الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبوظبي.. حالة إبداع

أبوظبي.. حالة إبداع
30 ديسمبر 2009 21:24
في سعيها للتميز واجتراحاتها الثقافية، تبدو الإمارات في شكل عام وأبوظبي في شكل خاص، حالة خاصة في المحيط العربي. إذ تفتح قوساً واسعاً على الفعل الثقافي المؤسس، وتواصل سلسلة من الخطى الثقافية الطامحة لتأسيس حضور نوعي في الثقافة العالمية، سواء عبر المشاركة في الأحداث الثقافية العربية والدولية المهمة وإقامة الأسابيع والأيام في العواصم المختلفة، أو باستضافة الأحداث المهمة في الإمارات ضمن برامج تتميز بالتنوع والغنى والحرص على استقدام الجديد الثقافي. تبدو سلة الإمارات الثقافية ملأى بالجنى والثمار، فقد تمكنت من تسجيل حضورها اللافت في أكثر من فعالية عالمية مهمة (معارض الكتب في فرانكفورت ونيويورك ولندن والقاهرة والكويت وبينالي روما ومهرجانات السينما وغيرها)، ولقيت أجنحتها هناك إقبالاً واسعاً من الجمهور. واختيرت الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية في 2010، وحظي مهرجان الشرق الأوسط السينمائي في أبوظبي ومهرجان دبي السينمائي باهتمام واضح في مهرجانات السينما العالمية، ولفتت المشاركة الإماراتية في بينالي روما الأنظار وانتباه وسائل الإعلام، وكرست جائزة الشيخ زايد للكتاب حضورها العالمي عبر مشاركتها في معارض الكتب العالمية وتنظيم ندوات وبرامج على هامشها، واستقطب مهرجان دبي الدولي للشعر مائة من شعراء العالم من بينهم النوبلي وول سوينكا، والجنوب أفريقي برايتنباخ، وتألق الكتاب في معرضي أبوظبي والشارقة، ناهيك عن حضور المسرح في “مهرجان دبي للشباب” و”أيام الشارقة المسرحية”، ويحتشد المشهد بالتفاصيل والعناوين الفنية: بينالي الشارقة، أيام الشارقة التراثية، الاحتفال بيوم الشعر ويوم المسرح العالمي وغيرها كثير. حضور عالمي سريعاً أثمرت جهود أبوظبي، وحصلت مشاريعها وبرامجها على تقدير عربي وعالمي أكثر من مرة، وفي مشاركاتها في الفعاليات الثقافية العالمية كانت محط الأنظار ومصدر الاهتمام. المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات ومتاحفها التي أذهلت مجرد تصاميمها المعروضة في إحدى قاعات قصر الإمارات المعنيين بالشأن الثقافي، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، ومعرض الكتاب الذي تنظمه شركة “كتاب” المشروع المشترك بين هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ومعرض فرانكفورت سنوياً، ومهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي ومسابقة أفلام من الإمارات التي تقام في إطاره، جوائز الدولة التقديرية وما تحمله من مغزى تكريم الإبداع المحلي، وجائزة البوكر العربية للرواية، ليست سوى نماذج على الآلية التي يسير وفقها العمل الثقافي، والاحترافية الملموسة التي تصاغ بها طموحات الإمارة لتكون عاصمة ثقافية عالمية. علاوة على الدور الذي تقوم به في توعية الجمهور والارتقاء بالذائقة الفنية مما يصب في النهاية في خلق حالة إبداعية عامة وتأسيس البنى التحتية للعمل الثقافي وهي واحدة من المهمات الأولية لكل فعل ثقافي يبتغي الدوامية والتفاعل والتبادل ولا يكتفي بمجرد استضافة الحدث. لقد نجحت أبوظبي وهي تضع القواعد الأساسية لبناء ثقافي يراد له أن يكون عالياً وسامقاً، وحصدت ثمار إقامة معرض آرت أبوظبي ـ باريس، ومعرض بيكاسو لعامين متتاليين بسرعة، إذ جاءت أهم المتاحف والصالات ودور العرض العالمية (المتحف التركي العريق “الدولماباتشي”، ومتحف القياصرة الروسي على سبيل المثال لا الحصر) لتأتي وتعرض محتوياتها الثمينة أمام الجمهور الإماراتي. وشاركت ببرنامج واسع ومبتكر للفنون البصرية في بينالي البندقية. ومعرض “فن أبوظبي” واحد من العلامات الكبرى على خريطة الثقافة في الإمارات، وخطوة أساسية في علاقتها مع الثقافة العالمية التي يجري صوغها بوعي ودراسة وخطوات محسوبة. هذا الاشتغال الفني الذي يقدم مساحة شائقة للحوار الفني والإنساني بين شتى التيارات والمدارس الفنية من جهة، وبين الفنانين أنفسهم من جهة ثانية، وبين الفنانين والجمهور من جهة ثالثة، يسهم في تجسير الهوة القائمة بين الشرق والغرب وزحزحة الصورة النمطية التي بناها الجهل وسوء