الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شطر المحبة يخترق إحباطات نصف المجتمع

شطر المحبة يخترق إحباطات نصف المجتمع
17 أكتوبر 2008 00:28
رشحت تونس للمسابقة الرسمية للأشرطة السينمائية الطويلة ثلاثة افلام هي: ''شطر محبة'' للمخرجة كلثوم برناز، ''ورحلة يامحلاها'' لخالد غربال، و''خمسة'' لكريم الدريدي ـ ويشترط في الافلام التي تدرج ضمن المسابقة ان تكون من انتاج 2008. عبء التقاليد وفيلم ''شطر محبة'' الذي من المحتمل ان يفوز بإحدى الجوائز في مهرجان ايام قرطاج السينمائية، هو ثاني شريط طويل للمخرجة كلثوم برناز، فقد أخرجت منذ عشرة أعوام فيلم: ''كسوة'' الذي لاقى عند عرضه فشلا ذريعا لدى الجمهور، ولم يقبل على مشاهدته إلا عدد قليل من المتفرجين اعتبارا لضعف السيناريو ولغموض القصة المحملة بالرموز· وشريط ''كسوة'' يروي قصة فتاة ''نزهة'' في السابعة والعشرين من عمرها، تعود إلى وطنها بعد غياب طويل في بلد أوروبي سافرت إليه اثر خلاف حاد مع أهلها بسبب الزواج، فقد رفضت الاقتران برجل رشحته لها عائلتها وفق التقاليد، وفضلت الفتاة الفرار والهجرة والزواج من شاب من اختيارها متحدية بذلك أسرتها، وهو ما تسبب لها في قطيعة مع أهلها· ولكن زواجها فشل وتطلقت وعادت الى وطنها وقد اصبحت اكثر نضجا وواقعية، ورغم ذلك فإنها بقيت مسكونة بمشاعر الفشل والاحساس بالضياع، وفي اشارة رمزية الى محاولة المرأة العودة الى جذورها فإنها تقبل ليلة زفاف شقيقها، وباقتراح من أمها، أن ترتدي لباس العروس التقليدي والمعروف باسم: ''الكسوة''، وهو زي ثقيل جدا ومطرز كله بخيوط من المعادن الثمينة، وهو لثقله يعيق تحرك العروس بيسر، وتجد نفسها مضطرة للمشي بأناة، وقد اغتنمت كلثوم برناز ثقل ''الكسوة'' التي ارتدتها نزهة لتشير الى ثقل التقاليد والعادات والتي تريد المرأة في الفيلم التخلص منها لتنطلق بحرية نحو عالم من اختيارها هي وغير مفروض عليها من احد· وخدمة للرمز فإن المخرجة اختارت ان تظهر ''الكسوة'' تتمزق وتنسلّ خيوطها خيطا بعد آخر لتتعثر فيها ''نزهة'' في اشارة الى فشل المرأة مرة أخرى، رغم محاولتها، التأقلم مع التقاليد لتبقى أسيرة لها رغما عنها· والقصة في الفيلم لم تكن مشوقة، وسردها بشكل سينمائي لم يكن موفقا، والحوار لم يكن ممتعا، والرمز لم يكن واضحا للجميع، ولذلك لم يقبل الجمهور على مشاهدة الشريط عند عرضه· معضلة السيناريو ويرى الكثير من النقاد أن إحدى نقاط ضعف السينما التونسية هي غياب السيناريو الجيد، فكل المخرجين تقريبا يكتبون سيناريوهات أفلامهم بأنفسهم، وأكثر أفلامهم تتضمن شذرات من سيرهم الذاتية، وقصصا مرتبطة بطفولتهم وشبابهم وبعض مراحل من حياتهم، ولأنه لا توجد في تونس صناعة سينمائية مثلما هو الامر في مصر مثلا، فإنه لا وجود لكتاب سيناريو متخصصين، كما ان المخرجين التونسيين - الا في حالات نادرة جدا - لم يعتمدوا على روايات منشورة، وهي كثيرة، وفضل أكثرهم كتابة سيناريوهات افلامهم بأنفسهم· ولئن اعادت كلثوم برناز في شريطها الجديد: ''شطر محبة'' كتابة السيناريو بنفسها فإنها استنجدت - وحسنا فعلت - بمحمد رجاء فرحات لإعداد الحوار، هو صحفي له خبرة مهنية طويلة، وله ايضا تجربة