الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفلام من الإمارات

أفلام من الإمارات
17 أكتوبر 2008 00:24
تم عرض الفيلم بعيدا عن أنظار النقاد وضيوف المهرجان والصحفيين المنشغلين بأخبار وتحركات النجوم الكبار في قصر الإمارات حيث المقر الرئيسي لفعاليات الدورة الثانية لمهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي· الخط التصاعدي ولعل في هذا الانزواء والخفوت الذي رافق عرض فيلم ''رأس حربة'' انتصار آخر لقيمة الفن الحقيقي الذي لا يرضخ للبهرجة الفارغة، والدعاية المجوفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فهؤلاء الشباب الهواة الذين كانوا وراء تنفيذ هذا الفيلم، تجاوزوا وبمراحل ما يفعله بعض المحترفين الكبار المستندين على تاريخهم الشخصي وبطولاتهم وتطبيلاتهم وزعيقهم الذي لا يصطدم أبدا بحقيقة العمل الإبداعي المتخلص من العلل المتراكمة والأوهام الذاتية والصرخات الهامدة في براري الفراغ والنسيان! و''رأس حربة'' الأقرب إلى الفيلم الروائي الطويل (57 دقيقة) هو أحد المفاجآت الجميلة والمدهشة في المهرجان، بل يمكن أن نقول أنه المفاجأة المحلية الأهم في هذا الحدث، أولا لأن الخط التصاعدي لأعمال فاضل المهيري وصلت مع هذا الفيلم إلى درجة عالية من الوعي والثقافة السينمائية والتعامل التقني والفني الموازي للبصمة أو الأسلوب الإخراجي الخاص الذي يسعى المهيري لتكريسه والرهان عليه، وثانيا لأن الطاقم المساعد الذي شارك في هذا العمل استطاع أن يلم باللغة الإخراجية التي يدونها المهيري على شريطه السينمائي بتمكن ومداومة وتصميم، وثالثا وأخيرا لأن الجهد الذي بذله الممثلون الموهوبون بالفطرة في الفيلم ساهم كثيرا في إعلاء القيمة الفنية والموضوعية للعمل، ورغم أن بعضهم يقف ولأول أمام الكاميرا إلا أنهم أفصحوا عن أداء احترافي يقلب صفحة المستقبل أمامهم على وعد لامع وحضور كبير في قادم الأيام، ونخص بالذكر هنا الممثل الشاب خليفة الطنيجي الذي عبّر عن إمكانيات أدائية مذهلة رغم صغر سنه وحداثة تجربته· خطوط سردية متوازية يحكي فيلم ''رأس حربة'' قصة الطالب خليفة (يقوم بدوره خليفة الطنيجي) الذي يسعى لحجز مكان له في فريق كرة القدم بالمدرسة والمشاركة في دورة تتنافس فيها فرق أخرى للحصول على لقب البطولة المدرسية، تتشكل عقبات كثيرة أمام خليفة وتمنعه في كل مرة من اللعب في التشكيلة الأساسية للفريق، وعندما يتعرف خليفة على لاعب شهير ومعتزل (يقوم بدوره الممثل نوح الحمادي)، يستيقظ لديه الأمل من جديد، خصوصا وأن هذا اللاعب المخضرم كان يراقب خليفة في ملعب الحي أو (الفريج) ويكتشف تدريجيا الموهبة التي يختزنها خليفة والتي لم توظف بالشكل الأمثل في الملعب، ونكتشف في سياق الفيلم أن هذا اللاعب المخضرم والمعروف كان قد خرج لتوه من السجن أثر تهمة الإدمان التي شفي من آثارها تماما، وأصبح مقبلا على الحياة بروح جديدة ورغبة طافحة بالأمل، نستمع للتداعيات الذاتية والاعترافات الشخصية للاعب التائب من خلال مونولوج داخلي موزع برشاقة على زمن الفيلم، من جانب آخر يكتشف خليفة أن اللاعب عيسى (يقوم بدوره الفنان عيسى آل علي) والمنافس له في ملعب الفريج على علاقة سرية بإحدى فتيات الحي، وعندما يكتشف عيسى مراقبة خليفة له يقوم بتهديده إذا أشاع هذا السر، وخوف عيسى الوهمي والمبالغ به يدفعه إلى إشاعة خبر مغرض عن علاقة مريبة بين اللاعب الذي تلاحقه تهمة الإدمان وبين خليفة، مما يعرض اللاعب إلى عقاب جسدي ينفذه أقرباء خليفة، نقطة الصراع الثانية بالنسبة لخليفة كانت تتمثل في اللاعب المنافس له في فريق المدرسة والذي يشاكسه ويختلق معه المشاكل كي يحتل مكانه في مركز رأس الحربة بفريق الكرة، هذه المشاكسة تدفعهما للعراك أمام مدرب الفريق، فيحرم