الفهم لدى الطرفين. وفي جهود تأسيس البنية التحتية أيضاً يأتي مشروع المكتبة الوطنية المتنقلة. هذا مشروع يعمل في العمق، لأنه ينشئ علاقة مستديمة بين الناس والكتاب لاسيما الأطفال والشباب. وهو إذ يتجول بين المناطق النائية إنما يرسم خريطة مستقبلية للمقروئية، ويمنح المهتمين فرصة لعيش تجربة فريدة على متن حافلة للكتب. جائزة زايد الكتاب واصلت جائزة الشيخ زايد للكتاب صناعة حضورها العالمي بعد أن ترسخت وتجذرت في محيطها المحلي والعربي، واستطاعت أن تحظى باهتمام واحترام الأوساط الثقافية العربية والعالمية، ولعل هذا ما اتضح أثناء مشاركاتها في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، ومعرض إكسبو الأميركي للكتاب بنيويورك، ومعرض لندن للكتاب، ومعرض القاهرة للكتاب، علاوة على سعيها لبناء جسور التواصل مع الجوائز الأخرى وفي مقدمتها جائزة نوبل. ويأتي هذا الحضور للجائزة التي نجحت في ترسيخ اسمها “كإحدى أبرز الجوائز الثقافية وأكبرها قيمة وقدراً على الصعيد الإقليمي والدولي، ضمن استراتيجية الأمانة العامة لتوسيع انتشار الجائزة على المستوى العالمي في أهم الفعاليات والأحداث الثقافية. أما مشروع “كلمة” الذي يعنى بالترجمة ومن خلالها أهدى للمكتبة العربية كنزاً حقيقياً من الكتب عكست الاختيارات النوعية المدروسة، فقد قدم للثقافة الإماراتية هدية أخرى تمثلت في حصول كتبه على خمس جوائز رفيعة آخرها فوز كتاب “بروست، فرعون الزمن الضائع” للناقد الألماني ميشائيل مار بجائزة هاينريش ميرك للنقد الأدبي التي تعد أهم جائزة نقد أدبي في ألمانيا، وقبله كتاب “أرجوحة النفس” لهيرتا موللر التي حازت جائزة نوبل الأدبية، وفالتر كبّاخر بكتابه “سلينا” وجائزة بوشنير الأدبية، وكاترين شميدت وجائزة الكتاب الألماني الأدبية، وإلما راكوزا وجائزة الكتاب السويسرية. سينما وصورة عشرة أيام سمان كانت أيام مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الذي احتفى بالفن السابع، وقدم العديد من سينما العالم، فاتحاً أفقاً واسعاً لتيارات السينما المختلفة. سينمائياً، أعلنت الجمعية العالمية للهيئات السينمائية عن اعتماد لجنة أبوظبي للأفلام كعضو في الجمعية، والاعتراف بها كلجنة أفلام دولية. ومن “كان” أعلنت لجنة أبوظبي للأفلام مبادراتها الجديدة لعام 2009 والتي تشمل “منحة الشاشة” ومسابقة أفلام من الإمارات والنسخة الجديدة من مؤتمر ذي سيركل بالاشتراك مع “إيميج نيشن” أبوظبي. وفي استراتيجيتها تنطلق أبوظبي من رؤية ثقافية شمولية تضم التراث المادي والمعنوي، إلى جانب تطوير مختلف أشكال الفنون والموسيقى والأدب والسينما المحلية والدولية. وتشجيع الإبداع في حقول الفن والثقافة، والترويج للتراث، والتقاليد العربية والإسلامية على المستوى الوطني والعالمي. وها هو كويشيرو ماتسورا مدير عام منظمة اليونسكو يشيد بتعاون دولة الإمارات العربية المتحدة مع المنظمة الدولية، مؤكداً أنه أبرز تنوع الثقافة العربية في العالم. وبفضل هذه الجهود تم انتخاب دولة الإمارات العربية المتحدة رئيساً للجنة الدولية الحكومية للتراث غير المادي باليونسكو. وتم اعتماد عضوية هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في مجلس الحرف العالمي لأقاليم آسيا والباسيفيك. وفي الاعترافات المتواترة بأهمية الفعل الثقافي الذي تجترحه أبوظبي تأتي شهادات عدد من أهم الأسماء الموسيقية في العالم: السير بن كينغسلي الممثل الحائز على جائزة الأوسكار والمايسترو الألماني كريستوف إشنباخ اللذين قالا إنهما وجدا مصدر إلهامهما الجديد في أبوظبي، فيما اعتبر المايسترو الكوري ميونغ وان تشونغ أبوظبي أحد أهم العواصم الموسيقية في العالم”... الشهادات كثيرة والمجال لا يتسع لإيرادها كلها. ولأن الركون إلى المنجز المتحقق أمر لا ينبغي أن يستطيب المهموم بالثقافة العيش في ظلاله، يمكن لمن يراقب الحياة الثقافية أن يلاحظ الحراك الدائم على هذا المستوى، وأن يلمس الرغبة المتواصلة في إنجاز خطوات أكثر تقدماً على الطريق الطويل إلى نجمة الوعي... تلك التي تضيء في الأعالي.. لكنها تظل قريبة من عشاقها، تؤنسهم وتشعلهم وتدخلهم كل لحظة إلى بهجة غامرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©