عريقة في المسرح والكتابة، ولذلك جاء شريطها الجديد أكثر جودة في مستوى الحكاية والسرد· صورة الرجل وملخص الفيلم ان سليم وسليمة توأمان يتيمان في العشرين من عمرهما، ماتت أمهما عند ولادتهما، وبقيا يعيشان مع أبيهما علي، وهو محام شهير بتونس العاصمة· ويظهر الاب، الذي جسّد دوره يونس الفارحي، كرجل جاف من العواطف، وظالم، غليظ الطبع، علما وأنه في اكثر الافلام التونسية التي تخرجها النساء فإنّ الرجل يظهر في اغلب الاحيان في صورة سلبية، فهو أناني او وصولي وانتهازي، يعاني من الكبت ومن عقد نفسية كثيرة، ولا يحسن معاملة المرأة· وفي فيلم ''نصف محبة'' فصورة الأب الأرمل صورة سلبية، فهو مثلا لا يذكر زوجته الراحلة، ولا يعامل ابناءه بعطف وحنان، بل انه يحمّلهما مسؤولية وفاة أمهما عند ولادتهما، وحتى صورة الأخ الشقيق للبطلة هي أيضا في الفيلم صورة سلبية، فخلافا لأخته فقد تناسى أمه بمرور الوقت، ثم بعد موت أبيه ينال نصيبه من الميراث ويسافر للإقامة في الخارج ممنيا نفسه بأن يصبح مصمم أزياء شهيرا وترك شقيقته وحيدة، في حين ان صورة اخته سليمة هي صورة ايجابية فهي طالبة مجتهدة وناجحة في علم الآثار وتريد أن تختص في البحث في أعماق البحار، وتبدو في القصة شديدة التأثر لوفاة أمها، حريصة على معرفة تفاصيل حياتها· حقوق المرأة ويتخلل الشريط قصة حب بين البنت سليمة وشاب من بلد عربي، والمخرجة تعمدت أن يكون الشاب من بلد عربي غير تونس لتشير الى مجلة الاحوال الشخصية التي أعطت للمرأة التونسية حقوقها كاملة، وهي حقوق لا تتمتع بمثلها المرأة في الكثير من البلدان العربية، من ذلك مثلا أن الزواج في تونس من امرأة ثانية ممنوع قانونا ويعاقب عليه بالسجن، كما ان الطلاق لا يتم الا عبر المحكمة، ولا وجود في تونس لـ ''انت طالق''، فهذه لا تعرفها نساء تونس الا في المسلسلات والافلام المصرية، كما يحق للمرأة ان تطلب الطلاق حتى بدون ان يكون هناك أي سبب، وهو ما يعرف بـ ''الطلاق انشاء'' على ان تدفع المرأة في هذه الحالة غرامة مالية للزوج المتضرر، فالعصمة - وفق مجلة الاحوال الشخصية التونسية - هي في يد المرأة والرجل على حد سواء· المساواة في الميراث ولأن المرأة التونسية تحصلت على كامل حقوقها فإن هناك من النساء من ينادين اليوم بالحق في التساوي في الميراث بين المرأة والرجل، وقد اثارت ''جمعية النساء الديمقراطيات'' ذات التوجه اليساري ضجة حول هذه المسألة وأعلنت هذه الجمعية المستقلة والمعترف بها قانونيا ان قانون الإرث الحالي في تونس يمثل - حسب رأيها - شكلا من اشكال التمييز ضد المرأة· ولكن هذا المطلب لقي معارضة شديدة من جهات قريبة من السلطة باعتبار ''أن المساواة في الارث تمثل خروجا عن النص الديني وتعديا على الاحكام الدينية''، في حين ساند مطلب الجمعية عدة جمعيات اخرى مستقلة وذهبت الى حد القول إن القانون الذي يمنح المرأة نصف ما يحصل عليه الرجل في الارث لم يعد لوجوده أي مبرر في تونس اليوم· والجدير بالذكر انه عندما سنّ البرلمان التونسي بعد اشهر قليلة من استقلال البلاد عام ،1956 وباقتراح وطلب من الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة قانون منع تعدد الزوجات فقد سانده البعض من