خليفة من المشاركة في البطولة المقبلة، في نهاية الفيلم يبعث اللاعب التائب برسالة للمدرب، يشرح فيها الظلم الذي تعرض له خليفة والإمكانيات الهائلة التي يختزنها في لعبة كرة القدم، وفي مركز رأس الحربة بالتحديد، يعود خليفة للفريق مجددا ويكتشف أن ثمة معجزات صغيرة يمكن أن تتحقق في الحياة، وأن الباحثين عن الخلاص الفردي، يمكن أن يهبوا الآخرين جرعة من المحبة والحماية والشفافية التي لا يخدشها عنف الزمن أو قسوة المكان· شيفرات بصرية موحية تميز فيلم ''رأس حربة'' بالتداخل المرن بين الحالات والقصص والأزمنة التي شكلت النسيج العام للقصة، وكان اهتمام المخرج واضحا بتماسك الإيقاع البصري للسيناريو، وعدم تشتيت الخيوط السردية الجانبية التي تضمنها الفيلم، وفق المهيري أيضا في الكلوزات واللقطات المقربة على ملامح الممثل والمعبرة عن انفعالاته الداخلية، وكان الاهتمام بقيمة النظرة أو حركة العين واضحة في الشغل الإخراجي للمهيري، نظرا لما يمثله هذا التكنيك الذكي من توفير للهدر في الحوارات التي تريد أن تشرح حالة ووضعية الممثل في المشهد دون أن تصل إلى مبتغاها، فحركة ولغة العين تختصر مقولات كثيرة وزائدة تمثل في النهاية عبئا مضاعفا على معطيات جمالية أخرى مثل الرمز والإشارة والتأويل، والتي تدخل في عمق وصلب أساسيات اللغة السينمائية المرتكزة على الإيجاز والتكثيف والشيفرات البصرية الموحية بذاتها وفي ذاتها· أما الموسيقا التصويرية في الفيلم فكانت متناغمة مع الجو النفسي والانعطافات الحسية الكثيرة التي لونت المشاهد واللقطات، فكانت الموسيقا هي الرديف المعزز للشحنة العاطفية للمشهد، على عكس ما يحدث في أفلام كثيرة عندما تتحول الموسيقا والمؤثرات الصوتية إلى ضجيج سمعي وإقحام زائد وغير مبرر في الإطار الخاص بالمشهد· ويحسب للمهيري الاستعانة بممثلين شباب وهواة، ومنحهم حرية الارتجال والاجتهاد للتعبير عن عالم المراهقين المليء بالمغامرات والقفشات والحوارات الجانبية والمفارقات التي تثري كوميديا الموقف والتعبير العفوي لدى الممثل، وكما كان خليفة الطنيجي يخزن طاقة وموهبة كبيرة في لعبة كرة القدم ضمن سياق الفيلم، فإنه ومن دون شك أثبت أنه ممثل قادم بقوة إلى الساحة الدرامية والسينمائية في الإمارات، إنه اكتشاف جدير بالاهتمام والمتابعة، واستعانة المخرج فاضل المهيرى وتبنيه لهذه الموهبة المبشرة هو دليل على قدرة هذا المخرج المبدع في استثمار المواهب واكتشافها من خلال حدس إخراجي عارف وملم بما يريد أن يقدمه ويمنحه للمشاهد من خلال لغة سينمائية وبصرية تقترب وتلامس الفضاءات الاحترافية للفن السابع· فاضل المهيري: الدخول إلى التفاصيل المغيبة يقول المخرج فاضل المهيري تعبيرا عن الاحتفاء الذي حظي به العرض من قبل الحضور: ''هذا الفيلم جاء نتاجا لقصة واقعية سمعتها من أحد الأشخاص الذين ودعوا حياة وتجربة السجن المريرة، وظلوا مطاردين بعد خروجهم بأقاويل وإشاعات في المجتمع المحيط بهم وسببت لهم أزمات أخرى هم في غنى عنها، حاولت في هذا الفيلم أن أتجاوز التناول التقليدي والمكرر لقضية الخارجين من تجربة السجن والمقبلين على حياة جديدة ومختلفة، وتم تعديل السيناريو أكثر من مرة، من أجل الخروج بحلول إخراجية مختلفة عن السائد عند تناول القضايا الاجتماعية المتداولة''· وعن الأسلوب الإخراجي الذي اتبعه في الفيلم يقول المهيري: ''ركزت كثيرا في الفيلم على أداء الممثل، لأن الممثل هو البديل الأنجح في مقابل الشعارات المباشرة والرسائل الواضحة والأسلوب الوعظي في الأفلام، وحاولت من خلال مواقع التصوير وحركة الكاميرا وتضبيب الصورة أن أعبر عن عالم الحواري والفرجان الشعبية وما يدور فيها من تفاصيل مغيبة وأخرى معلنة حتى أترجم نبض المكان، وأنقل إلى المتفرج تلك