الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهطول المطري «المتأخر» ينقذ محاصيل سوريا ويعيد جريان نهر بردى

الهطول المطري «المتأخر» ينقذ محاصيل سوريا ويعيد جريان نهر بردى
5 مايو 2011 19:39
يبدو أن صيف دمشق هذا العام سيكون مميزاً، بعد أن تفجرت الينابيع وتبسمت الأزهار للربيع المبلل بأمطاره التي انحبست طويلا، وكل ما يأمله أهل الشام اليوم، هو أن تستمر مواسم الخير في السنوات القادمة، لتبقى دمشق الفيحاء نضرة، الحية بنهرها الخالد «بردى». عادت المياه إلى مجاريها وعاد بردى الرقراق منساباً بين البيوت الدمشقية العتيقة ومزارع الغوطة الغناء، ليضفي البهجة والسرور على أهالي الشام، فخرجوا في نزهاتهم الربيعية إلى ضفافه، وهم مشتاقون لمرأى الماء يتدفق بغزارة في مجرى النهر، بعد سنوات من شح المياه فيه. هذا النهر الذي تغنى به الشعراء، وكان له الفضل في استمرار الحياة في دمشق لأكثر من عشرة آلاف عام، حتى باتت أقدم مدينة مازالت مأهولة على وجه الأرض. النهر «صديقي» بين أهل الشام وبردى علاقة غامضة، فعندما يتدفق لينثر الأزهار ويشعل الخضرة على ضفافه يبتسمون وكأن بردى يضحك لهم، وحين يشح ماؤه وتبدو عليه علامات الجفاف يتأسفون ويحزنون وكأن بردى يخاصمهم. إلى ذلك، يقول محمد الصالحاني (70 سنة)، وهو يتأمل مجرى النهر مبتسما «والدي كان يصحبني إلى هذا المكان لنصطاد السمك». ويضيف بحسرة «كبرت المدينة ولم يعد الماء يكفي حاجات سكانها، لقد شربنا النهر مع أسماكه». يضحك الرجل ويتابع «نهر بردى في الأصل ليس نهراً غزيراً، لكن رافده نبع الفيجة هو ما يجعل منه نهراً، والفيجة من أعذب المياه على وجه الأرض، وهي تصل إلى البيوت الدمشقية عبر صنابير المياه، بينما في معظم بلدان العالم يشترون الماء من المتاجر، هذه نعمة عاشها أهل الشام لعقود طويلة، لكننا منذ سنوات بدأنا نعاني من قلة المياه نتيجة الزيادة الكبيرة في عدد السكان، فلم يتبق للنهر العزيز من الماء الكثير». عما إذا كان سعيداً بعودة المياه إلى بردى، يقول «كنا نخشى في بداية الخريف من تأخر المطر، وظل الحال كذلك حتى أواخر ديسمبر، لكن والحمد لله هطل المطر بغزارة خلال الأشهر الأربعة الماضية، وعادت المياه لتتدفق في النهر. إن هذا المشهد يبعث السرور في قلبي، فأقف هنا لساعات دون أن أشعر بالوقت أو بالوحدة، فالنهر صديقي». مخاوف ومفاجآت تفاقمت المخاوف مع انحباس الأمطار لأكثر من ثلاثة أشهر، وتهافتت تحليلات خبراء المناخ في أسباب هذه المشكلة، فمنهم من أرجعها إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، ومنهم من اعتبرها نتيجة دورة مناخية جافة، ووصف أحد الخبراء في سوريا موسم الأمطار بأنه الأسوأ منذ خمسين عاماً، وساد الذعر في الأوساط الاجتماعية والاقتصادية والزراعية السورية، وظل الوضع كذلك حتى نهاية ديسمبر، حين هلت أمطار الخير والثلوج بشكل مفاجئ فاق التوقعات، واستمر هطول الأمطار على فترات متقطعة حتى مايو الجاري. ورفع هطول الأمطار الغزيرة في