رجال الدين وقتها اعتبارا للآية الكريمة التي جاء فيها بشأن السماح بالزواج بأكثر من امرأة: ''ولن تعدلوا''، ويقال ان الرئيس السابق الحبيب بورقيبة - وهو رجل علماني - قد فكر في إصدار قانون يخص المساواة في الارث، ولكنه - حسب ما رواه بعض المقربين منه - تراجع خشية معارضة رجال الدين له لوجود نص قرآني واضح لا غبار عليه ولا اجتهاد فيه بخصوص هذه المسألة· نصف محبة والمخرجة كلثوم برناز متبنية في شريطها طلب المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، والفيلم يثير هذه المسألة بوضوح، فذات يوم تساءلت البنت سليمة عن نصيبها من ميراث والدها بعد وفاته وعلمت انه نصف ما يحق لشقيقها ثم تظهر في مشهد في الشريط وهي تستفسر والدها ان كان ذلك يعني انه يحبها ''نصف محبة'' (وهو عنوان الفيلم) فيستشهد لها لإقناعها بالآية القرآنية الواضحة والتي تشير الى ان للذكر مثل حظ الانثيين· ورغم ان المخرجة كلثوم برناز تقول انها عرجت على هذه المسألة تعريجا وان قضية ميراث المرأة ليس هو موضوع شريطها الاساسي، الا ان الدعاية للفيلم تمّ تركيزها على هذه المسألة، ثم ان المخرجة معروفة بدفاعها عن حقوق المرأة حتى خارج افلامها· يقول ملخص الشريط: ''يموت الاب علي، ويوزع سليم التركة حسب الشريعة والقانون· فما مصير سليمة؟''· رأي المخرجة وقد صورت المخرجة كلثوم برناز سليمة بطلة شريطها في آخر مشهد كأنها مشلولة، جالسة على كرسي متحرك كان يستعمله والدها قبل وفاته، ورأى النقاد في ذلك اشارة الى انها امراة عاجزة امام مسألة نصيبها من ارث والدها، وهي صورة لم يتقبلها الكثير في بلد تنعم فيه المرأة بحقوق لا نظير لها في أي بلد عربي آخر، وحتى بعض المثقفات من النساء التونسيات رفضن هذا المشهد الذي رأين فيه إهانة للمرأة التونسية· ولكن المخرجة لها قراءة أخرى فقد أعلنت أنها أرادت فقط دعوة الآباء الى التقكير - قبل وفاتهم- في مستقبل بناتهم اثر رحيلهم عن الحياة، مشيرة بذلك الى مسألة الميراث مؤكدة أنها منزعجة للصورة التي يريد الغرب دائما ان يجدها عن المرأة العربية المسلمة في الافلام العربية وهي صورة المرأة الضحية والمظلومة مشيرة إلى انها في فيلم ''كسوة'' فإن البطلة تعود الى بلادها بعد اقامة في الغرب لتستعيد هويتها وتسترجع تقاليد أسرتها التي فرت من وزرها في البداية، وتصرّ المخرجة على القول إن مسألة الميراث في شريطها هي مسألة عرضية، وان جوهر الفيلم يتمثل في سرد قصة فتاة تونسية بكل حلوها ومرها· تونس·· سينما بلا صالات وقاعات بلا جمهور يشتكي أصحاب قاعات السينما في تونس من هجر الجمهور لها، فقد تغيرت عادات الناس وتبدلت أحوالهم، فقديما، والى سنوات قريبة كان الجمهور يقبل على مشاهدة الأفلام التي تعرض في القاعات، ولكن وفي الأعوام الأخيرة فإن أكثر القاعات شهدت كسادا، وسجلت خسارة كبيرة في مداخيلها، والكثير من القاعات أغلقت أبوابها، ولم يغامر المستثمرون، وهم كثر، بإنشاء قاعات جديدة· وأعلن المنتج السينمائي ورجل الاعمال طارق بن عمار منذ مدة نيته إنشاء مائة قاعة سينما بتونس ثم تراجع ، معللاً ذلك بأنه مشروع غير مربح· وحتى عندما تقدم القاعات أفلاماً حديثة وشهيرة وتقوم بالدعاية لها فإن الاقبال