السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الاقتصاد الأميركي يغلق ملف «العقد المفقود» ويبحث عن «قارب نجاة» في 2010

الاقتصاد الأميركي يغلق ملف «العقد المفقود» ويبحث عن «قارب نجاة» في 2010
30 ديسمبر 2009 20:56
يمكن وصف السنوات العشر الأخيرة ابتداءً من عام 2000 وحتى عام 2009 بأنها “العقد المفقود” بالنسبة للاقتصاد الأميركي، فقد استقر متوسط الدخل السنوي للفرد الأميركي على حاله في مستوى 39,446 دولار حتى أكتوبر عام 2009 بزيادة 5,3% فقط بعد معادلة واحتساب مستوى التضخم في نهاية حقبة التسعينيات، إلا أن الرقم يمثل أبطأ مستوى للنمو المسجل طيلة ستة عقود على الأقل. فلقد انخفض متوسط صافي ثروة الأشخاص في الولايات المتحدة بنسبة 13 في المئة حتى سبتمبر 2009 نتيجة لتراجع الأسهم وأسعار المنازل. في الوقت نفسه، ازداد التباين وعدم العدالة في توزيع الدخل. ورغم أنه ما زال من المبكر قياس كامل الآثار والتداعيات الناجمة عن الأزمة المالية الحالية، إلا أنه وابتداءً من عام 2007 فإن أكبر الشرائح دخلاً والتي تشكل 0 ،1 في المئة من إجمالي سكان الولايات المتحدة ظلت تشكل 8,2 في المئة من إجمالي الدخل ما قبل الضريبة وفقاً لإحصائيات الاقتصادي توماس بيكتي الأستاذ في كلية باريس للاقتصاد وزميله إيمانويل سويز في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. وهو رقم يزيد على معدل الـ 6,6% الذي تحقق في عام 1999 والأعلى من نوعه منذ عام 1917. واليوم، ربما يشعر واضعو السياسات بنوع من الارتياح وهم يرون أن الاقتصاد الأكبر في العالم أجمع أصبح يكشف عن مؤشرات تدل على خروجه من أسوأ أزمة له منذ الكساد العظيم. إلا أن أداء هذا الاقتصاد في العشرة أعوام الماضية أخذ يجبرهم على مواجهة السؤال الأهم “كيف يتم إنقاذ الرأسمالية من نفسها”؟ ففي معظم فترات القرن الماضي ظلت أميركا تقدم نفسها نموذجاً للقوة والنفوذ للأسواق الحرة من أجل تحقيق الازدهار. وفي الأول من يناير 2000 كان متوسط ثروة الأميركي أكبر بنسبة 44 في المئة عما كانت عليه قبل عشر سنوات - وهي الحقيقة التي يعتبرها الكثيرون برهانا على الرأسمالية المتعثرة نسبياً والتي ظلت تشهدها الولايات المتحدة منذ حقبة الثمانينيات. أما في باقي أرجاء العالم، فقد ظل واضعو السياسات يعتبرون الإصلاح الاقتصادي وسيلة للمضي قدماً نحو النموذج الأميركي بما يتميز به من مرونة القوى العاملة وديناميكية الأسواق المالية. كما أن الأزمات المالية مثل تلك التي حدثت في آسيا وروسيا لم تكن سوى مجرد أخطاء وتعثرات على طول الطريق. ولكن منذ 2000 بدأت الولايات المتحدة الأميركية في التحول من كونها المنارة التي تهتدي بها الرأسمالية إلى مجرد موديل يكتسي بكافة عيوب وثغرات الرأسمالية. وما أن انفجرت فقاعة الإنترنت حتى تكشفت الازدواجية والمحسوبية في أسوأ أشكالها في سوق الأسهم بعد أن عمد المحللون إلى رفع أسعار أسهم زبائن البنوك الاستثمارية. ثم كشف زوال شركة “ايرون” الكيفية التي يتم بها التلاعب بنظام المحاسبة الأميركي الذي ظل يعتبر معياراً عالمياً طيلة العقود الطويلة الماضية. وفي الوقت نفسه، استمر المستهلكون الأميركيون ينفقون أموالاً أكثر ويدخرون القليل بدعم من الازدهار النشط في العقارات والمساكن، بينما اتجهت السلطات إلى تخفيف معايير وشروط الإقراض. وبذلك ظل القطاع المالي في الدولة يستأثر لنفسه بأكبر حصة في الاقتصاد الأميركي بعد أن اتجه إلى ابتداع عدد من المنتجات الاستثمارية الجديدة التي ساهمت في دفع عجلة النشاط، ولكنها فشلت في نهاية المطاف في إضافة قيمة حقيقية. ونتيجة لذلك فقد حلت أعمق أزمة مالية أدت إلى الانتقاص من الفكرة التي تعتبر مركزية للنظام الأميركي برمته، على افتراض أن مصلحة رجال البنوك هي التي سوف تقودهم لفعل أفضل ما يمكن فعله لمصلحة الاقتصاد. والأهم مما سبق أن المشكلات