الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سعيد دحي.. قصيدة لم تكتمل

سعيد دحي.. قصيدة لم تكتمل
14 مايو 2014 20:55
علي أبوالريش سعيد دحي، كُنت في صلب القصيدة، ترشف الجملة شعراً، واقياً من الترهل، وتعبر النهر باتجاه ضفاف معشوشبة يخالجك في عزلة التكوين أن الله خالق الكلمة والشعراء رسل الصدمة الأولى، الدهشة المباغتة، كنت سيدي في المعنى، شاعراً، يخب على رمال القصيدة، ويمتطي صهوة الفطرة بعنوان القلب المتعب، بصولجان الأشياء الملهمة. سعيد.. على مقعد «الاتحاد» رتَّلت ما جاء به الوحي، وأسرجت بالوعي، خيولك الجامحة، وابتسامة شفيفة كانت ترقص على الشفتين الناشفتين، كنجمة تبحث في السماء عن موئل كشمس سلمت خيولها للأرض واستسلمت لسفر طويل.. طويل هُناك أنت في الأبد، المستبد، تستمد من ريعان الخلود شهوة البقاء وتحتسي ماءك الزلال بنخوة الأتقياء والذين تطوقوا بالأشواق حتى الأعناق، وكانت الأحداق، مناطق زيارة لصور ومشاهد، ما كانت تخطر على بال بشر، ما كنت سيدي إلا كائناً استثنائياً في علاقتك بالقصيدة، كنت تستدعي كونك الواسع، لأجل السكون في فناء القصيدة، لأجل النشيد الأممي، المبتهل دوماً بالحياة، النابض بالحلم، الرابض في في سويعاء القلق، يتساقط وعياً متداعياً كأنه الجسد الواحد، كأنه النسيج المترامي، في الوحدانية الجليلة. خصال طيبة سعيد.. لملمت أشياءك الصغيرة، ووضعت حقيبة السفر، مفعمة بالقصيد، الذي لم ينشر بعد، وأخذت نفساً عميقاً فودعت وتركت في المكان، لوعة الفقدان في قلوب لم تزل خضراء في انتظار ابتسامتك، لكنك عزمت، وحزمت أشياءك بعد أن أيقنت أن الجسد مقبرة مؤقتة للروح، كما قال شيخ الفلسفة أفلاطون، من خصالك الطيبة سيدي أنك ما تركت شحنة غضب في عين كائن، بل كنت مثل، منديل قطني تمسح عن الجباه عرق التعب، بكلمة بابتسامة وعلى طرف لسانك تبدو الكلمات فراشات ملوَّنة بالفرح، زهرات معبَّقة برائحة الأنساق المتألقة طمأنينة وثبات. سعيد.. على مقعد «الاتحاد» حررت أخبار الكون وصفت بإمعان معنى الخبر الأكيد، وتقدمت بثقة نحو القائم بالمطالعة، والمتابعة وساهمت في الصياغة والبلاغة والنبوغ والبلوغ، كان في الخبر فوح القصيدة، كان في الخبر جرح الخسران العربي، وما جاشت به التضاريس من سفر في رمال تدفن أحيائها وتراوغ بفجاجة، ولجاجة، وتقف أنت عند حافة الأسئلة المتراكمة تقف بين كومة من الأنفاس المتعبة، وعيناك تطاردان دمعة محبوسة عيناك تحبسان حسرة باتت كأنها طفلة تبحث عن وعي الأمومة. سعيد.. الآن في الغياب بعد الذهاب والإياب، بعد يباب المراحل، تنام هُناك في المجهول، تتطاول يداك قطاف ما حفظته الذاكرة، وآمنت به السماء. السماء الواقية، السماء السقف والحتف، والكتف، أنت.. أنت هناك.. وهناك تسير الأسئلة بلا حواف مسننة، ولا أعشاب شوكية هناك أنت ترسم خاتمة للقصيدة، وتعتنق لغتك المجللة بالشفافية وتكتب وتكتب، ولا إحساس بالفقدان في خاتمة الأشياء حين يكون العدم أشبه بالفيض المتسامي والهبولي جمع من الأرواح المتراكمة عند جزيرة الالتفاف البشري.. هُناك سيدي لا تنتمي الأشياء، بل تعيد صياغتها متبلة برضاب السماوات الرهيبة، ولا بذل إلا عطاء الفكرة الخالدة، ومطلق الكون هي قصيدة معافاة من الزلل، وركاكة التشييد.. هُناك سيدي أنت على الصهوة العالية تنشد قولك وتمضي نحو غايات الوجود الكلي، لا تحد القصيدة مرابط ولا مهابط أنت تسكب ريقك في المتن والحواشي، في الصلب والترائب، أنت تفتل وتعقد ضفائر القصيدة بإمعان وامتنان وإحساس الموهبة الفذّة، هُناك سيدي تتجرد الأشياء ملابس التلوين والتقنين، والتضمين، هُناك أنت في صلب اليقين وبين دفتي الكتاب قصيدك العصماء، ترفل بالبهجة، مسرورة بلغتك منحوتة من مزامير الأسطورة الأولى، الحكاية وحوارها اللافت، حيث قالت المرأة هذا كتاب، إنه من سليمان.. ولما دخلت في عمق السؤال.. حسبته لجة. سعيد.. يذهب الشعراء، وتحضر القصيدة، تحضر بثوبها بسندسها واستبرقها، تحضر بفتنتها ودهشتها، تحضر بقوتها وميقاتها، تحضر بكل وعيها، وأثرها وتأثرها. سعيد.. في المنام الطويل، أحلام قصيدة لم تكتمل بعد، ومنطقة ساحرة تقصد المضجع، وأشياء في القلب لم تقل للملأ، لأنك