الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحكومة البريطانية··· مكسب سياسي من الأزمة المالية!

الحكومة البريطانية··· مكسب سياسي من الأزمة المالية!
17 أكتوبر 2008 23:03
إذا كان التشبه بالشخص أعلى درجات المجاملة، فإنه يحق لرئيس الوزراء ''جوردون براون'' الشعور بالفخر والاستمتاع بسماع عبارات الإشادة والثناء، فقد لجأ نظراؤه الأوروبيون الواحد تلو الآخر إلى صياغة خططهم لإنقاذ النظام المالي على النموذج البريطاني الداعي إلى ضخ الأموال في البنوك مع تسهيل عملية القروض بينها؛ وهكذا تحركت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء الماضي لشراء أسهم في أكبر تسعة بنوك لديها تصل قيمتها إلى 250 مليار دولار، وهي خطوة عكست بوضوح تأثر أميركا بخطوة ''بروان'' التي اقترحها للخروج من الأزمة المالية ودعا فيها إلى تأميم جزئي للبنوك المترنحة؛ والنتيجة اتفاق الجميع، خصوماً وأصدقاء، على الإشادة بالدور الذي لعبه ''براون'' في حلحلة الأزمة والخروج بأقل الخسائر؛ فمن جهة دعا المتمردون داخل حزب العمال، الذين كانوا إلى وقت وجيز يسعون إلى الإطاحة به، إلى هدنة وجمدوا محاولاتهم في هذا الاتجاه، ومن جهة أخرى وجد الخصوم السياسيون في الأحزاب المعارضة أنفسهم مضطرين للاعتراف بفعالية خطة ''براون'' وقدرتها على اجتراح الحل· وحتى الصحافة الفرنسية التي لم يعرف عنها قط تقديرها للقادة في بريطانيا وصفت براون ''بالساحر''، هذا في الوقت الذي اتبع فيه الرئيس نيكولا ساركوزي خطوات مماثلة· وتساءل ''بول كروجمان'' الحاصل مؤخراً على جائزة نوبل للاقتصاد بنبرة نصف جادة ما إذا كان ''براون'' قد أنقذ النظام المالي العالمي وانتشله من براثن الانهيار، وأضاف ''كروجمان'': أن ''براون وفريقه في وزارة المالية أبانوا عن وضوح في التفكير وسرعة في الحركة، وبالأخص ما أظهره من حزم فاق كل ما رأيناه لدى الحكومات الغربية''؛ لكن لماذا بريطانيا بالذات باقتصادها المتوسط وبرئيس وزرائها الذي يعاني من مصاعب سياسية تلعب هذا الدور الرائد للخروج من الأزمة المالية؟ الواقع أن المحللين يشيرون إلى مجموعة من العوامل يأتي في مقدمتها التجربة الطويلة التي يتمتع بها ''جوردون براون'' على رأس وزارة المالية، حيث قضى فيها عشر سنوات جعلته الأنسب والأقدر على معالجة الأزمة، فهو يفهم تعقيدات الوضع المالي ويعرف اللاعبين الأساسيين في الدوائر المالية البريطانية؛ ويعبر عن ذلك ''جون كورتيس'' -أستاذ السياسة بجامعة سترادسلايد الاسكتلندية- قائلا ''إنه موضوع يملك فيه براون خبرة مهمة، وواضح أن طبيعة الأزمة تصب في صالحه''· ومهما يكن مصدر الخطة، فإنه بحلول الأسبوع الماضي كان ''براون'' وفريقه قد كشفوا عن خطتهم التي لا تكتفي بتخصيص مئات المليارات من الجنيهات الإسترلينية لتأميم البنوك جزئياً وتوفير السيولة وإلغاء ديون البنوك، لكنهم شرعوا أيضاً في حث شركائهم في أوروبا والولايات المتحدة بالسير على هديهم؛ غير أن البطء الذي أبداه هؤلاء الشركاء في الاستجابة لدعوات البريطانيين أرجعه ''فيليب مارتان'' -أستاذ الاقتصاد بجامعة السوربون في باريس إلى أسباب سياسية موضحاً ذلك بقوله: ''في أوروبا هناك أولوية الاستقرار التي تحكم قرارات القادة، كما أن الألمان لا يريدون ضخ أموالهم العامة في بنوك الآخرين''، وأضاف مارتان أن ''عدم انتماء بريطانيا إلى منطقة اليورو جعلها أكثر حرية على الصعيد السياسي''· وقد كان لافتا دعوة ''براون'' إلى قمة دول منطقة اليورو في باريس خلال نهاية الأسبوع الأخير، حيث أعاد التشديد على نجاعة خطته، وبحلول يوم الإثنين الماضي، كانت كل من فرنسا وألمانيا وإسبانيا والنمسا تتبع الخطوات البريطانية ذاتها· ويقول البروفيسور مارتان في هذا السياق ''إنه لمن المفارقة أن يقود بلد خارج منطقة اليورو النقاش للخروج من الأزمة المالية، فقد أثبتت بريطانيا أنه ما كنا في حاجة إليه هو التشخيص الصحيح للأزمة، فالمشكلة لم تكن في السيولة، بل في العجز عن السداد، وما أن نُدرك هـــذه الحقيقـــة حتى تتبين نجاعـــة الحـل البريطاني''· ومع أن وزير الخزانة البريطاني ''أليستير دارلينج'' كان قد أطلع الأميركيين بتشخيصه في اجتماع دول مجموعة السبع بواشنطن خلال نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن أحدا لم يتجاوب مع الخطة البريطانية؛ ورغم رفض وزير الخزانة الأميركي أي حديث عن التأميم الجزئي باعتباره إعلانا للفشل، عاد وغير رأيه يوم الإثنين الماضي وراح يقنع مدراء البنوك بشراء الدولة لأسهم فيها· ويؤكد ''ريتشارد هاريس'' الاستشاري السابق في بنوك استثمارية أميركية والأستاذ الحالي بجامعة إكستر الإنجليزية قائلا ''كان بولسون قبل أسبوعين متحفظا جدا إزاء مسألة ضخ أموال في النظام البنكي بالطريقة التي قامت بها بريطانيا، وقد يكون السبب عدم اقتناعه بالحل، وربما بكونه محقاً، أو قد يكون السبب أيديولوجيا، إذ كيف لحكومة تعتنق مبادئ السوق الحرة أن تحوز أسهماً في البنوك''· وإذا كانت الأيديولوجية مصدر حرج بالنسبة لإدارة الرئيس بوش إلا أنها تناسب تماماً ''براون'' الذي تعرضت حكومته لانتقادات شديدة من زملائه في يسار الوسط بسبب التعويضات الكبيرة المخصصة للمدارء، بحيث من المتوقع أن يشكل نجاح خطة براون تحولا كبيراً في مستقبله السياسي؛ ومع أن الأزمات المالية عادة ما تطيح بالحكومات، إلا أن الأزمة الحالية قد تعزز من فرص براون على الساحة السياسية بعد الإخفاقات التي تعرض لها حزب العمال في الانتخابات المحلية، وهو ما عززه مسح أجري في الأسبوع الماضي، وأشار إلى أن أغلبية بسيطة من البريطانيين يفضلون الثنائي ''براون'' ووزير خزانته ''أليستير دارلينج'' على ثنائي حزب المحافظين والمتمثل في ''ديفيد كامرون'' و''جورج أوزبورن''· مارك رايس أوكسلي-لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©