التي حدثت في الولايات المتحدة الأميركية استمرت تتباين بحدة، مع ذلك النجاح النسبي الذي تحقق في دول أخرى وبخاصة في الصين. ففي ظل نظام يعتبر في أفضل حالاته “شبه رأسمالي” شهد الاقتصاد الصيني نموا في إنتاج الفرد بنسبة بلغت 141% طوال فترة العقد المنتهي بعد احتساب التضخم. ولم يتوقف ذلك الإنتاج إلا بالكاد نتيجة للأزمة المالية العالمية، وفقاً للتقديرات الخاصة بصندوق النقد الدولي. وبالمقارنة، فقد شهدت الولايات المتحدة نمواً بنسبة 9% فقط خلال ذات الفترة. ولكن أياً من هذه الحقائق لا تشير بالضرورة إلى أن النموذج الأميركي قد انتهى إلى الفشل كما يشير بعض الاقتصاديين، فالولايات المتحدة الأميركية تمكنت مرتين على الأقل في القرن الماضي من العودة مجدداً من هوة الأزمات العميقة لكي تعيد ابتداع وتطوير النظام الرأسمالي. ففي حقبة الثلاثينيات أجبر الكساد العظيم الرئيس فرانكلين روزفلت على استحداث وتبني نظام الضمان الصحي والتأمين على الإيداعات وإنشاء لجنة السندات والأوراق المالية. وبعد الكساد التضخمي القاسي الذي حدث في حقبة السبعينيات وأوائل الثمانينيات أظهر بول فولكر رئيس مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي آنذاك قدرة البنك المركزي المستقل على السيطرة على الأسعار، مدشناً بذلك عصرا جديدا تصبح فيه البنوك المركزية ذات القوة والنفوذ والاستقلالية النمط الاعتيادي السائد في كافة الدول المتقدمة. أما في هذه الجولة فإن الجدل الدائر حول التأمين الصحي بات يكشف محدودية قدرة واشنطن على توسعة مظلة الضمان الصحي، بسبب حجم الديون المتكدسة الهائلة والتي استمرت تشهد النمو بنسبة بلغت 65 في المئة طوال العقد الماضي، إلى مستوى حوالي 11,9 تريليون دولار حتى سبتمبر الماضي. وخلال العقد المقبل فإن البرامج مثل الضمان الصحي والرعاية الصحية يمكن أن تواجه التخفيض نتيجة لسعي الحكومة لإغلاق هوة العجز في الميزانية التي ضخمتها برامج التحفيز الاقتصادي. ومع قدوم 2010، فإن واضعي السياسات في الولايات المتحدة أضحوا يركزون جهودهم على القطاع المالي الذي عانى من الفشل بشكل ملحوظ. فالتقدم في هذا المجال ما زال بطيئاً إلا أن خارطة النظام الجديد بدأت تتخذ الشكل المطلوب. إلا أن البنوك سوف تواجه إجراءات مشددة فيما يتعلق باستخدامها للأموال المقترضة من أجل تعزيز العائدات والإيرادات. وسوف يقوم “الاحتياطي الفيدرالي” برقابة صارمة على الأسواق ومن المحتمل أن يتخذ خطوات متشددة من أجل كبح جماح المساعي المتطرفة في تجشم المخاطر، أي التراجع بالكامل عن السياسات السابقة التي سادت بعد انفجار الفقاعتين. ولكن مثل هذه التغيرات سوف تفضي إلى صفقة كبرى تتمثل في ضرورة جلب نوع من النمو والديناميكية إلى الاقتصاد الأميركي مقابل الحصول على نظام رأسمالي يتسم بالمزيد من الأمان والمصداقية - أي نظام يساعد على تجنب نوع الأزمات التي حدثت في العقد الماضي وتحولت إلى كوارث. ويأمل بعض الاقتصاديين أن يأتي هذا الأمان بأقل تكلفة ممكنة. إذ يشير جيرمي ستين الأستاذ في جامعة هارفارد الذي أنفق أشهراً عديدة في تقديم النصح لوزارة الخزانة الأميركية في أسوأ فترات الأزمة إلى أن تحديد عمليات الاقتراض لا يعني بالضرورة العمل على تقليل التمويل الخاص بالأنشطة التجارية والإبداع التكنولوجي الذي ينطوي على النمو الكبير. وهكذا، فإن العديد من هذه التغييرات التي تعكف السلطات الأميركية على دراستها لم تتم تجربتها بهذا الحجم في السابق، ومما لا شك فيه أن بعضها سوف يبرهن على عدم جدواه. إلا أن الشيء المؤكد الوحيد أن نجاح أو فشل الولايات المتحدة في مسعى تحسين النظام الرأسمالي في العقد المقبل سوف يمضي على طول الطريق نحو تحديد الشكل الذي سوف يصبح عليه النموذج الاقتصادي الجديد في العالم أجمع. “عن وول ستريت جورنال”
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©