السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باكستان والحقيقة الغائبة

باكستان والحقيقة الغائبة
16 أكتوبر 2008 01:59
إليكم بهذه الفكرة المقلقة، باكستان دولة أكثر إثارة للخوف مما يحدثنا عنها من يسمون بـ''الخبراء''! فهذه الدولة النووية البالغة كثافتها نحو 168 مليون نسمة، ليست جديدة على النزاع السياسي؛ بيد أن معضلتها تختلف كثيراً هذه المرة· وبفعل استمرار الأزمة التي تواجهها حالياً ، التي تبرز أهم معالمها في تصاعد الهجمات الانتحارية الطائشة، إضافة إلى تصاعد التضخم الاقتصادي، الذي وصل إلى نسبة 25 في المائة، ثم النهوض الواضح لقوات حركة طالبان، كلها تعد عوامل هدم رئيسية، تهدد وجود دولة باكستان نفسها؛ وقد زادت الأزمة المالية العالمية هذه الأوضاع سوءاً على سوء؛ فمن جرائها انهارت احتياطيات الصرافة الباكستانية، بينما يزداد قلق الأسواق الائتمانية من اختلال سداد ديونها قريباً؛ والحقيقة المثيرة للقلق بحق، أن باكستان تقترب أكثر من أي وقت مضى اليوم، من أن تكون أقرب إلى الدولة الفاشلة؛ ولهذا الواقع الباكستاني المظلم، تداعياته الكارثية على الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو، إلى جانب الجهود التي تبذلها أفغانستان في مساعي السيطرة على تمرد حركة طالبان داخـــل الأراضي الأفغانية· وإذا ما أخذنا في الاعتبار أيضاً، عمق ممارسات الفساد في الحكومات الباكستانية المتعاقبة، فيمكن القول إن هذه الدولة تواجه اليوم أزمة وجودية شاملة، تتجلي مظاهرها في شوارعها العامة، التي يسودها العنف وآثار التضخم الاقتصادي، وفي محاكمها، وفي ثكنات جيشها، إضافة إلى برلمانها وأروقة حكومتها؛ من جانبهم يأمل الساسة والخبراء الأميركيون أن تتجه الأوضاع نحو الأفضل في هذه الدولة، التي يعتقد الكثيرون أن''بن لادن'' وعددا من كبار قادة تنظيم القاعدة لا يزالون يختبئون في منطقة الشريط الحدودي المشترك بينها وجارتها أفغانستان؛ بيد أنه يصعب التفاؤل بأن تمضي باكستان نحو مصير كهذا في ظل الظروف التي تواجهها حالياً؛ وإذا ما زعم كل من المرشحين الرئاسيين ''أوباما'' و''ماكين'' على حد تصريحاتهما، أن في استقرار باكستان وقوتها ومدى إمكانية الاعتماد على تعاونها مع أميركا، عاملاً أساسياً في مواصلة حرب يمكن الفوز بها في باكستان، فإن ذلك الزعم لا يعني على الصعيد العملي، سوى كوننا نخوض حرباً يستحيل الفوز بها في أفغانستان· إن ما يزيد من حالة القلق اليوم، أن الكثير من الخبراء الأميركيين والباكستانيين، لا يريدون سماع الأخبار السيئة عنها، ويأنفون عن ترويجها؛ ولنأخذ مثالاً لهذا التهرب: التفجيرات التي شهدها فندق ''ماريوت'' في العاصمة إسلام أباد، الشهر الماضي· وبين ما هدفت إليه تلك التفجيرات بالطبع، اغتيال الرئيس ''آصف علي زرداري'' والإطاحة بحكومته؛ غير أن مؤشرات وقوع ذلك الهجوم ونذره كانت قد عمت الأجواء الباكستانية قبل عدة أيام سابقة له؛ وعلى رغم شعور الكثيرين بقرب وقوع ما أطلق عليــــه لاحقـــــــاً اســــــم ''هجمــــــات 11 سبتمبر الباكستانية''، إلا أن أحداً من الخبراء أو المعلقين الأميركيين والباكستانيين، لم يعر تلك النذر انتباهاً إلى أن وقعت الفأس في الرأس! وعلى إثرها مباشرة هرع هؤلاء إلى القول إن تزايد ضغوط واشنطن على حكومة إسلام أباد وحثها المستمر على بذل جهود أكبر في محاربة الإرهاب، هي التي دفعت المتشددين الإسلاميين المحليين إلى رص صفوفهم وتنسيق عملياتهم معاً بإيعاز من تنظيم القاعدة، على نحو ما حدث في تفجيرات فندق ''ماريوت''· رداً على ذلك التحليل، كتب المعلق الصحفي الباكستاني ''أياز أمير'' قائلاً: والآن يتوقع الأميركيون أن تنهض الحكومة الباكستانية المنكوبة من بين رماد التفجيرات، فتحقق لهم الخوارق والمعجزات· ومما يثير العجب أن تحولت هجمات فندق ''ماريوت'' بين ليلة وضحاها، إلى مشكلة أميركية، وكأن فوهة البركان التي انفتحت فجأة في قلب العاصمة الباكستانية، لا وجود لها في باكستـــان، وإنمـــا في تــراب دولــــة بعيـــدة أخرى وراء المحيـــط الأطلسي! والحقيقة التي لا مراء فيها أن مشكلات باكستان وأزماتها، نابعة من تربتها هي، وأن بعضها يعود إلى بدايات تأسيس الدولة الباكستانية الحديثة؛ فقد عجز مؤسسها ''محمد على جناح'' -رغم ما بذل من جهود- في تعميق جذور الديمقراطية في بلاده، وما يصحبها من ترسيخ تقاليد المصالحة والتراضي الوطني بين الفرقاء المتخاصمين؛ وعقب وفاته في 11 سبتمبر من عام ،1948 عجز خلفه عن التصدي لطائفة التحديات التي كانت تواجه الدولة الفتية الناشئة· وبفعل الاضطرابات الناجمة عن تصاعد المواجهات العرقية، وخطر تدفق الملايين من اللاجئين، سرعان ما استنجدت القيادة السياسية بالجيش، على أمل أن يساعد على استعادة الأمن والنظام؛ وفي عام 1958 أطاح الجيش بالحكومة، ومن حينها تتالت سلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية التي عصفت بالاستقرار السياسي للبلاد، ومنعتها من إرساء دولة قوية مستقرة، في ذات الوقت الذي أضعفت فيه الحكومات المدنية التي تعاقبت لفترات قصيرة ومؤقتة على الحكم· هذه هي جذور المعضلة الباكستانية، التي تفاقمت بفعل التطورات والتعقيدات اللاحقة، بما فيها ظاهــرة العنف والتطرف الديني؛ وما لم تبادر الولايات المتحدة وتبذل جهوداً أكبر في تحقيق الاستقرار السياسي هنـــــاك، فإن الأرجح أن يواجه العالم كلـــه دولة فاشلة مسلحة نوويــــاً، يمرح فيها المتطرفون والإرهابيون والمتعاطفون معهم· سوميت جانجولي مدير مركز أبحاث الأمن الأميركي والدولي بجامعة إنديانا ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©