الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نار الانتقام

نار الانتقام
5 مايو 2011 19:48
أحمد محمد (القاهرة) - تلقت شرطة النجدة اتصالا من الفتاة التي كان يبدو من صوتها أنها في حالة ذعر وهي تبلغ عن نشوب حريق في شقة والدها، وتكاد النيران تلتهمها هي وأختها الصغرى فحاول الشرطي أن يهدئ من روعها ويؤكد أنه خلال دقائق معدودة ستكون سيارات الإطفاء عندها فأغلقت الهاتف، وصرخت وهي تبحث عن اختها التي كانت نائمة واستيقظت على هذا الهرج والمرج وواصلت الفتاة صرخاتها المدوية حتى تجمع الجيران وبدأوا إحضار المياه لإطفاء الحريق. لم تمض إلا دقائق حتى جاءت سيارات الإطفاء تدق أجراس الإنذار وتم إفساح الطريق لها وانتشر رجال الحماية المدنية في المكان كل واحد منهم يعرف مهمته جيدا فهذا يحمل الخراطيم ويوصلها بالصنابير المعدة سلفا لمواجهة مثل هذه الحالات بينما يكافح اخرون النيران بالمياه التي يحتفظون بها في العربات وهناك من اقتحموا النيران مباشرة بالطفايات المحمولة واخرجوا اسطوانات الغاز حتى لا تنفجر وتحدث كارثة. النيران انتشرت في جميع غرف المسكن والدخان يتصاعد في سماء المنطقة وألسنة اللهب تتصاعد وتخرج من النوافذ فتثير الرعب لدى الجيران والمارة الذين تجمعوا يتابعون المشهد بتوجس، بعض السيدات والرجال كبار السن يدعون الله أن ينتهي الأمر على خير بينما راح الصغار في صراخ متواصل وآخرون يرددون الحمد لله انه لا أحد أصيب بسوء. إخماد النيران نصف ساعة كانت كافية للقضاء على النيران وإخمادها بعدما حاصروها من كل جانب بالسلالم العالية والطفايات الحديثة ومدافع المياه التي تطلق من بعد واختفى الدخان وانطفأت النيران تماما لكن آثار الحريق تثير الحزن والأسى، فقد أتت النيران على كل الأثاث والمفروشات والستائر والملابس والأدوات الكهربائية والتهمت الجدران والنوافذ ولم يعد المكان يحمل مما سبق شيئا، الجميع مشفقون على صاحب الشقة من هذه الخسائر الفادحة فهو مجرد موظف بسيط يكد ويكدح هو وزوجته من أجل ابنتيهما ومواجهة أعباء الحياة فالابنة الصغرى التحقت بالدراسة هذا العام أما الكبرى «رشا» فهي طالبة في كلية الهندسة وتحتاج إلى مصروفات ومبالغ كبيرة لشراء المراجع والكتب والمذكرات وغيرها. وضع مختلف «رشا» هذه تبلغ من العمر تسعة عشر عاما وهي التي تلقت الصدمة عندما اشتعلت النيران، وأبلغت النجدة واستغاثت واستنجدت بالجيران لإنقاذها وشقيقتها ولو أن الأمر كان مجرد حريق في شقة لانتهى وكأن شيئا لم يكن بعدما يمضي رجال الإطفاء إلى حال سبيلهم وقد أدوا مهمتهم الإنسانية على أكمل وجه، لكن ما ذكرته «رشا» جعل الوضع مختلفا تماما. من الطبيعي أن يحضر رجال المباحث لتحرير محضر روتيني في هذه الحالات لكن هذه المرة كانت هناك جريمة بشعة يجب الوقوف عندها وكشف غموضها فالحريق لم يكن عابرا أو أن أحد أفراد الأسرة نسي النيران ولا حتى ماسا كهربائيا وفجرت «رشا» في أقوالها المفاجأة الكبرى قالت إنها بينما كانت نائمة هي واختها استيقظت على طرقات على الباب وعندما توجهت وفتحت فوجئت برجل وامرأة ملثمين يهددانها بسلاح ناري وكمم الرجل فمها بيديه وحذرها من أن تحاول الاستغاثة وأمرها بأن تخبرهما عن مجوهرات أمها وأموال أبيها فأشارت لهما إلى مكانها واستوليا عليها ولم يكتفيا بذلك بل سكبا البنزين الذي احضراه معهما في كل أرجاء الشقة وأشعلا النيران ولاذا بالفرار فقامت فور خروجهما بالاتصال بشرطة النجدة للإبلاغ عن