سيدي، مثل الصوف كنت تحدق في الأمكنة في الوجوه تتابع المشهد بلغة المعتكف بإحساس القابض على جمرة الصمت، وتتسرب من بين أصابع القصيدة طائراً يظلل بجناحيه مساحة واسعة من اللظى، كنت سيدي تلاحق الكلمة في دورانها، كما هي الكواكب السيارة، وفي البعد البعيد، هُناك يقظتك، هناك صحوة القصيدة، هناك نخوة الحلم، ومدار السرطان الذي انسحب نحوك كأنه الشيطان الرجيم، ليختصر العمر، ويختزل أمنية، كان لها أن تزهر وتزدهر، وأن تمطر سماواتها بالقصيدة، وأن تعشب الأرض بالانتصار على الموت.. لكن كيف يمكن لكائن أسطوري أن يغيب ولا يدع في دفتر الآخرين، صورة مدهشة لأحلامه، وللقلم الذي ما سال كثيراً، لكنه حفر في ذاكرة الأيام حروفاً أشبه بأوتاد خيمة صحراوية، غرست أحلام ساكنيها، في رمل التهجد، ويتبدد الوهم، يتشرد يهرب من قبضة اليقين، يهرب من يقظة القلب والعين، ويبقى القمر اللجين حارساً لأفكار وأخبار وأسرار وأمطار وأنهار، يبقى نابساً بالوضوح والتضمين. المخيلة والذاكرة سعيد.. في مخيلة السماء، تنبت شجرة الخلد، في مخيلة الشعراء تترعرع القصيدة العصماء فيحاء وارفة بظلال المعنى نازفة بجلال الأثر، عازفة على وتر الانتماء والانضواء إلى خلايا الروح. سعيد.. في ذاكرة الأرض، تبدو الأشجار نبات حواء يخضضن النهد والمهد، ويكتسبن معرفة الجسد من خلال تداعي القصيدة على شرشف الروح، في ذاكرة الماء تبدو الموجة ناعسة كاعبة، مداعبة، نهر التدفق الأزلي، مشاغبة أحلام النساء بعفوية البياض بفطرة الهدير، بقدرة التدحرج على سطح الماء والانسياب الكلي نحو حواف الرمل، بغية الالتحاق والاتساق، وفرض أمر السماء بأن الأشياء لا تنمو دماؤها إلا بفعل الحرقة الأشياء لا تتسع رمقتها إلا باستدعاء نخوة الجسد، واحتدام السالب والموجب، وعلى حطام الأزمنة، ترتفع رايات الروح متشهية البقاء مشتاقة للسفر إلى حيث، يكمن الفرح والورطة اللذيذة إلى حيث اللوعة المتدافعة نحو الخلايا والنوايا. سعيد.. لا ضير في الغياب، إن كان يستجوب ويستوجب الحضور، إنه صرخة الأجنة في الأرحام، إنه زعيق الصبوة الجسدية، تحت الجلد، فوق الأرض ما بين الشفة والشفة، ما بين اللمسة واللمسة، ما بين الحياة والموت ما بين الوهم، واليقين. سعيد.. لم يطرأ على بال القصيدة أنها ذاهبة بلا رجعة، لأنها يا سيدي أصل البقاء، والنقاء، والانتماء، والاحتواء، القصيدة التي تقول عن نفسها بدون تصريح بالنيابة.. سعيد.. هكذا قلت شعراً، وهكذا تكلمت كما أوحى إليك، الفيلسوف العتيد، هيجل إذ قال «العلم يبدأ بالأفكار وينتهي بالقاذورات»، والقصيدة يا سيدي تبدأ بالقلق وتستمر في حرقتها الأبدية.. سعيد.. هذا منوالك، هذا موالك، ونشيدك، تحفظه الأدراج كما تتلقنه القلوب، وتبقى أنت سيدي ماشياً في تضاريس الذاكرة يقتفي أثرك عشَّاق ومحبون عرفوا نبلك فأيقنوا أن الحياة ظل شجرة لعابر سبيل، وما بعدها تبقى الذاكرة موشومة بالأثر والمطر، تبقى مرسومة، بحبر الدماء الساخنة. سعيد.. ما معنى ألا نتذكر؟ لا بد أن الذاكرة المثقوبة مثل الأرض الجدبى، مثل بحر يضيع أسماكه في فراغات الضواري والوحوش، مثل امرأة تتقاعس عن تجنيد حواسها، والاكتفاء لفحولة الجسد. سعيد.. هذه جنَّة القصيدة، هذه محنة الشعراء، في الحضور، ولا متاع إلا في اختصار حضارة الأرض، والانتماء إلى الأرض كعود حميد، بعد اجتذاب واحتراب واضطراب، واقتضاب، واستلاب يعد كل ما يلغي الوجود، ويبعثر الأسئلة. سعيد.. مقعدك في الزاوية القصية من جريدة «الاتحاد»، بدا أشبه بالأثر المفقود، والأشياء تحاصر الوعي بفيض من تصادم الخيارات هناك أنت وهنا تغيب الملامح والخيول جامحة إلى حد المراحل المحترقة، وأدبار الزمن تبدو بلا هوية.. سعيد.. تكون أنت في المنطقة ما بين النسيان والتذكر، تكون أنت مثل النجمة التي غشتها سحابة طائفة تكون أنت مثل الحلم البهي يراود الرأس فيستيقظ القلب، محتشداً عند حافة الوعي تنهض أنت سيدي تعض على أصابع الكلمة فيستيقظ الحبر، وتصحو الأوراق تلملم شتاتها، وتقتعد كرسيها متجاسرة على وهن الأزمنة.. سعيد.. هكذا هي الأشياء في صلب الزمن، مثل رواية بلا خاتمة.. هكذا أنت مفصل في رواية القصيدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©