القصص ذات التفاصيل الصغيرة والمعاني الكبيرة في ذات الوقت''· وعن عدم مشاهدة ضيوف المهرجان لهذا العمل المميز قال المهيري: ''كنت أتمنى ذلك، ولكن لظروف تنظيمية ما، لم يتم الترويج لمسابقة أفلام من الإمارات، ولا يوجد في قصر الإمارات أي ملصق لفيلم إماراتي ضمن المسابقة، وأعتقد أن بعض الملصقات كانت ستثير فضولهم وتحفزهم للحضور والمشاهدة، خصوصا وأن أغلب الضيوف كانوا يسألونني عن الزي الإماراتي وعن أنماط العيش والحياة في المناطق الشعبية، وأعتقد أن مشاهدتهم للأفلام الإماراتية القصيرة كانت ستجيب على كثير من هذه التساؤلات''· طاقم فيلم رأس حربة : إضافة لنا وللسينما الإماراتية خليفة الطنيجي: حافز لتقديم الأفضل وفي سؤال حول دوره في الفيلم قال الممثل الشاب خليفة الطنيجي الطالب في الثانوية العامة والمفاجأة التمثيلية المهمة التي قدمها الفيلم: ''أدين بالفضل في ظهوري مع طاقم الممثلين بهذا الفيلم إلى المخرج فاضل المهيري الذي وقف بجانبي وساندني بقوة كي أكون أحد الشخصيات الرئيسية في العمل، ورغم جدية وصرامة المخرج أثناء البروفات والتصوير، إلا أن هذه الصرامة جعلتني أنتمي أكثر لجو العمل، وخلقت في داخلي حافزا قويا لإثبات ذاتي وإظهار أقصى طاقاتي الأدائية والتعبيرية، كما أن إرشادات المخرج أضاءت لي مساحات جديدة من الوعي تجاه مفهوم الفيلم السينمائي المختلف تماما عما نشاهده من مسلسلات وأعمال درامية في التلفزيون''· نوح الحمادي: استفدنا من مساحة الحرية والارتجال ويقول نوح الحمادي عن دوره في الفيلم: ''مثلت في الفيلم دور لاعب كرة مشهور تحول بعد تجربة الإدمان والسجن إلى شخص منبوذ تطارده الأقاويل والإشاعات، ولكنه ينتصر عليها من خلال مساعدته للاعب ناشئ يحتاج لمن يقوي عوده ويستثمر مواهبه، كنوع من الغفران الذاتي والتعويض المعنوي ضد الأخطاء والخطايا التي مارسها في الماضي''· وعن التكنيك الذي مارسه المخرج مع الممثلين يقول الحمادي: ''المميز في فاضل المهيري أنه يمنح الممثل مساحة من الارتجال والاجتهاد الشخصي الذي يخدم النص والسيناريو، فنخرج بحلول واقتراحات جديدة أثناء التصوير، وهو تكنيك موفق لأنه يخفف من حالة الضغط والجدية الزائدة التي تصل أحيانا لدرجة المبالغة في الأداء والتي تؤثر في النهاية على حجم ودور الشخصية المكتوبة''· عيسى آل علي: صعوبة تجسيد الشخصية الشريرة ويصف عيسى آل علي شخصيته في الفيلم بالشخصية الشريرة التي تخلق نقاط الصراع أمام الشخصية المحورية في الفيلم وهو (خليفة)، ويقول عيسى أن نمط شخصيته في الفيلم تتطلب منه أن يتقمص دور الشرير حتى في اللقطات الحيادية والبعيدة عن بؤرة الحدث، ولكن على العموم فإن الشخص الشرير في الفيلم هو أيضا إنسان عادي ولا يختلف في أنماطه السلوكية عن الآخرين، ولكن لظروف ما ينحرف هذا الشخص عن مسار الحياة الطبيعية والسوية، ويرى عيسى أن توجيهات المخرج ساعدته كثيرا في ترجمة الأحاسيس الداخلية للشخصية أكثر من التعبير الخارجي، ويضيف: ''هو تكنيك صعب ولكنني حاولت جاهدا أن أصل لهذه المنطقة الافتراضية التي تفصل بين عالمي الخير والشر وأتمنى أن أكون قد وفقت في ذلك''· هناء طه: استمتعت بجو العمل وأخيرا تقول الفنانة هناء طه التي ظهرت بدور ثانوي في الفيلم: ''كان دوري بسيطا وبلا حوارات، ولكنني استمتعت بجو العمل في هذا الفيلم، كما تعرفت على الأمور الفنية والتقنية المرافقة لتنفيذ الفيلم وعن قرب، وأتمنى مستقبلا أن أحظى بأدوار أكبر من حيث مساحة الأداء والمشاركة، وعموما فإن وجودي في فيلم ''رأس حربة'' هو تجربة أعتز بها، وأتمنى أن يطلع على هذا الفيلم قطاع واسع من المشاهدين حتى يتعرف الجمهور على المواهب الشابة والجديدة في المكان·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©