معظم المحافظات السورية مخزون السدود التخزينية والترشيحية بنسب غير متوقعة كما زادت من تدفق الأنهار، ما انعكس ارتياحا شعبيا كما في الأوساط الزراعية والاقتصادية، ولاسيما أن زيادة حجم التخزين في السدود، تدعم المياه الجوفية، لأنها تشكل مصدراً رئيسياً لتغذيتها، وبالتالي توفير حاجة السكان من المياه الصالحة للشرب. في هذا السياق، يقول الدكتور موفق خلوف المدير العام للمؤسسة العامة لمياه الشرب في دمشق إن موسم الأمطار الغزيرة هذا العام أنقذ دمشق من أزمة مياه محققة، مشيرا إلى أن غزارة نبع الفيجة تجاوزت 10 أمتار مكعبة من المياه. ويتوقع خلوف أن ترتفع الغزارة مع ذوبان الثلوج في المرتفعات خلال الشهرين القادمين، واستمرار تدفق نهر بردى حتى موسم الأمطار القادم، ما يعني أن تدفق النهر سيستمر بغزارة طوال أيام السنة للمرة الأولى منذ سنوات. زراعة و«سيران» سليم العبدالله، أحد مزارعي غوطة دمشق، يعبر عن سعادته الغامرة بهطول الأمطار، ويتفاءل خيراً بمحصول وفير هذا العام. ويضيف «كنا قلقين جداً من انحباس المطر، لكن الهطول الغزيرة منذ بداية العام أنعشت آمالنا، وخصوصاً مع استمراره إلى شهر مايو الحالي، لأن الأمطار في هذا الشهر تحسن كثيراً من جودة المحاصيل». أما المزارع حميد سطوف فيقول إن هطول الأمطار أنقذ الكثير من المحاصيل الشتوية التي عانت من الجفاف في بداية الموسم. كما أنها مفيدة جداً لزراعة محاصيل الربيع والصيف، لأنها تمد التربة بالرطوبة اللازمة لهذه الزراعات، أما فائدتها للأشجار المثمرة فهي كبيرة بالتأكيد، لأن أهمية المياه للأشجار تراكمية. ويعتبر المزارع عبد الرحمن الغدير أن تساقط الثلوج بغزارة خلال هذا الموسم كان أمراً مهماً جداً لاستمرار تدفق النهر خلال الأشهر القادمة، ويضيف «هذا يمكننا من سقاية الأشجار بشكل جيد، كما أنني شخصياً أشعر بسعادة غامرة عندما أرى النهر يعود إلى طبيعته. وعادة ما أستقبل في بستاني المتنزهين من العائلات الشامية طوال أيام الصيف والربيع، مقابل أجر رمزي». والنزهة أو (السيران) الشامي، تقليد متأصل منذ زمن قديم بين أهالي دمشق المدينة، فهم يأتون في فصل الربيع، وفي أيام الجمعة، ليستمتعوا بافتراش البساط العشبي على ضفاف النهر، حيث يجلبون معهم مأكولاتهم ويلعبون الألعاب الشعبية التقليدية كالبرسيس وطاولة الزهر، ويتقافز الأطفال من حولهم وهم يلعبون بالكرة، وهذا ما يضفي أجواء من البهجة والمرح أستمتع بها كثيراً. تحذير أممي كانت المخاوف في بداية سبتمبر حقيقية، لاسيما بعد التحذير الذي وجهه الخبير الأممي أوليفيه ديشوتر من تفاقم أزمة الجفاف التي تعيشها سوريا منذ أربع سنوات، حيث قال إن سوريا تواجه وضعاً خطيراً، داعيا المجتمع الدولي للمساعدة على مواجهة الوضع، وخصوصاً مع فقدان الرعاة لأكثر من ثمانين بالمائة من مواشيهم وانخفاض مخزون المياه في السدود، وتراجع الإنتاج الزراعي، وتزايد موجات النزوح من الريف إلى المدينة.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©