الحريق. كانت «رشا» ترتعد وهي تدلي بأقوالها ودموعها لا تتوقف واحيانا تصرخ عندما تستعيد الموقف وربما يفشل المحقق في تهدئتها فيتوقف عن توجيه الأسئلة إليها، ثم يأمر بإحضار كوب من عصير الليمون المثلج لها حتى تسيطر على أعصابها، وتتخلص من التوتر ويقوم رجال الأدلة الجنائية بفحص اثار الحريق لمعرفة سببه وبدايته والمواد المستخدمة فيه وكذلك رفع بصمات الغرباء الذين اقتحموا المسكن وسرقوه واحرقوه. الأمر بهذه الصورة يبدو انتقاميا فإن الجناة كانوا يريدون السرقة وقتل الفتاتين حرقا ولابد أن هناك عداوة وخلافا كبيرا للأب أو الأم مع هؤلاء المجرمين لكن الأبوين ينفيان ذلك جملة وتفصيلا وانهما لم يدخلا يوما في خصومة ولا خلاف مع احد ثم تأتي أقوال حارس البناية الذي يؤكد جازما انه كان متواجدا في المدخل عندما تناهت إلى مسامعه أصوات استغاثة الفتاة، وانه لم يبرح مكانه قبل اكثر من ساعتين، ولم يدخل احد غريب على الإطلاق والفتاة نفسها عجزت عن الإدلاء بأوصاف الجناة وتخبطت في أقوالها التي جاء فيها بعض التناقض كلما أعادت سرد الأحداث وأخيرا جاء تقرير الأدلة الجنائية ليؤكد عدم وجود بصمات غريبة في المكان. أصابع الاتهام كل ذلك جعل أصابع الاتهام كلها تشير إلى الفتاة نفسها وأنها وراء هذا الخراب لكن ما السبب؟ كانت الإجابة عند «رشا» عندما تمت مواجهتها بما تم التوصل إليه من معلومات وان روايتها كلها كاذبة وتمثيلية هابطة لم تنجح في اخراجها بشكل صحيح ولم تستطع مواصلة تأدية الدور فراحت تعترف بالتفاصيل الصحيحة والوقائع كما حدثت. جلست هذه المرة لكن بلا رعب أو خرف ولا رعشة وتجمدت دموعها وكأنها تتحدى الموقف، قالت إن أباها وأمها هما السبب، دفعاها لأن تكون مجرمة فلم تشعر يوما منهما بعطف أو حنان، ولم تعش طفولتها ويريدان أيضا أن يحرماها من أن تعيش شبابها لا تتلقى إلا الأوامر ليل نهار، ولا تسمع إلا التحذير والتوبيخ ويريان أن كل تصرفاتها خاطئة، ورغم أنها حصلت على درجات عالية في الثانوية العامة والتحقت بكلية الهندسة فانهما يصفانها بالفشل وازداد هذا الوصف بعدما لم تحقق نفس التفوق في السنة الأولى غير مباليين بما تسوقه من أسباب وبأن الدراسة في هذه السنة صعبة للغاية. انتظار النتيجة وبعد أن أدت امتحان الفصل الدراسي الأول كانت تخشى تكرار ما حدث وهي تنتظر النتيجة لكن ساءت الأمور لأسباب اخرى عندما تلقت توبيخا ورفضا من أمها وأبيها ايضا لاعتراضهما على ملابسها غير المحتشمة ووضع المكياج الصارخ اللافت للنظر والذي لا يليق بفتاة من أسرة محافظة ملتزمة، لكنها ترى أن ذلك عادي ولم تفعل اكثر مما تفعله زميلاتها وانتهى الأمر بصفعة على وجهها من الأب مع مزيد من الكلمات الساخرة والسب من أمها وهي تطلب منه أن يواصل ضربها. وفي الصباح توجه الأب والأم إلى عملهما بينما «رشا» تغلي وتريد أن تنتقم منهما فتفتق ذهنها عن حرق الشقة بما فيها ولن يكتشف أمرها لأنه لا احد سيراها وهي تسكب البنزين وتشعل النيران علاوة على أنها هي التي ستبلغ الشرطة بنفسها وتنقذ أختها وتستغيث بالجيران وبذلك لم يكون هناك دليل واحد ضدها ولن يكتشف أمرها.وقف الأب يضرب كفا بكف بينما الأم تبكي على خراب البيت والمحقق يوجه للفتاة اتهامات الحريق العمد وإزعاج السلطات والبلاغ الكاذب وتضليل العدالة ورغم ذلك وقف الأب والأم يعلنان تنازلهما عما فعلت فيهما لكنهما لا يملكان التنازل عن باقي الاتهامات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©