يكون غالبا ضعيفا، وأحيانا لا تجد في القاعة الا بعض الشبان المرافقين لصديقاتهم والذين يفضلون القاعات المظلمة لمغازلتهن بعيدا عن الاعين، والاستثناء الوحيد يتمثل في أفلام عادل إمام، فكلما تم عرض فيلم له فالإقبال يكون كبيرا· وأسباب هجر الجمهور التونسي لقاعات السينما عديدة ومختلفة ومن بينها الحالة الرديئة التي عليها أكثر القاعات، وهي عموما قاعات تفتقد أجهزة حديثة للعرض ونوعية الصوت ليست جيدة· وفي سنوات سابقة كان الطلبة يقبلون على مشاهدة الافلام في القاعات اعتبارا لرخص تذكر الدخول، أما اليوم فأسعار الدخول ارتفعت ولم تعد في متناول الطلبة والتلاميذ· وأهم أسباب هجر القاعات هو تفضيل مشاهدة الأفلام في البيت، سواء في الفضائيات أو عبر ''الدي في دي''، فهناك في تونس من يستنسخ أحدث الأفلام بغير ترخيص قانوني ويبيع النسخة بسعر بخس، وهو الامر الذي يوفر للمتفرج فرصة مشاهدة أحدث الافلام في بيته وهو ممدد على أريكة صالونه، فالقرصنة له ضلع في هجر الجمهور لقاعات السينما· وسعيا من الموزعين السينمائيين استعادة الجمهور فقد حرصوا على استضافة بعض النجوم المصريين عند بداية عرض أفلامهم، ولكن دون جدوى، فعزوف الجمهور تواصل رغم ذلك، وانتهى عصر عرض الفيلم لمدة أسابيع طويلة مثلما حصل الامر عند عرض فيلم ''أبي فوق الشجرة'' بطولة عبد الحليم حافظ ونادية لطفي، أو عند عرض فيلم ''خلي بالك من زوزو'' بطولة الراحلة سعاد حسني، فقد استمر إقبال الجمهور على هذين الشريطين أشهرا بأكملها في قاعة ''البلماريوم'' الشهيرة بقلب تونس العاصمة والتي لم يبق لها اليوم أي اثر، بعد ان تم انشاء مركز تجاري مكانها يبيع الاحذية والملابس الجاهزة· ويذكر كبار السن ان فيلم ''الوردة البيضاء'' لمحمد عبد الوهاب ''كسّر الدنيا''- على حد تعبير المصريين - عند عرضه في تونس، وكذلك الأمر عند عرض أفلام فريد الاطرش· ذاك زمن ولى وانتهى· واليوم ولولا مساعدة الدولة لبعض قاعات السينما ومد أصحابها بدعم سخي وقروض ميسرة لأغلقت أبوابها لتصبح تونس بلدا بلا قاعات سينما· فتونس العاصمة، ورغم كل المجهودات المبذولة لتنشيطها ليلا، فإنها بقيت مدينة تنام باكرا لاسباب مرتبطة بالنقل العمومي وبعادات التونسيين، فهم لا يطيلون السهر الا في شهر رمضان أو في الصيف، ولذلك فإن عديد قاعات السينما في رمضان تتحول الى قاعات لعرض المسرحيات الهزلية التي يقبل الجمهور على مشاهدتها بحثا عن التسلية والضحك·أما في الصيف، واعتباراً لحرارة الطقس، فإن هجر الجمهور لقاعات السينما حتى وان كانت مكيفة فانه يكاد يكون شاملا· لكن فجأة وفي مهرجان ايام قرطاج السينمائية فإن الامر ينقلب رأسا على عقب ويصبح الاقبال على قاعات السينما اقبالا كبيرا، ويتحول وسط العاصمة الى خلية نحل لفرط الازدحام والحركية التي تشهدها القاعات والمقاهي التي حولها· وكثيرا ما تنتظم الطوابير أمام بعض القاعات للظفر بتذكرة دخول ولفرط الازدحام تستنجد بعض القاعات أحيانا برجال الامن· واعتبارا لاهتمام الشباب التونسي وتعاطفه مع القضايا العربية فإن الافلام الفلسطينية واللبنانية الملتزمة لقيت دائما إقبالا كبيرا على مشاهدتها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©