة الحال من حيث ظهور علامات الحساسية الزائدة، أو في حدتها، وفي انعكاسات وردود الأفعال تجاهها. وهناك من الأطفال من يحتاج إلى فترة أطول حتى يتغلب على الحساسية، ويستطيع التكيف مع الآخرين بشكل طبيعي. لكن في الأغلب نجد أن هؤلاء الأطفال منذ الولادة «مزاجيين» بطبيعتهم، ودون سبب ظاهر، وغالباً ما تكون في الواقع سمات «تكوينية»، لكنها تنمو وتتغير وفق المعاملة الوالدية المبكرة. وهناك دراسات متخصصة ومتعمقة تشير إلى عدم الانتظام في الوظائف الفسيولوجية والاستجابة للمواقف الجديدة بسلبية أو انسحاب، وضعف التكيف لأي تغيير، وأن تلك السمة ذات منشأ تكويني وجيني بالوراثة. وهناك دراسات أخرى تشير إلى تأثير عوامل تتعلق بالدماغ والمشكلات العصبية والبيوكيميائية، وظروف الحمل والولادة، وحالة الأم النفسية والصحية خلالها، فضلًا عن طبيعة الاحتواء المبكر، وظروف التنشئة الاجتماعية، وما تتضمن من مؤثرات عديدة هي بالضرورة العامل المؤثر في تشكيل شخصية الفرد.   سبب نمطي أما عوامل وأسباب تناميها، حسبما تقول المنوفي، فلعل أولها هي مشاعر عدم الكفاءة المبكر، والذي تعززه أساليب التربية المبكرة. وهؤلاء الأطفال تظهر لديهم حساسية عالية لأي شكل من أشكال النقد، ويفسرون حتى أكثر التعليقات بساطة بأنها هجوم شخصي ضدهم. ومن ثم نراهم يتقمصون الدور الدفاعي «السلبي» لحماية أنفسهم، وحماية توجهاتهم، وحماية ما يحملون من صفات أو أفكار. هؤلاء غالباً ما يصعب عليهم حتى تقبل الإطراء، فهم إما يشكون من دوافع من وجه إليهم نقداً أو حتى ثناء، لأنهم يشعرون في أعماقهم بأنهم غير جديرين بهذا الثناء. فهم عادة يتوقعون الأسوأ، ويدركون أن ما قيل من آراء إدراكا خاطئا، ويرونها أكثر سلبية مما أريد لها أن تكون. وتقول المنوفي: «إن الشعور بالاختلاف عن الآخرين، هو سبب نمطي للشعور بعدم الكفاءة، وهؤلاء الأطفال يرون أنفسهم بأنهم ليسوا في مستوى ذكاء أو جاذبية أو مقبولية أو خفة دم الآخرين، لذا يبالغون في استجابتهم لأي تعليق يمس جانباً من جوانب الحساسية لديهم. وعادة ما يصبح مثل هذا النوع من الأطفال موضوعاً للإغاظة والسخرية من أقرانهم، وبالتالي تتزايد حساسيتهم ووتيرة ردود أفعالهم مع كل موقف». لفت الانتباه  وتمضي المنوفي في توضيح الأسباب، موضحة: «عندما يتوقع الطفل الشيء الكثير من الآخرين، سرعان ما يصابون بخيبة أمل عندما يجدون الواقع غير ما توقعوه، بل نراهم يتعاملون حتى مع إشارات الاستحسان على نحو سيء، ويصبحون زائدي الحساسية والحذر من النقد. فالتوقعات غير الواقعية يمكن أن تصبح مبالغاً فيها لأسباب متعددة، وفي مقدمتها ميل الآباء إلى الحماية الزائدة والتدليل المفرط، أو الذين يبغون الكمال في كل شيء، وهذا النوع من الأطفال يريدون دائماً أن تسير كل الأمور حولهم كما يريدون، وعلى طريقتهم، ولا يتقبلون أي رأي سوى أن يكون إطراءً أو مدحاً. كذلك هناك منهم من يتصور أن ردود أفعاله تلك تجاه أي موقف لا يروق لهم، إنما هو طريقة مناسبة لضبط اتجاهات الآخرين وتصحيحها، ويتصورون أن ردود أفعالهم الغاضبة إنما هي أسلوب مجدٍ ومناسب لجذب الانتباه وتصحيح لاتجاهات الآخرين المؤذية، ونتيجة لذلك يطور الأطفال حساسيتهم الزائدة، ويشعرون بالحاجة للرد على الآخرين بطريقة فعالة، وتصبح الحساسية الزائدة الأسلوب الأنسب الذي يميز علاقة الطفل بمن حوله».  أساليب العلاج توضح إشراق المنوفي، قائلة: تتجلى طرق وأساليب علاج الحساسية المفرطة عند الأطفال في أساليب التنشئة الاجتماعية المبكرة، وطرق معاملة الوالدين، بتجنب الإفراط في التدليل، أو التوجيه أو النقد اللاذع الجارح أمام الغير، والابتعاد عن كل مظاهر التقليل، أو السخرية، أو التهكم عما يصدر عن الطفل مهما كان نوعه، وتشجيعه وتربيته على احترام رأي الآخرين، ومن ثم تقبل رأي الغير مهما كان. وعدم المبالغة في التوقعات فيما يصدر عن الطفل، والتعامل مع قدراته وإمكاناته الذاتية بموضوعية، والعمل على تحفيزه، واستثمار الجوانب الإيجابية في ذاته وميوله وقدراته. كذلك تربيته على كيفية توقع الاختلاف، وأنه لا يمكن أن يجني أو يتوقع تحصيل كل ما ينشده من مقاصد، ولابد أن تتسم المناهج المدرسية ومؤسسات التربية المبكرة الأساليب الحديثة في التربية، وأن تعوّد الطفل مبكراً على الاختلاف، وكيفية تقبل الآخر، والعمل الجماعي، وعدم التقليل من قدرات الغير مهما كانت. وتنمية الشعور بالكفاءة، وزرع الثقة بالنفس، وتنمية المشاعر الإيجابية التي تحث على التعاون واحترام الغير، وكيف يميز بين النقد البناء والتجريح أو السخرية. وأن يكون النقد وسيلة من وسائل التعلم واكتساب الخبرات، وكيفية حل المشكلات والمواقف اليومية بطرق إيجابية بناءة بدلا من الانسحاب والانطواء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©